وسط مخاوف جدية سياسية وعسكرية وأمنية واجتماعية تجتاح الكيان الصهيوني، أعيد الحديث عن عقدة الثمانين عاماً والتشكيك باستمرار هذا الكيان لما بعد الثمانين، وخصوصاً بعدما أثارت أزمة التعديلات القضائية المقترحة من حكومة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، انقسامات حادة في مختلف قطاعات جيش العدو الإسرائيلي وهو عماد الكيان والهيكل، وسط إطلاق معظم قادة العدو تحذيرات جادة مستندة إلى دراسات إستراتيجية مفادها تآكل القدرة القتالية لدى جيش العدو.
منظمو الاحتجاجات ضد التعديلات القضائية في إسرائيل، تجمعوا وأفادوا أن نحو 550 ألف شخص شاركوا في التظاهرات يوم الأحد منهم 240 ألفاً في تل أبيب، ونحو 100 ألف في القدس، والباقون في مدن حيفا ونتانيا وكفار سابا وبئر السبع، والكثير من المناطق الأخرى، وذلك رفضا لما سموه الانقلاب القضائي، في وقت تصاعدت فيه تحذيرات كبار العسكريين من مخاطر إقرار التعديلات التي تحاول حكومة نتنياهو تمريرها.
المحتجون على التعديلات القضائية التي يسوّق لها نتنياهو خرجوا في مسيرة إلى القدس المحتلة، لتشكيل ضغط وازن ومتصاعد على حكومة نتنياهو اليمينية بهدف إلغاء مشروع القانون، واللافت أن طابور المحتجين امتد كيلومترات على الطريق المؤدي إلى القدس المحتلة، تحت شمس صيفية حارقة حاملين الإعلام الإسرائيلية، وسط أصوات قرع الطبول وهتافات وشعارات مناهضة للحكومة.
التظاهرات الاحتجاجية مستمرة منذ أيام مع تخييم المحتجين طوال الليل، إذ يعتزمون التجمع أمام الكنيست قبل بدء نقاش قرار التعديلات والتصويت على مشروع القرار، الذي من شأنه أن يحدّ من صلاحيات المحكمة العليا، في ما يتعلق بإبطال قرارات حكومية غير معقولة حسب وصف المحتجين.
آلاف العسكريين يمتنعون عن الخدمة، ورئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي طلب لقاء نتنياهو يوم الأحد الماضي بصورة عاجلة، قبل تصويت الكنيست بالقراءة الثالثة والأخيرة على مشروع قانون يقلص صلاحيات المحكمة العليا، وذلك بعد ازدياد تمنع جنود الاحتياط عن أداء الخدمة العسكرية، نظراً لما لهذا التمرد في قطاعات الجيش من مخاطر تفكك جيش العدو الصهيوني، وتآكل قدرته القتالية أو الردعية، واللافت أن القناة الـ12 الإسرائيلية، نقلت عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي تأكيده وجود ضرر حقيقي على كفاءة هذا الجيش خلال 48 ساعة إذا مررت التعديلات القضائية.
جاء ذلك بعد إعلان 10 آلاف عسكري احتياطي الامتناع عن أداء الخدمة العسكرية احتجاجاً على التغييرات القضائية، كذلك أيد رؤساء سابقون لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي وجهازي الموساد والأمن العام «الشاباك»، إعلان مئات العسكريين في قوات الاحتياط إضافة إلى مئات من قادة سلاح الطيران الحربي الإسرائيلي، الامتناع عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، في حال مررت الحكومة مشاريعها القانونية لتغيير النظام القضائي.
القناة الـ12 الإسرائيلية، نقلت خبراً مفاده، أن كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية، حذّروا من خطورة ما تقوم به حكومة نتنياهو، لأنه يهدد تماسك النسيج الاجتماعي في إسرائيل، ومن شأنه شق صف الجيش والشعب على نحو لا يمكن توقع تداعياته السلبية، وإتاحة المجال لاستبداد يميني عقائدي متطرف في إسرائيل.
المعارضون للتعديلات يقولون إن المحكمة تضطلع بدور حاسم في حماية الحقوق المدنية في بلد ليس له دستور ولا حدود وله برلمان واحد تهيمن عليه حكومة يمينية متطرفة، أما المؤيدون فيقولون أن مشروع القانون يهدف إلى تسهيل عمل الحوكمة الفعالة، مع احتفاظ المحاكم بسلطة رقابة قضائية واسعة، على حين رد المعارضون أن التعديلات المقترحة، ستفتح الباب أمام الفساد وحالات استغلال للسلطة.
إذاً «شارع مقابل شارع»، هكذا وصف مراسل «قناة الـ12» ما يجري في إسرائيل، فقد بلغ عدد المتظاهرين بين مؤيد ومعارض بنصف مليون إسرائيلي في الشارع، بينما بلغت الصدامات بين المتظاهرين حدود إشعال حرب أهلية في إسرائيل، وبالتزامن مع تنامي حركة التمرد عن أداء الخدمة بشكل جماعي داخل المؤسّسة العسكرية في كيان الاحتلال، ما دفع رئيس الأركان في الجيش إلى التحذير وبلهجة صارمة، بأن الجيش الإسرائيلي قد ينهار خلال يومين.
كبير الاقتصاديين السابق في وزارة المالية الإسرائيلية يوئيل نافيه صرح لوسائل إعلام العدو الإسرائيلي قائلاً: «إن التعديلات المقترحة لا تحظى بإجماع واسع، ويمكن أن تسبب أضراراً اقتصادية خطيرة للغاية وقد تشمل إلغاء النظام الصحي، الأمر الذي يشكل تهديداً جدياً بتفكك المجتمع الإسرائيلي وحتى بزوال الدولة برمتها».
يوسي كوهين رئيس «الموساد» السابق في حديث لصحيفة «يديعوت احرونوت»، حاول صرف الأنظار عن خطر انقسام وانهيار الكيان الإسرائيلي من الداخل، وتحويله صوب إيران قائلاً: «أمام التهديد الإيراني، ولأجل الأمن ولأجل تماسك إسرائيل؛ يجب وقف التشريع فوراً»، يوسي كوهين أبدى مخاوفه من انهيار الكيان الصهيوني منبهاً من التهديد الإيراني المستمر على إسرائيل، وقال:
«أقيمت دولة إسرائيل قبل 75 سنة وعملنا على تأمين أمرين في غاية الأهمية لاستمرار دولة إسرائيل، أمن دولة إسرائيل ومواطنيها، وتأمين وحدة الشعب بكل أطيافه، ولكن مع ما نشهده اليوم في إسرائيل استطيع البوح بتلاشي امن إسرائيل ووحدة الشعب»، ويضيف كوهين: «في الماضي، حتى في الأيام التي كنا فيها مختلفين حول الطريقة التي علينا أن نستخدمها في الساحات المختلفة ضد إيران في الساحة الدولية، أو في الساحة المحلية، وحتى في إيران نفسها، أدرنا باستقامة وبصدق شديد المداولات في داخلنا، في ظل إعراب كل واحد منا عن رأيه وموقفه في إطار مسؤوليته، حتى نتمكن من اتخاذ قرار مشترك ومتفق عليه بيننا جميعا، فأمن الدولة متداخل جداً في وحدتنا، كان دوماً أمام ناظرينا، نحن رؤساء الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية».
يوسي كوهين ختم كلامه بالقول: «من ناحيتي لقد شكلت الأشهر الأخيرة على المستوى الشخصي، تحدياً لم التقِ مثيلاً له في كل الـ42 سنة من انشغالي بالأمن القومي، في البداية في الجيش الإسرائيلي، كمقاتل وقائد في الخدمة القتالية، ولاحقاً في الموساد في جملة مناصب تنفيذية حتى منصب رئيس الموساد، ولاحقاً كرئيس هيئة الأمن القومي، وعليه فقد عملت في الفترة الأخيرة بأفضل ما أستطيع كي اربط بين فئات المختلفين، ذوي آراء مختلفة وذلك بهدف مركزي واحد، وهو الوصول إلى بناء موقف صحيح، لكن من المؤسف أن جهود الآخرين وجهودي لم تنجح»،وختم قائلاً:
«في الأيام الأخيرة يتعاظم في داخلي بقوة إحساس المسؤولية القومية، الذي ينبع من كوني مواطناً في دولة إسرائيل ورجل أمن، وظفت كل أيامي في كل العقود الأربعة الأخيرة، لتعزيز أمن وتحصين دولة إسرائيل، هذه الكلمات تخرج من قلبي المتألم، ومن عينيّ اللتين تريان ما يجري في دولة إسرائيل، بيننا نحن الإسرائيليين جميعاً، وعليه كابن جيل تاسع في إسرائيل، أحفاد وأبناء مقاتلي التنظيمات السرية، فاني أقول إن ما من خطر واجه إسرائيل إلا عملنا بصدق على إزالته، أما اليوم فالخطر على إسرائيل، هو خطر داهم وغير مسبوق ولم يواجهنا من قبل، وخصوصاً أن هذا الخطر قد أصاب العمود الفقري لدولة إسرائيل، المتمثل بالجيش والمجتمع الإسرائيلي، واستطيع القول إن إسرائيل تتآكل من الداخل».
المصدر: بريد الموقع