الأمر حقيقة. ٤٠ يوماً على حشد جيش العدو الإسرائيلي ما بين ٥٠ إلى ٦٠ الف ضابط وجندي من قوات نخبة الحقد والشر عند تخوم بلدات جنوب لبنان الحدودية، تلاها مباشرة بدء عمليات التوغل البري لتحقيق الأهداف المعلنة: تدمير قدرات حزب الله جنوب نهر الليطاني – إنهاء خطر الصواريخ الموجهة عند الحدود – إعادة مستوطني الشمال.
يوم الأربعاء الفائت (٣٠ تشرين الأول) كشفت هيئة البث الاسرائيلية عن جولة قام بها رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي على منطقة الجليل قرب الحدود مع لبنان لتقييم العملية البرية. بعد يومين فقط، أصدر هاليفي توجيهاته بسحب كتائب الفرقة ٩٨ من محيط بلدة الخيام بعدما أخفقت قي دخول البلدة الفاصلة بين مستوطنة المطلة والضفة الشرقية لنهر الليطاني حيث جسر الخردلي (١.٥ كلم فقط عن الحدود). في تلك الجولة قال هاليفي: “إسرائيل تحتاج إلى جيش أكبر”.
بعد هذه الجولة نقل موقع والا العبري عن المتحدث بإسم جيش العدو، أن هاليفي أجرى جولة ميدانية وتقييم للوضع في قطاع الجليل الغربي مع قائد القيادة الشمالية اللواء أوري غوردين وقائد الفرقة 146 اللواء يفتاح نوركين. كما جرى حوار مع قادة الألوية وقادة كتائب الاحتياط الذين يعملون تحت الفرقة في الهجوم البري في لبنان وفي الدفاع. وقال رئيس الأركان لجنود الاحتياط في الشمال: “الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى أن يكون أكبر”.
مرّت العبارة مرور الكرام على كثير من المؤسسات الإعلامية اللبنانية والعربية المنشغلة بإبراز مهارات عسكريين متقاعدين في لفظ أسماء قرى ومناطق خريطة جنوب لبنان.
ولكن، ماذا يعني تصريح هاليفي؟
الإسرائيليون فقط، والمقاومون طبعا، استوقفهم تصريح هاليفي.
في اليوم التالي، خرج لواء الاحتياط السابق في جيش العدو يتسحاك بريك عبر صحيفة معاريف ليصف هاليفي بأنه “فاشل وفقد ثقة قيادة الجيش وكان ينبغي أن يرحل”.
بعيدون عن تحقيق النصر على حزب الله
في ذات السياق، قال بريك، عبر معاريف أيضا، إن الجيش الإسرائيلي بعيد كل البعد عن تحقيق النصر سواء على حزب الله أو في قطاع غزة، موضحاً أن الجيش الإسرائيلي يكذب بشأن تدمير الأنفاق في غزة، التي لا يزال معظمها في يد المقاومة الفلسطينية، مشدداً على أن “إسرائيل” في طور الانهيار من ناحية الاقتصاد والمجتمع.
لائحة الإقرار بالفشل لم تتوقف، وإليكم أبرزها:
١. يديعوت أحرونوت، وهي إحدى الصحف المقربة من العسكر في كيان العدو، كتبت:
“ليس لدينا ما يكفي من الفرق العسكرية للبقاء في غزة ولبنان. ولن نجد لبنانياً واحداً مستعداً لكي يتجند في “جيش لبنان الجنوبي” مرة أُخرى، وسيقع كل العبء على قوات الاحتياط. وليس لدى إسرائيل القدرة على تحمُّل هذا العبء. هذه الأحلام واهية”.
٢. الخبير في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي، اللواء احتياط، كوبي ماروم، في حديث مع القناة “12” الإسرائيلية: لن يكون بإمكان “إسرائيل” تفكيك أو هزيمة حزب الله، لأنها لا تمتلك القدرة على ذلك. وأضاف: إن “إسرائيل” تواجه أياماً حرجة في الشمال، وقتالاً صعباً جداً، في المواجهات مع حزب الله، كما، تواجه بعد 13 شهراً من الحرب، تداعيات هائلة على صعيد الجيش والاحتياط والاقتصاد، حيث تصل تكلفة كل يوم من الحرب إلى حوالي مليار شيكل، وهذا كثير على “إسرائيل”.
٣. قائد منظومة الدفاع الجوي السابق، العميد احتياط، تسفيكا حاييموفيتش: إنّ الأرقام التي يتم الحديث عنها في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كاذبة. إن زعم وزير الحرب يوآف غالانت، بان حزب الله خسر جزءاً كبيراً من صواريخه ومسيّراته، غير دقيق، والحقيقة هي أن حزب الله لا يزال يمتلك ما يكفي من القدرات العسكرية التي تسمح له بخوض حرب استنزاف لمدة سنة على الأقل، وهذا يؤكد أنه سيكون للحرب أثمان باهظة.
٤. قائد الفيلق الشمالي سابقاً، اللواء احتياط، نوعام تيفون: هناك ضرورة للتوصل إلى تسوية مع لبنان. إنّ حزب الله راكم الثقة بالنفس، ولديه القدرة على ضرب “إسرائيل” وإلحاق المزيد من الإصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي.
ماذا حققت العملية البرية؟
لم تنته العملية البرية، ولا العدوان، وما زلنا في عين الحرب، و”إسرائيل” – كما أشرنا في مقال سابق – لا تستطيع إيقاف الحرب لأسباب أميركية وأسباب وجودية، والدمار ما زال يلف قرى الجنوب في ظل محاولات التآمر على النازحين وإعادة تشكيل النظام السياسي في لبنان ليصبح على شاكلة أحزاب اليمين اللبناني سابقاً. ولكن، قبل أن يتحمّس البعض، فليسألهم أحد ممن يحاورهم:
١. هل عاد مستوطن واحد إلى الشمال؟ إلغاء زيارة نتنياهو إلى المطلة يوم أمس الأحد لوحدها كافية للإجابة، بغض النظر عن تراشق الكذب بينه وبين الجيش: ألغى زيارته خوفاً أم منعوه منها لأسباب أمنية!!
٢. هل تفككت قدرات حزب الله في جنوب الليطاني؟ الجواب لدى الضباط والجنود الذين عادوا من الخيام إلى المطلة بخفيّ حنين.
٣. هل شلّت الفرق الخمسة بألويتها وكتائبها واستعراضات الفيديو لضباطها قدرة حزب الله على استخدام الصواريخ الموجهة؟ فيديو الإعلام الحربي بالأمس قرب ديرميماس الحدودية قبل اندحار الفرقة ٩٨، ليس فقط يكفي، بل كما يقول الشاعر أبو العلاء المعري: ويسمعُ من به صممُ.