تختتم الجماعات التكفيرية في سوريا عامها الحالي بمزيد من الخسائر الميدانية والسياسية، يضاف إليها تكشف عقم المشاريع التي حملتها طيلة السنوات الماضية، استناداً إلى فكر واضح الانحراف، أولى سقطاته تفلت ما يسمى “البيئة الحاضنة” عنه، أو ما سماه أبو مصعب السوري* “المناخ الجهادي” في محاضراته التي القاها تحت عنوان “إدارة تنظيم حرب العصابات” في مدينة خوست الأفغانية عام 1989.
أسهب أبو مصعب كثيراً في كتابه “المرجع” للجماعات المسلحة عن “المناخ الجهادي”، واعتبر أن جماهير الناس هي البحر الذي تتحرك فيه العصابات (السمكة)، وبدون وجود هذا البحر لا تستطيع السمكة أن تعيش.
إسقاطات كتابات أبو مصعب على واقع الجماعات المسلحة في سوريا، تكشف العديد من الترابط، وما كتبه هذا الرجل في فترات سابقة، برزت خلال العام الحالي كثيراً في أحاديث المسلحين وقادتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، في إطار محاولتهم “تصويب المسار” استناداً إلى كتابات السوري، وهو المنحدر من مدينة حلب السورية.
وليس من الواضح إن كان ابو مصعب واسمه الحقيقي مصطفى الست مريم نصار، يدري أن في مسقط رأسه، وجهت الضربة الأقوى لمشروع الجماعات التي كتب لها خلال خلال مسيرته، خلال معارك مع الجيش السوري وحلفائه، في عام 2016، وأدت تلك الهزيمة إلى تشتت كبير لدى تلك الجماعات، وتخبط وارتفاع في حد الإنقسامات الداخلية، وهي التي كانت برزت بوضوح خلال الأشهر الماضية.
خسارة في الميدان
خسارة حلب كجغرافيا، ليست الوحيدة خلال عام 2016، بل خسر التكفيريون في غوطة دمشق الشرقية العديد من مناطق سيطرتهم، وباتت القوات السورية على مشارف مدينة دوما، المعقل الأبرز لهم، فيما أنجزت القوات السورية إخراج المسلحين من مناطق داريا والمعظمية وخان الشيح ومدينة التل، وأبعدت خطرهم عن مدينة دمشق. وفي الجنوب السوري، منيت الجماعات المسلحة بخسائر كبيرة أيضاً، لم ينفعها دعم العدو الصهيوني بغاراته في ريف القنيطرة، ولا كثرة المعارك التي فتحتها في تلك المنطقة، تحت مسيمات مختلفة. كما استعاد الجيش السيطرة على مناطق عدة أبرزها الكتيبة المهجورة بين داعل وابطع أواخر العام، ومدينة الشيخ مسكين وبلدة عتمان بداية العام 2016.
ومن الجنوب إلى شرق البلاد، كان الدعم الغربي المباشر واضحاً، حيث شنت الطائرات الأميركية غارات على مواقع الجيش السوري في جبال الثردة بدير الزور، دعما لتنظيم داعش، الذي تقدم إلى مدينة تدمر وسط البلاد تحت أعين قوات التحالف أيضاً، بحسب ما أفادت تقارير روسية في حينها.
اخفاق المشروع
خلال عام 2016، أيقنت العديد من المناطق السورية، بأن جماعات التكفير لا تحمل أي مشروع يضمن لها الإستقرار والأمان، فخرجت في تظاهرات ضد تواجد جبهة النصرة في مناطق بريفي ادلب ودرعا، وضد تواجد جيش الإسلام في الغوطة الشرقية، وضد أحرار الشام في ريفي ادلب وحماة ودرعا.
وخاضت جبهة النصرة حروباً إقصائية ضد فصائل تابعة للجيش الحر في ريف ادلب، وحركة أحرار الشام ضد جند الأقصى في ريفي حماة وادلب، ودارت مواجهات بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن في الغوطة الشرقية، قتل وأصيب في هذه المعارك مئات السوريين بين مسلحين ومدنيين، وأقيمت الأحكام العرفية في مناطق سيطرة الفصائل على قاعدة من ليس معنا فهوة ضدنا، أعدم بموجبها العديد من الأشخاص، وسجن آخرون.
ولعل ادلب هي معيار نجاح هذه العصابات في مشروعها، بعد أكثر من عام على سيطرتها عليها، حيث عانى الاهالي هناك من ممارسات الجماعات المسلحة، تحدثت عنها تنسيقياتهم، وتقرير استشنائي لمنظمة العفو الدولية تحدث عن جرائم حرب قامت بها احرار الشام والنصرة وبعض فصائل الحر ضد المدنيين الواقعين تحت سيطرتهم، كما أن مدينة حلب شهدت ممارسات لا إنسانية بحق المدنيين.
وفشلت الجماعات المسلحة في الإندماج فيها بينها، بسبب التنازع على المناصب والمكاسب، رغم العديد من المحاولات التي صبت في هذا الإتجاه، ما أثار نقمة شعبية على قادة المسلحين، خصوصاً انهم يتواجدون بشكل شبه دائم في تركيا، ويعمل معظمهم بالتجارة.
وبعد ما يقارب ست سنوات من الاحداث في سوريا، وضعت العديد من النخب الفكرية التابعة للتكفيرين مشروعها في الميزان، وكان للمنظر أبو قتادة الفلسطيني كلام واضح، بأن هذه الجماعات كانت على مر الأزمات “المغفل النافع”. وبرزت في العام 2016 على الساحة التكفيرية مسألة الدعم المالي الإقليمي، ما رهن قرار هذه الجماعات لصالح الداعم، وأدى إلى تشتت الأهداف والإنقسام، وبالتالي ضياع الهدفية من وجودها على الساحة، إلا لاوامر الداعم الإقليمي.
وبحسب أبو مصعب، فإن من شروط الدعم المالي الذي يقدم للجماعات هو معلومات عن قادة الفصائل، وهذا ما فسر سقوط العديد من القادة خلال العام 2016، وأبرزهم من جبهة النصرة: أبو فراس السوري، أبو الفرج المصري، أبو عمر سراقب، حيث اتهمت الجبهة في حينها التحالف الدولي بتصفيتهم، من دون تقديم أي تفاصيل اخرى.
المعطيات الميدانية والسياسية أكدت اعتماد هذه الجماعات على دول إقليمية وغربية عديدة، وكشفت مخازن المسلحين عن وجود أطنان من الأسلحة الأميركية، وصلت إليها بطرق مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الدول الإقليمية، كما أن الدول الغربية وظفت سياسياً هذه الجماعات، بهدف تدمير الحكومات والجيوش في المناطق التي تنشط بها، خدمة لمصالحها وللكيان الإسرائيلي.
هزيمة استراتيجية
وتدخل الجماعات المسلحة التكفيرية عامها الجديد حاملة إخفاقات أعوامها السابقة، بالحرب كما بالسياسة، رغم الطروحات الكثيرة التي رفعهتا حركة أحرار الشام، التي لم تبصر النور، بسبب عدم نجاعتها، خصوصاً بسبب عدم نجاحها في إدارة العديد من الملفات السياسية من مفاوضات جنيف واجتماع المعارضة في الرياض، وانتهاء بمفاوضات حلب اواخر العام.
وبالنسبة إلى تنظيم القاعدة، شهد عام 2016 ضربة كبرى لمشروعه في سوريا، بعد تخلي جبهة النصرة عن ارتباطها بهذا التنظيم، وهذا ما يعكس اقتناعاً لدى قادة هذه الجماعة بأن مشروعها لن يبصر النور على أرض الشام، وراحت تبحث عن ساحات أخرى قد يكون الشرق الآسيوي أحد محطاته.
فشل المشروع وانعدام قابليته للتحقق، ورفض المجتمع له، بالإضافة إلى خسائر الميدان، تشكل مجتمعة هزيمة استراتيجية للجماعات التكفيرية، حتى بات الحديث عن انقاذ تجربة القتال في سوريا، إيمانا منهم بفشلها أقلها خلال الأعوام الماضية، فهل سيكتب مرة أخرى أبو مصعب السوري عن تجربة جديدة فاشلة في سوريا ؟
وكان أبو مصعب السوري قد عدد نقاط تؤدي إلى فشل “التجربة الجهادية”، وأبرزها: غياب الاستراتيجية، تشرذم المقاتلين في تنظيمات شتى، عدم وجود أهداف واضحة على الصعيد الإيديولوجي، ضحالة الوعي السياسي، خسارة الجماهير، وغياب أي تصور عن مرحلة ما بعد سقوط النظام. هذه النقاط برزت بشكل واضح على الساحة التكفيرية في سوريا، وبحال استندنا إلى ما قاله هذا الرجل المنحدر من مدينة حلب السورية، فإن العام القادم سيشهد إنهياراً للمشروع التكفيري في ذاك البلد.
من هو أبو مصعب السوري ؟
هو مصطفى الست مريم نصار، ولد في مدينة حلب السورية عام 1958، وفيها درس الهندسة الميكانيكية، يعرف أيضاً بإسم عمر عبد الحكيم. انضم إلى جماعة “الطليعة المقاتلة” في سوريا والتي أسسها الإرهابي مروان حديد. لأبو مصعب العديد من الكتب التي تعبر مرجعاً لجميع الجماعات المسلحة في سوريا.
المصدر: موقع المنار