“كشفت تقارير استخباراتية عن إصابة (السيد) نصر الله بنوبة قلبية، في حين أضافت حسابات على مواقع التواصل الإجتماعي بأن (السيد) نصر الله مصاب بالسرطان”
عذراً على الوقاحة في النقل الحرفي لخبر ورد على وسيلة إعلامية ناطقة بالعربية. لكن الأخبار عن صحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هطلت كالمطر “الموحل” على الجمهور في العالم العربي منذ يوم الجمعة الفائت. ثلاثة أيام انشغلت بعض الفضائيات المموّلة سعودياً بتأليف قصصٍ عن صحة السيد نصر الله بعدما أعلنت العلاقات الإعلامية في حزب الله عن إلغاء الخطاب المتلفز لسماحته يوم الجمعة بسبب الإصابة بالإنفلونزا. بالمناسبة، هي قصصٌ ليست جديدة، فمنذ سنوات تمارس الفضائياتُ ذاتُها الكذبةَ ذاتَها.
هل ضحكتم على هذا المقطع؟ حسناً…
دعونا الآن نشرح خلفيات العقل الإعلامي الذي يدفع بمدراء التحرير إلى وضع مذيعيهم المساكين ذوي الرواتب العالية في موقفٍ يصبحون فيه لاحقاً مادة ضحك وتهكّم. لقد تحدّث الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في نظريته “سيكولوجيا الجماهير” عن كيفية تحكّم وسائل الإعلام بالجمهور الذي لا يعدو – بحسب وصفه – أن يكون إلا كالقطيع الذي يساق وراء عواطفه، فيتم التحكّم بميلها نحو السلطة القوية على حساب السلطة الضعيفة. ويضيف لوبون “إن الإعلام لا يستطيع تحريك أي جمهور إلا عن طريق عاطفته المتطرفة فقط، لذلك فالحيادي الموضوعي لا يمكن أن يكون داخل القطيع أبداً”.
إذا اعتبرنا أن من يقود السياسة الإعلامية في MBC والعربية و الحدث، وأخواتها، ليس شخصاً غبياً، بل كادراً إعلامياً ذو سيرة ذاتية، فيصبح من حقّنا الإستنتاج بأن الهدف من إثارة زوبعة كذب حول صحة سماحة السيد نصر الله، ليس سوى تبني هذا العقل لنظرية غوستاف لوبون، وبالتالي فهو يعتبر جمهوره “قطيعاً” مشحوناً بالعواطف.
يعلمُ مديرو هذه القنوات جيّداً أنهم سقطوا من عين الجمهور المؤيد للمقاومة منذ سنوات ما قبل حرب تموز 2006 ولعبهم مذاك على وتر التحريض والطائفية والحقد الأعمى وصولاً إلى تأييد القتلة التكفيريين في 2012، وتنظيرهم اليوم للتطبيع مع عدو الأمتين العربية والإسلامية الأول “إسرائيل”، وبالتالي، فمن المستبعد جداً أن يكون الجمهور المستهدف لدى هؤلاء هو جمهور المقاومة، بل جمهورهم. وهكذا، تصبح إدارة “القطيع” بنظر هؤلاء تستغل أي إشارة عن “مرض” الأمين العام لحزب الله أو سماحة السيد القائد علي الخامنئي أو أي شخصية رمز في محور المقاومة، للتأثير على الجمهور وسحب غرائزهم باتجاه التمسّك أكثر بقيادتهم، باعتبارها الأقوى، ولو “صحياً”.
دعونا ننتقل الآن إلى الضاحية الجنوبية في بيروت. هنا، يتطرف الجمهور في عاطفته للسيد، حتى أن إحدى العائلات فيها – برغم الأزمة المعيشية التي تعصف بلبنان – أخرجت من مالها ما يكفي لشراء أضحية توزعها على الناس، على نيّة شفاء السيد.
ولو عدنا إلى السؤال الأول: ما الذي يدفع العقل الإعلامي لحزب الله، المعروف منذ أيام ما قبل تحرير جنوب لبنان عام 2000 بذكائه، بأن يعلن عن إلغاء خطاب السيد بسبب الإنفلونزا، وليس لسببٍ آخر، وهو يعلم جيداً أن هناك الكثير من “الرعاة الإعلاميين” ينتظرون لحظةً كهذه؟
احتمالات كثيرة، يتقاطع أولها وآخرها عند نقطة جوهرية، مفادها أن لا محل لنظرية “القطيع” في سياسة حزب الله الإعلامية مع علاقته مع جمهوره الذي يقود كلاهما الآخر في انصهار لا يفهمه ممولو الفضائيات السعودية.
مهلاً مهلاً…قبل أن ننهي قراءة هذا المقال، يقولون إن حبل الكذب قصير، وسرعان ما سيبث الأثير من حول العالم خطاباً جديداً لسماحة السيد، فماذا سيقول “الرعاة” لأصحاب العقول من جمهورهم؟ سأخبركم: لن يقولوا شيئاً، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يغرّد بجملة اعتراضية. فالحبل على رقبة الجمهور هناك قصير غليظ، حتى غوستاف لوبون المتوفي عام 1931، لم يكن يقصد في كلامه عن القطيع، بأن يكون الراعي “كذاب وجلاد”.
المصدر: موقع المنار