.. قلّما تجد أناسًا لا تبدّلهم حياة ولا تغيّرهم ظروف ولا أحداث ولا مواقع، يلمع معدنها على مرّ الأعوام طيبةً وصفاءً و عملاً دونما كلل – رغم المسؤوليات الجسام – وعطاءً في ساحات الجهاد المختلفة.
نعم هذا حالُ الصالحين، فالحاج صالح كما اسمُه، يعكس صفات روحه وأخلاقه وفكره و لاسيّما في ميادين الجهاد.
ما رأيته يوما يسعى لنيل المكاسب والمراكز أو البحث عن نفسه، وإنّما كان همّه الأول مصلحة العمل.
أذكر لكم – على سبيل المثال -حادثةً له مع الشهيد الحاج عماد مغنية، حيث كان يعمل معه، عندما كان الشهيد مغنية يطلب منه إبلاغ بعض الجهات في حزب الله عن موقفٍ ما، فاستأذنه الحاج أسد بأن يكون هو -أي الشهيد مغنية- هو المبلّغ لتلك القرارات خشية تحسّس بعض الأخوة ودفع التوهم بتكبّر القائد مغنية، علما أنّ هذا من صلاحيات الحاج أسد العمليّة و لكنّه، كما قلنا، كان يُراعي مشاعر الأخوة من جهة، وأن لاينال أحدٌ القائد الشهيد بسوءٍ من جهة أخرى.
كان الحاج صالح يتمتّع بروحيّة عالية في عمله حيث كانت علاقته بالأخوة في حزب اللّه مبنيّة على أساس اللّين، فهو لا يعرف الحقد ولا الإنتقام، ويؤمن بأنّ التسامح قوة، وأنّ العفو ليس نوعا من الخضوع. لذا فلو أنّ أحد الأخوة ارتكب مثلبةً واستحقّ العقاب، فإنّ التقرير الذي يُرسله الحاج أسد إلى الجهة المختصّة لا يحوي أيَّ ذكرٍ لما فعله الأخ من خطأ.. وعندما سألته عن السبب؟ قال: “لأنّ الخطيئة عندما تُدوّن ستبقى في سجّل الأخ فيرفض الآخر التعامل معه، و أكون بذلك قد فوّتُ عليه فرصة العمل حتى بعد التوبة ومضيّ زمنٍ على الحادثة”. هذا غيضٌ من فيض رقيّ ذات الحاج أسد وتفكيره رحمه الله.
أما علاقته بسماحة الأمين العام لحزب اللّه سماحة السيد حسن نصر اللّه (حفظه الله) فقد كان همه طاعة السيّد، وخشيته أن يأتي يومٌ لا يكون فيه سماحة السيد موجوداً (لا سمح الله). كان له اعتقادٌ خاص به، إلى درجة أنه لا يرفض له أمراً ولا يسمح لنفسه بأن يسأل أو حتى يستفسر، كان يُنفّذ حالاً، وإذا ما عُرضت عليه بعض المهام من مقاماتٍ عليا، كان جوابُه لهم: “يجب أن نستشير سماحة السيد”، وإذا ما رفض السيد الفكرة، فإنّ الحاج صالح يقبل فوراً دون نقاش أو استفسار. نعم، لقد كان للحج أسد اعتقادٌ خاصّ بسماحته.
أما عشقُه لمولاه صاحب الزمان(عج)، فهُنا قد يعجز القلم إذا ما أردنا وصفَ عشقه لمولاه صاحب الزمان(عج) فقد بلغ ما بلغ من درجات الوجد والتعلّق، وهذا حديثٌ طويل كنا نقضي ساعات من الوقت قد تصلُ أحياناً إلى الفجر وهو يسأل ويناقش ونتحدّث عن وقائع. كما كانت له منامات صادقة تكشف عن طهارة روحه؛ فقد رأى ذاتَ ليلة أنّ كلّ ما في الكون يُسبّح لله، وكان يسمع تسبيحهم.
عزيزي يا أبا محمّد! لقد عشتُ معك في شهورك وأيامكَ الأخيرة، وأعلمُ أنّك قضيتَ تلك الأيام وقد ابتلاك الله بمرضٍ يختبر فيه صبرك الذي لا يقلّ تحمّلا عن صبر الجهاد. وأنت تعلمُ أنّني ما تركتُ يوماً دعائي لك بالشفاء، وأعطيتكَ بعض الأعمال التي تنفع المؤمن في محنته، وفي نفس الوقت قلتُ لك بأنّ الدعاء إما استجابة أو مغفرة ذنب أو ثواب مؤجّل، ولذا كنتَ مطمئناً إلى ما قدّر الله لك، نعم كنتَ متألّماً من إمكان أن لا تحصل على الشهادة بعد عشراتٍ من السنين في سوح الجهاد!
فقلتُ لك: لا تقلق! فالله يختارُ الطريق الأصلح للإنسان وأجرُ الشهداء له ممراتٌ مختلفة، وسنيُّ الجهاد يا حاج صالح تكلّلت فعلا بالشهادة، فإصابتك كانت في موقع عملك وأنت تجاهد في سبيل الله.
في الختام أقول: إنّ رحيلَ الأخ العزيز والحبيب الحاج أسد الصغير لا شكّ هو خسارةٌ لنا وللعمل – ظاهراً- أما ما لاشكّ فيه أيضاً أنّ هذه المقاومة سوف تستمرّ وبقوة على نهج الشهداء القادة السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والشهيد الحاج عماد مغنية ومئات غيرهم من الكوادر والمجاهدين الأساسيين و ستحقق انتصارات قد كُتبت في اللّوح منذ الأزل، إنّ هذه المقاومة لن تضعف ولن تتوقف برحيل إخوة أعزاء، بل ستبقى وتستمر ببركة دماء الشهداء الطاهرة والجهود النقيّة، وهذه البصمات التي تركوها سوف تنمو وتكبر وتزهر إنتصاراتٍ عظمى، فقائدها سماحة سيد المقاومة السيد حسن نصر اللّه حفظه اللّه.
أيها العزيز سوف نشتاقك أخا وصديقا ونودّعك مسلّمين بقضاء اللّه وقدره، ولكن اختيار اللّه أحسنُ الاختيار.
إن شاء اللّه إلى جنة البرزخ التي تنتظرك، لن ننساك من الدعاء والزيارة والصدقات والمضي على دربك مادمنا على قيد الحياة.
الشيخ حسن البغدادي
عضو المجلس المركزي في حزب اللّه
المصدر: بريد الموقع