’’في 13 حزيران جاؤوا وكنا نياماً أما اليوم فنحن واعون’’
رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في الذكرى الـ 45 لمجزرة اهدن
مجزرة اهدن وجلسة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، إنها المصادفة أن يكون الحدثان متزامنين، لكن مضامينهما وأبعادهما مع وجود بعض الاختلافات بينهما ليست صدفة.
هل لا زال البعض في عام 2023 يحكم لبنان بالعقلية نفسها التي سادت عام 1978؟ إن كان السؤال يستهدف “مبدأ التحشيد الطائفي وسياسة العزل والإلغاء”، فالجواب هو نعم.
توضيح هذه المقاربة يتطلب عودة في الزمن إلى 13 حزيران/يونيو 1978، عندما ارتكبت ميليشيا القوات اللبنانية مجزرة بحق قائد المردة ونجل رئيس الجمهورية السابق سليمان فرنجية، طوني فرنجية، وعائلته. في تلك الفترة، كانت المشكلة داخل الطائفة المسيحية، وكان مشروع السيطرة على زعامتها، (النفس الطائفي كان السائد في تلك الفترة التي كانت فيها الحرب الأهلية في ذروتها)، إضافة إلى اعتبار سياسة الرئيس الأسبق سليمان فرنجية “خارج سياق القرار المسيحي”، (ذلك المرتبط بالكتائب اللبنانية تحديداً)، لجهة ملامح علاقة لبنان بسوريا بشكل أساسي وغيرها من التفاصيل، هو المنطلق والمبرر لمجموعة تابعة للقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع (رئيس حزب القوات حالياً) وبتوجيه من قائد القوات وقتها بشير الجميل، من الهجوم على منزل طوني فرنجية في اهدن، والذي كانت نتيجته مقتل الأخير وزوجته وطفلته جيهان البالغة من العمر عامين ونصف العام.
الطريق إلى “توحيد القرار والرؤية” للانطلاق إلى أهداف إلغائية أوسع وأشمل (هذا المشروع نفسه هو الذي كان يريد فرض علاقات مفتوحة مع “اسرائيل” على كل اللبنانيين، وهو نفسه صاحب مقولة من يؤيدنا فليبقى ومن لا يفعل فليرحل)، هذا الطريق كان دموياً بامتياز، في صيف 1978 وفي محطات أخرى كثيرة وعديدة وهذا ما عكسه كلام فرنجية في ذكرى المجزرة عندما قال إن المصالحة، في إشارة إلى المصالحة في الشمال بعد الحرب، “ضربت كل مشاريع الالغاء، وهذا الفكر عاد إلى الحياة لأن الجو الدولي ليس لمصلحته، ولذلك يعمل على التحريض طائفياً ومذهبياً، وبالنسبة للبعض المسيحيين جمهور يسمع ويخاف مما يجهله”.
حقيقة، فإن هذا التفكير عاد في العديد من المراحل والمحطات عقب الحرب الأهلية، لكن آخر تجلياته المعركة الرئاسية.
في هذا السياق، وللمفارقة فإن منطلقاته صادرة عن نفس الوجوه، وعلى رأسهم قائد حزب القوات سمير جعجع. الأخير ومن معه ليسوا ديمقراطيين يمارسون لعبة ديمقراطية لانتخاب رئيس للجمهورية ببرنامج ورؤية واضحة في بلد يمرّ بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، كما يوحى للبعض خصوصاً “الجمهور الذي يسمع ويخاف مما يجهله”، وهناك مؤشرات عديدة تثبت ذلك. أولها التنقل السريع وغير الواضح والمفهوم بين المرشحين بين جلسة انتخابية وأخرى (عُقدت احدى عشر جلسة حتى الآن)، ما الذي دفع الفريق الآخر إلى التخلي عن ميشال معوض وتبني جهاد أزعور؟ ما هي الأسباب المنطقية لذلك؟ هل من توضيح؟ لا بل والاستماتة في الاشتباك السياسي من أجله. أين رؤية الأخير من القضايا الحساسة التي تحكم الواقع اللبناني حالياً من العلاقة مع العدو الاسرائيلي والمقاومة، وسوريا ربطاً بملف النازحين المعقد، إلى المحيط العربي وغيره؟
لا اجابات واضحة نستطيع عرضها حتى الآن. وفي غياب ذلك، يطرح السؤال التالي: هل يهدف هذا الحشد ضد سليمان فرنجية إلى إسقاط الأخير لصالح مرشح آخر، وهذا مسار طبيعي لأي معركة انتخابية أن يفوز مرشح ويخسر آخر؟ وهنا يأتي الجواب من العديد من المطلعين على كواليس ما يجري بأن هذا ينطبق على نوايا البعض أي أن مشكلتهم هي شخص هذا المرشح وليس أبعد، لكن طرفاً آخر من الواضح أنه يجد مما يجري فرصة لتكريس واقع أن المقاومة عزلت نفسها وأنها تريد فرض مرشح “غير مرغوب به مسيحياً” كرئيس للجمهورية وأن من يخرج عن المزاج العام يسقط. هنا مربط الفرس وخبث الحكيم، عصا الطائفية وسيلة لما هو أكبر من حدود معركة تخاض في أروقة مجلس النواب، وكأنه لم يخرج بعد من بزّته الاسرائيلية التي كان يرتديها ويتجول بها بكل وقاحة هو وقائده وغيرهم، كأن فيه حنيناً وقاداً لحرب مقيتة.
المصدر: موقع المنار