دعونا من “قلّة العقل” التي يظهرها بعض السياسيين والمحللين عبر وسائل الإعلام في إطلاق التوقعات بشأن السؤال: متى ستنتهي الحرب في الشرق الأوسط؟ ودعونا بدلاً من ذلك، نعطي المنطق وليس سواه بعضاً من دور.
“عين على العدوان” سلسلة مقالات وتقارير نحاول من خلالها حل بعض الإشكاليات التي تثار في الأذهان في خضم الوحشية التي لا تريد للعقول أن تأخذ استراحة للتأمل. ومن هذه الإشكاليات: لماذا لا يريد نتنياهو وقف الحرب؟
أولاً، مَن لا يريد إنهاء موجة الدمار وشلال الدم في لبنان وغزة وربما كل المنطقة هو الأميركي، وهذه هي الحقيقة. هل ثمة عاقل يصدق أن مبعوث الرئاسة الأميركية عاموس هوكشتاين كان مكلّفاً فعلاً خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة بمحاولة إيجاد صيغة لوقف النار؟!!
هل يوقفها، أو يرغب في ذلك أصلاً، من هو مستمر في تغذية هذه النار بكل أدوات الحرق حتى بلغت قيمتها في عام واحد ٢٢.٨ مليار دولار، يدفعها للقاتل المأجور “الإسرائيلي” دون أي تردد أو وجل أو حتى خجل من دافعي الضرائب الأميركيين؟!
مفهوم جداً أن قيادة الديموقراطيين في الولايات المتحدة الأميركية تواجه خطر السقوط في الانتخابات الرئاسية نظراً لحالة الغضب الشعبي في أوساط الأميركيين، وأيضاً لشدة المنافسة مع الجمهوريين. لذلك، من الواضح أن حديث هوكشتاين في بيروت وتل أبيب كان موجهاً في الحقيقة إلى الناخبين الأميركيين المسلمين وأولئك الذين هم من أصول عربية، ونقطة على السطر.
هل وقف الحرب بيد نتنياهو فعلاً؟
الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية، تريد أن تعطي الرئيس الجديد، بغض النظر عن اسمه وهويته، ملفاً جديداً لمواجهة كل من روسيا والصين عنوانه الممرات البحرية في المتوسط. ولا يمكن لهذا أن يتحقق في ظل تصاعد قوة محور المقاومة. في إحدى اللقاءات السياسية المغلقة، قال أحد المسؤوليين العسكريين في المحور: “لا يمكن إزالة إسرائيل من الوجود والولايات المتحدة ما زال حضورها قوياً في المنطقة”. وهكذا، فإن الحرب الحقيقية في المنطقة اليوم هي بين الولايات المتحدة ومحور المقاومة، وكيان العدو هو الأداة والساحة معاً.
أليس عجيباً أيها القارئ العزيز أن الكراهية الشديدة بين العسكر الاسرائيلي وبين رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته اليمينية المتطرفة لا تؤثر في قرار الحرب؟!! ما الذي يجعل وزير الحرب يوآف غالانت الذي يتعرض يومياً للتقريع والاستصغار والإهانة من قبل نتنياهو أن ينفذ تعليمات الأخير وسياساته؟
ما الذي يجعل رئيس الأركان هيرتسي هاليفي وكبار الضباط في الشاباك والاستخبارات والألوية ينصاعون لتنفيذ أوامر غير مقتنعين بها وهم يعلمون أن من يوجهها لهم يريد إزالتهم من الوجود عبر تحميلهم مسؤولية الإخفاقات؟ كيف لمثل هذا أن يحصل إن لم يكن هناك سيّد لبيت الشياطين هذا يعرف تماماً كيف يضرب بيده لضبط المناكفات بين المشاكسين؟ فالمهم أن يستمر دور إسرائيل حتى وإن تفككت لاحقاً مؤسساتها.
ماذا إذا انتهت الحرب الآن؟
وقح وقليل أدبٍ من يقول أن هذه الحرب الدائرة منذ ١٣ شهراً لم تترك أثراً على محور المواجهة مع الشيطان الأكبر في المنطقة. لو أن في الميزان فقط استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وأشلاء الأطفال في غزة ولبنان، لكفى بقاء الأثر إلى يوم القيامة. ولكن، دعونا نتخيل أن النار توقفت الآن في هذه اللحظة، ماذا ستكون نتيجة الحرب التي يقول عنها نتنياهو بأنها وجودية؟
الأهداف المضمرة للعدوان
لا تستطيع إسرائيل إذاً أن توقف الحرب، وهي لا تريد ايقافها. هذا بالتأكيد ضعفٌ وليس قوة. أهداف إسرائيل واضحة وتتلخص في كلمة واحدة: البقاء، وهذا أيضاً ضعف كياني يفسّر البربرية الاسرائيلية. هم يريدون إنهاء أي عامل يهدد “البقاء”، وهذا ما يفسر حقد الضباط والجنود الصهاينة على أطفال العرب، فهؤلاء هم بمثابة موسى الطفل لدى فرعون الذي استيقن أن زواله سيكون على يديه ولو بعد حين.
إذاً، فالضعف الإسرائيلي واضح في ضيق الخيارات وحصرها باتجاه واحد: استمرار الحرب لكي نبقى. ألا يكفي هذا إذاً لتفسير التناقض بين الأهداف التي يتحدث عنها الاسرائيليون للحرب وبين سلوكهم في الحرب؟ حسناً، ما الذي يريده الأميركيون لوقف هذه الحرب؟
١. السيطرة على الممرات البحرية في المتوسط: مضيق هرمز – قناة السويس – مضيق باب المندب – مضيق جبل طارق ، وهذا لا يتم الا بإنهاء أعدائها في دول الإمساك بهذه الممرات، أو على الأقل إضعافها تمهيداً لإخضاعها. وهكذا تصبح مواجهة روسيا والصين بهدف تركيعهما اقتصادياً وسياسياً أسهل وأكثر فعالية.
٢. إبقاء إسرائيل كدور ولو – كما قلنا سابقاً – تفككت كدولة ومؤسسات، المهم أن لا تتفكك ويبقى جيرانها (حتى “أصدقاء” الولايات المتحدة) متماسكون. الهدف أن تبقى إسرائيل الضعيفة أقوى، وهكذا سيأتي الدور بحال تم إخضاع محور المقاومة، كما قال وزير المالية الصهيوني، على كل من مصر والأردن والسعودية. فإسرائيل هي ضمانة عدم تنفيذ خط الغاز العربي بين دول المنطقة بعيداً عن السيطرة الأمريكية.
القدر ليس أميركياً بالمطلق
هذان إذاً عنوانان عريضان لأهداف الحرب التي تريدها الولايات المتحدة وسيلة لتحقيقهما. وتحت هذين الهدفين يمكن تخيل المشهد في كل من لبنان وفلسطين وكامل دول المنطقة.
ولكن، هل إذا حصلت “أحداث وحوادث” رفعت مستوى “اقتناع” الولايات المتحدة الأمريكية بأن سعيها لتحقيق هذه الأهداف سوف يؤدي إلى إضعاف حضورها ووجودها في المنطقة، مما سيقلب الصورة في مواجهة أعدائها الدوليين، سيؤدي ذلك إلى وقفها الحرب ولو أدى ذلك إلى إعلان انتصار محور المقاومة، بانتظار جولة أخرى مستقبلا قد لا تكون عسكرية؟
هل، إذا حصلت ضربة من نوع معين، وضعت إسرائيل أمام خيارين: إما الانتهاء كلياً وإما القبول بحياة أطول مع عاهة مستدامة، فإن ذلك سيوقف الحرب، ولو أدى ذلك إلى دخول كيان العدو في أزمة داخلية غير مسبوقة في تاريخ الكيان؟
وسؤال كذلك يبقى عريضاً ومهماً: ماذا إذا تكررت السنن التاريخية التي يقول عنها المسلمون “السنن الإلهية”، وألقي بأس المجرمين بينهم، كيف سيكون المشهد حينها؟
مؤشرات الحرب الأهلية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ظاهرة، أليس ذلك كفيلاً في إنهاء الحرب؟ يقول أحد الجنرالات في مذكراته: “الواقع دائماً أغنى من الخيال”، فدعونا لا ننتظر وقف الحرب، دعونا نساهم في رسم وقائعها بأغنى خيال ممكن.
المصدر: موقع المنار