انعطافة تاريخية مرتقبة، في مسار العلاقات الايرانية السورية، تكرّسها زيارة الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي الى دمشق، بأبعادها السياسية – الاقتصادية، وسط التغييرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وما يقابلها من تعزيز لقوّة محور المقاومة، بعد اثني عشر عاماً من الصمود، في مواجهة كل المؤمرات الدولية، والحرب الكونية على سوريا..
حرب هدفت الى تدمير سوريا بنظامها الداعم للمقاومة وقوّة اقتصادها المتماسك، وزاد من حجم الضغوط السياسية والاقتصادية على الجمهورية الاسلامية في ايران .. واجهتها الدولتان بصمود بطولي، عزّز أواصر التعاون الاستراتيجي على الصعيدين السياسي و العسكري.
منذ لحظة الاعلان عنها، حظيت زيارة الرئيس الايراني، السيّد ابراهيم رئيسي، باهتمام اعلامي وسياسي كبيرين، على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي، وصلت أصداؤها الى الادارة الأميركية، التي عبّرت خارجيتها عن قلقها الشديد من توثيق العلاقات بين إيران وسوريا، فيما آثر البعض أن يضعها في اطار تكريس النفوذ الايراني في سوريا.
تحليلات ومواقف تُبرز الانتكاسة الكبيرة، لدول فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة والمضمرة في حربها على سوريا؛ رغم تجييشها لعشرات آلاف المقاتلين ومئات الوسائل الاعلامية المأجورة، وتكبّدها مئات مليارات الدولارات على هذه الحرب؛ لتخرج سوريا بدعم حلفائها وعلى رأسهم الجمهورية الاسلامية في ايران، ثابته على مواقفها الوطنية والقومية، ومكرّسة نفسها كلاعب اقليمي، لا غنى عنه، وتأتي زيارة رئيسي بكل مضامينها، لتثبت رسوخ العلاقة التاريخية، القائمة على الاحترام المتبادل بين البلدين، وتشكل ضربة قاسمة لكل محاولات احداث شرخ بينهما.
علاقة، عمّدتها دماء امتزجت على أرض سوريا، واكبها تنسيق سياسي على أعلى المستويات طوال سنوات الحرب، مرفق بدعم اقتصادي مفتوح، رغم الحصار الذي تعانيه طهران، واليوم يستكمل هذا الدعم من خلال توقيع وثيقة التعاون الاقتصادي الاستراتيجية بين الدولتين، لتفتح معها صفحة جديدة على مسار رفع مستوى العلاقات الاقتصادية، بشكل يوازي العلاقات السياسية بين الجانبين، ويواكب مرحلة اعادة الإعمار المنتظرة في سوريا، بعدما استطاعت دمشق افشال كل محاولات عزلها على الصعيد الاقليمي والدولي.
بصراحته المعهودة، عبّر الرئيس السوري بشّار الأسد، عن عمق العلاقات التاريخية مع طهران، التي لم تتردد في الوقوف إلى جانب سوريا، وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي بالرغم من التهديدات والمغريات، وهذا ليس غريباً على من قدّم الدماء، فالدولتان لم تضعا مصيرهما ومصير شعبيهما في يد الأجانب، و”إنّما راهنّا على انتصار الحق في النهاية وربحا الرهان”، وفق تعبير الرئيس الأسد.
لقاءات السيّد رئيسي مع عدد من المسؤولين السوريين، من بينهم رئيس الحكومة حسين عرنوس ووزير الخارجية فيصل المقداد، شكلت فرصة لترسيخ بداية فصل جديد في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ولتؤكد دعم طهران المستمر لسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وتقدير ايراني لصمود سوريا التاريخي، قيادة وجيشاً وشعباً، في مواجهة الحرب الكونية والحصار المفروض عليها.
القضية المركزية للجمهورية الاسلامية وسوريا، والتي تشكّل واحدة من دوافع الحرب والحصار على الدولتين، لم تغب بدورها عن لقاءات السيد رئيسي، حيث حرص على لقاء قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، والمفكرين الفلسطينيين، في العاصمة السورية دمشق، التي لم تتوانَ قيادتها عن دعم المقاومة الفلسطينية، واستضافة قادتها، رغم كل الضغوط التي تتعرّض لها، ليتكامل موقف البلدين، الداعمين للقضية الفلسطينية، مع الحضور المتصاعد لمحور المقاومة في المنطقة.
حملات التشويش الاعلامي، على مدى اثني عشر عاماً، لم تنل بدورها من عمق العلاقات التاريخية الشعبية بين البلدين الشقيقين.. حفاوة الاستقبال الشعبي للرئيس الايراني، اثناء زيارته لسوق الحميدية، وللأماكن الدينية جنوب دمشق، من المسجد الاموي، الى مقامي السيّدة زينب والسيدة رقيّة (علهما السلام)، شكّلت بدورها رسالة قوّية على التكامل بين الحاضنة الشعبية وقيادتها، وأظهرت تقديراً شعبيا للدور الايراني في دعم سوريا، بمواجهة الحرب التي تعرضت لها.
جولة الرئيس الايراني، جنوب دمشق، لا شكّ انّها تحمل في طيّاتها رسالة للخارج، تعبّر عن ثقة طهران بقدرة حليفتها على استعادة أمنها واستقرارها، لتأتي جلسة المباحثات بين الرئيسين الاسد ورئيسي، في ختام زيارة الرئيس الايراني تاكيداً على تفعيل كل التفاهمات والمقترحات التي تمت مناقشتها خلال الزيارة، ووضعها موضع التنفيذ بما يخدم العلاقة بين البلدين والشعبين.
وتأكيداً على المضي بهذا التعاون بين الجانبين، شدّد البيان المشترك للمباحثات، على العزم على وضع الآليات التنفيذية باتخاذ كل الإجراءات لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، والتعاون فيما يتعلّق باعدة الاعمار، وأكّدا حق سوريا في المشروع في الردّ على اعتداءات كيان الاحتلال الاسرائيلي، وباتخاذ كافة الاجراءات المناسبة لإستعادة أراضيها المحتلة في الجولان، ومن القوات الأميركية والتركية، شمال شرق البلاد.
رسائل اقليمية ودولية متعددة، حملتها زيارة الرئيس الايراني الى دمشق في مواجهة كل محاولات التشكيك الاعلامي والسياسي، لشرخ علاقة البلدين الاستراتيجية، ولتعلن دعماً سياسياً واقتصادياً صريحاً في بسط الأمن والاستقرار وإعادة الاعمار، وترسيخاً لعلاقات تاريخية، لم تستطع أن تزحزحها، كل المؤمرات والفتن، التي عصفت بالدولتين والمنطقة.
المصدر: يونيوز