وردَ في مُكاتَبةِ الإمامِ صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ فرجَه الشريف) للشيخِ المفيد: «ولو أنَّ أشياعَنا -وفَّقهُمُ اللهُ لطاعتِه- على اجتماعٍ مِنَ القلوبِ في الوفاءِ بالعهدِ عليهم، لما تأخّرَ عنهمُ اليُمْنُ بلقائِنا، ولتعجَّلتْ لهمُ السعادةُ بمشاهدتِنا، على حقِّ المعرفةِ وصدقِها منهم بنا»[1].
يسعى المؤمنُ في عصرِ الغَيبةِ للتمهيدِ لظهورِ مولاه الإمامِ المهديِّ (عجّلَ اللهُ فرجَه الشريف)، مِن خلالِ اعتمادِ الأوامرِ الصادرةِ عنهُ وعنْ آبائِه (صلواتُ اللهِ عليهم)، والّتي يمثِّلُ التمسُّكُ بها طاعةً للهِ عزَّ وجلَّ، كما وردَ عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «ذِرْوَةُ الْأَمْرِ، وَسَنَامُهُ، وَمِفْتَاحُهُ، وَبَابُ الْأَشْيَاءِ، وَرِضَا الرَّحْمنِ تَبَارَكَ وَتَعَالى؛ الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَقُولُ: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾[2]»[3].
وفي هذهِ المكاتَبةِ المشهورةِ والمعروفةِ الواردةِ عنه (عجّلَ اللهُ فرجَه الشريف) دلالةٌ على أمرَينِ يمهِّدانِ للظهور:
1ـ توفيقُ الطاعة: يَطلبُ المؤمنُ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- أنْ يمدَّهُ مِنْ عندِه بما يجعلُه مِنْ أهلِ الطاعة، ففي وصيَّةِ أميرِ المؤمنينَ لابنِه الحسنِ (عليهما السلام): «وابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذَلِكَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِإِلَهِكَ، والرَّغْبَةِ إِلَيْه فِي تَوْفِيقِكَ، وتَرْكِ كُلِّ شَائِبَةٍ أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَةٍ، أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلَالَةٍ»[4].
وفي الدعاءِ المرويِّ عَنِ الإمامِ الحجَّةِ (عجّلَ اللهُ فرجَه الشريف) إشارةٌ إلى نماذجَ مِن هذا التوفيقِ، المتمثِّلِ بالتزامِ القلوبِ والجوارحِ بالطاعاتِ، واجتنابِ المعاصي: «اللَّهُمَّ، ارْزُقْنَا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ، وَبُعْدَ الْمَعْصِيَةِ، وَصِدْقَ النِّيَّةِ، وَعِرْفَانَ الْحُرْمَةِ، وَأَكْرِمْنَا بِاْلهُدَى وَالاِسْتِقَامَةِ، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا بِالصَّوَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَامْلَأْ قُلُوبَنَا بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَطَهِّرْ بُطُونَنَا مِنَ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ، وَاكْفُفْ أَيْدِيَنَا عَنِ الظُّلْمِ وَالسَّرِقَةِ، وَاغْضُضْ أَبْصَارَنَا عَنِ الْفُجُورِ وَالْخِيَانَةِ، وَاسْدُدْ أَسْمَاعَنَا عَنِ اللَّغْوِ وَالْغِيبَةِ»[5].
2ـ الوفاءُ بالعهد: قالَ تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾[6]، فالوفاءُ بالعهدِ مسؤوليَّةُ المؤمن، ومِنْ ذلكَ عهدُ الإمامة، فقدْ رُويَ عَنِ المعصومينَ (عليهمُ السلام) أنَّ العهدَ الذي وجبَ الوفاءُ بهِ على الأُمَّةِ هوَ عهدُ الإمامة.
وهذا يعني الطاعةَ للإمامِ (عجّلَ اللهُ فرجَه الشريف) في غَيبتِه، كما وَردَ سابقاً: «ذِرْوَةُ الْأَمْرِ، وَسَنَامُهُ، وَمِفْتَاحُهُ، وَبَابُ الْأَشْيَاءِ، وَرِضَا الرَّحْمنِ تَبَارَكَ وَتَعَالى؛ الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَقُولُ: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾».
وفي عصرِ الغَيبة، نَصَّبَ الإمامُ (عليه السلام) الفقيهَ الجامعَ للشَّرائطِ وليّاً، فطاعةُ الفقهاءِ هي مِن طاعةِ الأئمَّةِ (عليهم السلام)، فقدْ وَردَ في الرِّوايةِ عَنِ الإمامِ صاحبِ العصرِ (عجَّلَ اللهُ فرجَه الشريف): «وأمَّا الحوادثُ الواقعةُ، فارجِعوا فيها إلى رُواةِ حديثِنا؛ فإنَّهُم حجَّتي عليكم، وأنا حجَّةُ الله»[7]. فالإنسانُ الَّذي يعيشُ مسؤوليَّةَ العملِ بالتَّكليفِ الإلهيّ، ويحمِلُ همَّ النَّجاةِ يومَ القيامة، عليهِ أنْ يُظهِرَ ذلكَ في سلوكِهِ؛ بالتزامِه طاعةَ وليِّ الأمر، وأنْ يَعلَمَ أنَّهُ بذلكَ يصلُ إلى رضا صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَه الشريف).
نباركُ لوليِّ أمرِ المسلمينَ، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى الخامسَ عشرَ مِنْ شعبانَ؛ ولادةِ المأمولِ المنتظَرِ المهديِّ صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ فرجَه الشريف).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
المصدر: شبكة المعارف الاسلامية