كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع القيّمين على شؤون الحج – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع القيّمين على شؤون الحج

بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين، [ولا] سيّما بقية الله في الأرضين.

أرحّب كثيراً بالإخوة والأخوات الأعزَّاء؛ أرحّب بالزوَّار والحجّاج الذين وفّقوا هذا العام وسعدوا إذْ ستقرّ أعينهم بزيارة الكعبة المنوّرة ومرقد النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأئمّة البقيع (عليهم السلام)، وكذلك أرّحب بالعاملين المنظّمين لهذه الحركة الوطنيّة والشعبيّة العظيمة. أتوجّه بالشكر الخالص للقيِّمين على تنظيم الحجّ؛ فالجهود التي يقومون بها جهود قيّمة بالفعل، وإنّه لتوفيق عظيم أن يتمّ تنظيم حجّ سليم، ومتألّق على المستوى المعنويّ، ومتطابق مع الضوابط الإسلاميّة المطلوبة، وأنتم العاملون على تنظيم الحجّ تتولّون قسماً مهمّاً من ذلك. أسأل الله أن يتقبّل ذلك منكم وأن يحفظكم.

قيل الكثير في الحجّ، تحدّث الأجلاء، تحدّث آخرون، وقد أشرنا نحن أيضاً لبعض المطالب، لكن في الحجّ كلام وبحث ونقاط تتجاوز كلّ ما قيل، وقد روي هذا المعنى عن الإمام المعصوم (عليه السلام) حيث يذكر الراوي سؤال الأصحاب للإمام (عليه السلام) عن الحجّ على مدى سنوات، وذكر الإمام (عليه السلام) مطالب جديدة في كلّ مرة، وقد أيّد الإمام ما قاله الراوي، وقدّم له الإجابة المناسبة.

ما أريد قوله اليوم: إنّ لفريضة الحجّ عدّة مستويات وأبعاد وهي فريضة حافلة بالمضامين، فللحجّ في شقّه المعنويّ كما في شقّه الماديّ أبعاد مختلفة، بيد أنّ هناك نقطتين هما من النقاط البارزة في الحجّ باعتقاد هذا العبد، إحداهما ترتبط بداخل الإنسان وباطن الإنسان، وروح الإنسان التي منها يولد العلم والمعرفة والعزم، والأخرى ترتبط بالحياة الاجتماعيّة.

أمّا النقطة التي ترتبط بداخل الإنسان، وباطنه، وتربيته، وبتعزيز العزيمة والإرادة الصحيحة فيه فهي مسألة الذكر، فالذكر في الحجّ عنصر بالغ الأهميّة، لكم أن تلاحظوا الحجّ من أوله إلى آخره، بدءاً من الإحرام ومقدّماته، إلى أداء العمرة، إلى إحرام الحجّ، وما يلي ذلك من الوقوف وسائر أعمال الحجّ الأخرى، ستجدون سائر أجزاء الحجّ مليئة بالأذكار وذكر الله.

لذا جاء الأمر بالذكر في الحجّ في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم، الآيات التي قاموا بتلاوتها، ومن جملتها هذه الآيات: {فَإِذا أَفَضتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذكُرُوا اللهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرامِ} (البقرة، 198)، {وَاذكُرُوا اللهَ فِي أيَّامٍ مَعْدُوداتٍ} (البقرة، 203)، {فَاذكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُم} (البقرة، 200)، {فاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيها صَوَافَّ} (الحجّ، 36)؛ كلُّها ذكرٌ، الحجّ بأسره ذكر، سواء في الطواف، أو في السَّعي أو في صلاة الطواف، أو في الوقوف في عرفات، أو في المشعر، أو في أعمال مِنى. فالحجُّ بأسره ذكرٌ، وتوجُّه إلى الله. وهذا الذِّكر هو منشأ الحياة، وهنا تكمن أهميَّته. فإذا ما كان ذكر الله في قلوبنا، وظلّلت خشية الله هذه القلوب على أثر ذكره، وجدنا أثر ذلك في حركتنا في الحياة، في إرادتنا، في عزيمتنا، في قراراتنا الكُبرى. إنّ الشعب الذي تنتظره أعمال كبيرة وأساسيّة، لا بدّ لكلّ فرد فيه أن يأنس بذكر الله.

نحن أحياناً نُوصي حجَّاجنا المحترمين والأعزَّاء أن يصرفوا فكرهم في مكّة والمدينة إلى ما لا يحظى به المرء إلّا في ذلك المكان، وأن لا يشغلوا فكرهم بما يمكن الحصول عليه في كلّ مكان؛ فالسُّوق موجودٌ في كلِّ مكان، البضائع وما يداعب العينين ويبهر الأبصار موجود في كلّ مكان، ذاك الذي لا يوجد حيثما كان هو الكعبة، هو المسجد الحرام، هو الطواف، هو زيارة القبر المطهَّر للنبيّ (صلّى الله عليه وآله)؛ هذا ما لا تجده إلّا هناك، فالتفتوا إلى ذلك في هذه الأيّام القليلة التي تتواجدون فيها هناك، اعرفوا قدره ولا تضيعّوه، ونحن إن كنّا نؤكّد على هذا، فلأنّ تذكّرنا وذكرنا لله يعقبه الفلاح، {فَاذكُرُوا اللهَ كثيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُون} (الأنفال، 45)، الذِّكر يعقبه «الفلاح». ولا يقتصر الفلاح هنا على الفلاح المعنويّ والروحيّ، الفلاح يعني التوفيق، الفلاح يعني النجاح، يعني بلوغ الهدف والمقصد في جميع ما نصبوا إليه. هذا ناجم عن الذِّكر، هذا العنصر الأساسيّ في الحجّ يرتبط بداخل الإنسان، بيد أنّه صانع لحياة الإنسان.

وأمَّا ما يرتبط بالمحيط الاجتماعيّ، فهو قضيّة «الوحدة»، قضيّة الانسجام والتكامل، قضيّة الرؤية الموحّدة، قضيّة إقامة العلاقة مع جميع المسلمين، وهذا أمر بالغ الأهميَّة في الحجّ. وقد قلنا مراراً إنَّ الله المتعالي لم يأمر النبيّ إبراهيم (عليه السلام) بدعوة فئة خاصّة من الناس؛ بل كانت الدعوة للناس جميعاً: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ} (الحجّ، 27)؛ يقول: اُدعُ النَّاسَ، كلَّ النَّاس، ادعهم جميعاً إلى الحجّ. فما الذي تعنيه دعوة الناس جميعاً في أيّام معدودة ومعلومة من كلّ عام للحضور في مكان معيّن؟ معناه أنّ الإرادة الإلهيّة – الإرادة التشريعيّة – تعلّقت بتقارب الناس واجتماعهم حول بعضهم بعضاً، بأن يتعرّف بعضهم على بعض، بأن يفكّروا معاً، بأن يقرّروا معاً. الفجوة الكبيرة التي نواجهها اليوم هي: «أن يقرّر المسلمون معاً»، أن يجتمعوا في مكان واحد، ويعود هذا الاجتماع بالنتائج الطيّبة على العالم الإسلاميّ، بل على البشريّة؛ هذا ما نسعى إليه.

طبعاً مقدّمة ذلك هي التفاهم، وتجاوز القوميّات، وتجاوز التشرذُم الطَّائفيّ والفئويّ. هناك مذاهب مختلفة في الإسلام، [تجتمع في الحجّ] بعضها إلى بعض، جميعهم على نسق واحد، بلباس واحد، بحركة واحدة، في نقطة واحدة؛ هذا هو الاجتماع الإلهي، هذا هو الاجتماع الإسلاميّ. هذا هو «ذاك البعد السياسيّ البارز والواضح للحجّ». هاتان النقطتان حاضرتان في الحجّ: «الذكر» و«الاتحاد والوحدة الإسلاميّة». هذا، ولا شكَّ أنَّ ما جاء في القرآن وفي كلمات رسول الإسلام الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وكلمات عظماء الإسلام حول عدم التفرّق لا يختصّ بالحجّ؛ آية {وَاعتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران، 103)، والعديد من آيات القرآن الأخرى تنهى المسلمين عن التفرُّق والعداوة وشبههما فيما بينهم. إذاً هاتان هما نُقطتا الحجِّ البارزتان.

دعوني أشير هنا إلى أنّه لا ينبغي أبداً عند الحديث عن الحجّ؛ نسيان الاسم المبارك للنبيّ إبراهيم (عليه الصّلاة والسلام). فالقرآن يذكر لنا الكثير من الدروس التي علّمنا إيّاها النبيّ إبراهيم (عليه السلام). أحدها هذه الدَّعوة إلى الحجّ: {أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ} (البقرة، 27)، وأمره للناس: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْرَاهيمَ مُصَلًّى} (البقرة، 125). أو {وَعَهِدْنا إِلَى إِبْراهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ أنْ طَهِّرا بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعاكِفينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (البقرة، 125). هذا التطهير الذي أُمرا (عليهما السلام) به، يُشعر الإنسان بوجود مشكلات في هذا المكان قبل النبيّ إبراهيم (عليه السلام)، وأنّه (عليه السلام) قام بالإضافة إلى رفع قواعد البيت بتطهيره من تلك الخبائث التي لم يأتي تاريخنا وروايتنا على ذكرها بشكل واضح ودقيق.

من هنا يقول هذا العبد: وفقاً للتعاليم التي جاءنا بها النبيّ إبراهيم (عليه السلام)؛ الحجّ هذا العام هو حجّ البراءة. طبعاً البراءة كانت حاضرة منذ بدايات الثورة الإسلاميّة. منذ بداية الثورة والبراءة حاضرة في الحجّ، كانت ويجب أن تبقى وتستمرّ، لكنّ هذا العام بالخصوص الحجّ فيه حجّ البراءة؛ فالأحداث التي تجري اليوم في غزّة، هذه الحادثة المذهلة والعظيمة، وسقوط القناع عن الوجه الدمويّ لهذه المجموعة التي هي نتاج الحضارة الغربيّة، ليست وليدة هذا اليوم وهذه الأيّام، وليست أموراً مستجدّة، والاهتمام بها لا يقتصر على هذا اليوم وهذه الفترة. إنّ ما يحدث اليوم في غزّة وفلسطين سيُخلَّد في التاريخ؛ من جهة هذه الهجمات الوحشيّة، وهذا الكلب الصهيونيّ المسعور، وأولئك الصهاينة المتعطشين للدماء، ومن جهة أخرى تلك المظلوميّة التي يعيشها مسلمو غزّة وفي نفس الوقت المقاومة التي يسطّرونها، هذه وتلك ستشكّل كلّ منهما علامة بارزة في التاريخ، ستشكّلان شاخصاً في تاريخ هؤلاء وأولئك؛ هذه علامات مهمّة سترسم الطريق لمستقبل البشريّة.

تلاحظون اليوم انعكاس هذا الحدث في المجتمعات غير المسلمة، فهو حدث مذهل ولا سابق له. ما يحدث اليوم في الجامعات الأمريكيّة وبعض الدول الأخرى[2]، أساساً، وناهيك عن أنَّه لا سابق له، فلو أنَّ أحداً كان قد ادَّعى أنَّه من الممكن أن يحصل شيء كهذا ذات يوم، لَما صدَّقه أحد؛ فما كان أحد يُخمِّن أن يقع حدثٌ كهذا! وهذا دليل على أنَّ هذه [الأمور] هي مؤشر وشاخص.

ما تكليفنا إذن؟ فلنتعلَّم من النبيّ إبراهيم (عليه السلام). لاحظوا أنتم، أنَّ النبي إبراهيم (عليه السلام) هو من بين الأنبياء ذوي القلوب الرحيمة. فلم يكن الأنبياء من حيث السِّمات الأخلاقية كلُّهم على شاكلة واحدة. [كان] النبيّ إبراهيم (عليه السلام) ذا قلب رحيم جداً؛ مثلاً حينما يريد الملائكة أن يذهبوا لتعذيب قوم لوط (عليه السلام)، كان النبيّ إبراهيم (عليه السلام) يجادلهم ليرحموهم. {يُجادِلُنا في قَومِ لُوط} (هود، 74)؛ أي إنَّه يريد أنْ يتوسَّط عند ملائكة الله، وأنْ يشفع في قوم لوط (عليه السلام) ليرحموهم؛ هذا ما كان عليه النبيّ إبراهيم (عليه السلام) – كان الوضع لدى بعض الأنبياء الآخرين بنحو آخر، لكنّي الآن أريد الحديث عن النبيّ إبراهيم عليه السلام – أو [يقول] في هذه الآية الشريفة من سورة إبراهيم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنَّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (إبراهيم، 36)؛ لم يطلب من الله تعالى لمن عصاه أن يصلحه، أو يهديه أو يعذبه، بل قال: {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحيمٌ}؛ تجاوز عنهم أيضاً، واغفر لهم؛ هذا هو القلب الرحيم والرؤوف الذي يملكه النبيّ إبراهيم (عليه السلام). بعد الآيات التي تناولت في سورة الممتحنة قصّة النبيّ إبراهيم عليه السلام، جاءت هذه الآيات التي ترتبط أيضاً بالنبيّ إبراهيم (عليه السلام) : {لا يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم في الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِن دِيارِكُم أن تَبَرُّوهُم وتُقسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِين} (الممتحنة، 8)؛ لتتحدّث عن غير المسلمين الذي لا يحاربون المسلمين ولا يؤذوهم، وأنّ للمسلمين أن يبرّوهم ويقسطوا إليهم، فشخصيّة [النبيّ] إبراهيم (عليه السلام) هي هذه الشخصيّة؛ يتصرّف مع العاصي بهذا النحو، مع غير المسلم بذاك النحو.

[لكن] لاحظوا كيف يتصرّف [النبيّ] إبراهيم (عليه السلام) ذاته مع جماعة أخرى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (الممتحنة، 4). انظروا، كيف يتصرّف مع جماعة أخرى – جماعة الأعداء المحاربين –! النبيّ إبراهيم (عليه السلام) نفسه، ذلك النبيّ الرحيم والرؤوف والودود، الذي كان يشفع لقوم لوط (عليه السلام)، ويستغفر للعاصين، ويرى وجوب الإحسان إلى الكفّار غير المحاربين، إبراهيم هذا نفسه يقف في موضع معيّن بهذا الثبات، ويعلن البراءة: {إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ}؛ إنّا نبرأ منكم، {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ}، (الممتحنة، 4) بيننا وبينكم عداوة جليّة، نحن أعداء لكم صراحة ونعاديكم علانيّة. مَن هم هؤلاء الذين نعاديهم؟ إنّهم أولئك المحاربون. ثمّ في نفس الآية من سورة الممتحنة، في تتمّة الآية التي قرأتها آنفاً – التي تتعلّق أيضاً بالفضاء الذهنيّ للنبيّ إبراهيم (عليه السلام) – يقول: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} (الممتحنة، 9). أولئك الذين يقتلونكم ويحاربونكم، ويطردونكم من بيوتكم ودياركم، أو يساعدون مَن طردكم من بيوتكم ودياركم؛ ليس لكم الحقّ في إقامة علاقات وديّة معهم أو أن تمدّوا إليهم يد الصداقة. لا يحقّ لكم! فلا بدّ أن تعادوا هؤلاء. وهذا هو قول النبيّ إبراهيم (عليه السلام): {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ}.

حسناً، مَن يمارس العداء اليوم تجاه المسلمين؟ ومَن يحاربهم، ويقتلهم ويطرد نساءهم ورجالهم وأطفالهم من بيوتهم وديارهم؟! مَن هو ذاك؟! وهل يمكن أن يوصَف العدوّ الصهيوني في القرآن بأوضح من هذا؟! ولا يقتصر الأمر على العدوّ الصّهيوني فحسب، {وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ}؛ أيْ أولئك الذين يساعدونه، فمن هم الذين يساعدونه؟! لو لم تكن مساعدة أمريكا، هل كان الكيان الصّهيوني ليجرؤ على معاملة المسلمين والنساء والرجال والأطفال بهذه الوحشيّة في تلك المساحة الضيّقة؟! كلّا! لا يمكن التعامل مع هؤلاء ومع هذا العدوّ بالحُسنى، ولا يمكن التعامل معهم بلين، سواء أكان ذاك القاتل المباشر، أو المُعين على القتل والمُساند في القتل، أو كان ذاك الذي يُدمّر البيوت، أو الذي يساند مَن يدمّر البيوت: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة، 9) إذا مدّ أحدٌ يد الصداقة إلى هؤلاء فهو جائر وظالم؛ {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود، 18). إنّه نصّ القرآن وهذه آيات القرآن. إذاً، البراءة هذا العام أكثر بروزاً من أيّ زمنٍ مضى. الحجّ هذا العام حجُّ البراءة.

يتوجّب على الحجّاج المؤمنين – سواء كانوا إيرانيّين أو غير إيرانيّين أو من أيّ بلدٍ – أن ينقلوا هذا المنطق القرآنيّ للعالم الإسلاميّ أجمع. هذا ما تحتاجه فلسطين اليوم، وهي بحاجة إلى مساندة العالم الإسلاميّ لها. نعم، صحيح أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لم تنتظر هذا وذاك ولن تنتظر، لكن لو أنّ السواعد القويّة للشعوب والحكومات المسلمة توافدت من سائر الجهات وقدّمت المؤازرة، فإنّ تأثير ذلك سيكون أكبر بكثير، وستنتهي هذه الحالة المأساويّة للشعب الفلسطينيّ. هذا واجبٌ. (نعم أنتم مستعدّون، أسأل الله أن يجعل العالم الإسلامي مستعداً، إن شاء الله)[3].

في ما يتعلّق بوضع الحجّاج الكرام، نقدّم الشكر على الجهود التي يبذلها كلّ من البعثة والمنظمة – كلّ بحسب دوره – وكذلك سائر المؤسّسات المتعلّقة بالسلامة والأمن والمواصلات والشحن وغيرها من شؤون الحجّاج، ونؤكّد أنّه ينبغي عليهم التخطيط بكلّ ما في وسعهم من أجل راحة الحجّاج الإيرانيّين وأداء حجٍّ مبرور ومقبول، فهذا الأمر يتطلّب التخطيط. طبعاً، بحمد الله، لقد أُنجزَت أعمال جيدة وما زالت تُنجز، ولكن لكي تُسدّ الفجوة بين ما نفعله اليوم وما نتوقّع أن نكون قادرين على فعله، إن شاء الله، علينا أن نخطّط، والله المتعالي أيضاً سيمدّكم بالعون، إن شاء الله. نسأل الله أن يمنّ على الإمام [الخمينيّ] الجليل وعلى شهدائنا وعلى الماضين منّا، بتفضلّاته ورحمته ومغفرته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

[1] في مستهل هذا اللقاء، استعرض حجّة الإسلام والمسلمين السيّد عبد الفتَّاح نوَّاب (ممثّل الولي الفقيه في شؤون الحج) والسيِّد عباس حسيني (رئيس مؤسسة الحج والزيارة) مطالبَ.

[2] إشارة إلى الاعتراضات المناهضة للصهيونيّة لطلَّاب الجامعات في العالم، ومن ضمنها في أمريكا، وأوروبا، والتي أسفرت عن ضرب عدد منهم وسبِّهم واعتقالهم.

[3] جواب سماحته على هتاف الحضور حينما ردّدوا شعار «أيّها القائد الحرّ، إنّنا مستعدّون».

المصدر: khamenei.ir