تجزم الأحداث الحالية بأن حلب واحدة من أوسع بوابات التاريخ الحديث، تاريخ ما يزال حبره رطباً على تراب العتبة الحالية للمستقبل، الذي تخطه دماء تمتزج بكل دقات الوقت القادم، معلنا أهمية المكان واستراتيجية المرحلة في الصراع الأشرس تاريخياً على بلد تأخذ الحرب منه ما تأخذه، ولكن تبقى الخواتيم بيد صناع القرار الحقيقيين على الأرض، وهم رجال الجيش والمقاومة في الميادين السورية.
من بوابة الاستراتيجية العسكرية، يدخل موقع المنار لتشخيص المرحلة الحالية، والأحداث المتتالية المتسارعة على الجبهة الحلبية، والتي تعتبر كبرى الجبهات السورية أهميةً ومساحة.
يجزم الدكتور حسن أحمد حسن الخبير العسكري والاستراتيجي، خلال حديث خاص لموقع قناة المنار، بما بدأ به هذا النص ، مؤكداً على أن حلب هي البوابة التي يتفرع منها التاريخ الحاضر والمستقبل أيضاً.
حلب ساحة ساخنة لصراع الإرادات..
الأمر كما يقرأه الباحث د. حسن ليس فقط عسكرياً، هو أيضا صراع إرادات سياسية، حيث هناك شكل يرتسم لتاريخ سورية والمنطقة ككل، ومنها يستطيع أن يقرأ أي لوحة ترتسم لتوزع وتوازن القوى إقليميا ودولياً، فليست القضية ان هناك أعداداً من المسلحين بالآلاف، لأنه ليس عسكريا فحسب إنما سياسيا أيضاً.
يؤكد حسن أنه لا بد من استثمار وتطوير ما تم إنجازه في اليومين الماضيين بحلب على أيدي الجيش السوري وحلفائه، ولا بد أن يكون هذا الاستثمار متسارعا ومضبوطا بآن معاً،
وهنا لا بد من التركيز برأيه أيضا على تطور إنجاز غرب جنوب حلب والإبقاء على شرقي حلب حالياً ، تجنبا لتداعيات غير محمودة عقباها، فهنا نحن أمام مكاسرات سياسية للإرادات يجب العمل عليها بإيقاعات استراتيجية لتحقيق النتيجة التي تهدف إليها الدولة السورية وحلفاؤها ويعملون عليها منذ فترة وبهذه الوتيرة العالية والتفنن في إدارة المسألة والصراع. مع تركيزه على إمكانية الحسم العسكري ولكن بطريقة منهجية مدروسة.
أدوات الصراع تؤدي فشلاً متتالياً ، آخرها “غزوة أبو عمر سراقب”..
الهجمات على حلب لم تتوقف، أتت على شكل موجات متتالية، كافة العمليات فشلت، وكان آخرها فشل ما سُمي غزو أبو عمر سراقب التي أطلق عليها الإرهابيون أيضاً ملحمة حلب الكبرى.
غرفة عمليات واحدة كانت تدير المعركة ويقودها ضباط مخابرات غربيون مهنيون، يعطون الأوامر بالتحرك ويوزعون التحشيد وطريقة الهجوم وآلياته.
العملية الأخيرة التي سقطت بشكل مخزٍ ومدوٍ للحلف الغربي، والتي سميت “أبو عمر سراقب” كانت من أهم الخطوات الفاشلة التي أقدم عليها أعداء المحور، ما هو إلا وقت قصير حتى زالت فعاليتها.
وهنا يضيف الدكتور حسن لموقع المنار أن مدلولات انكسار هذه العملية هي الأهم. فالآلاف من المسلحين، عدد من المفخخات النوعية، وهنا التركيز على “نوعية” اذ انتقل الانتحاريون من مرحلة الدراجات والعربات العادية إلى مرحلة عربات bmb”” المصفحة والتي تم إعدادها لاجتياح المناطق المُسيطر عليها من قبل الجيش السوري وحلفائه.
في مرحلة الهجمات النوعية للإرهابيين، ظهر التكامل والتناغم الكبيرين بين الجيش السوري والمقاومة، وهذا أهم عوامل صد تلك الهجمات. عناصر المقاومة وما يجيدونه من تكتيكات هجومية والتحام مباشر، إغارة، وتصدي، كمائن، وقدرة على الاقتحام، يضاف إليه من جانب الجيش الغزارة النارية، التنسيق الرفيع بين كافة صنوف القوات، الاستطلاع المتقدم والآني والعميق.
وحسب الأعداد والآلاف التي اقرتها إحصائيات المرصد المعارض ، فإن الجسد الإرهابي بات متآكلا، ويحتاج الى أشهر ليتم إعادة ترتيب صفوف المسلحين الارهابيين من جديد وفق خطط تضعها غرفة العمليات التي تدير المعركة من جانب الغربيين.
الجانب الاميركي مُرحّبٌ ولكن غير مستعد..
ما حدث مؤخراً في حلب، خاصة تطهير مشروع 1070 ومنيان وما حولها من مناطق هامة، قطع الطرقات والإمداد على الإرهابيين، التقدم بشكل كبير من الجهة الغربية الجنوبية من حلب أمام الجيش السوري، وهذا سيذهب بالإرهابيين إلى نقطة يؤدي فيها تضييق الخناق الدور الكبير، إما سيواجهون الموت المحتم، أو سيذهبون إلى خيار المصالحات، وهذا كله اتى ليؤكد للخبير العسكري حسن حسن عدم استعداد الولايات الأمريكية للاقتراح الصيني الداعي للتنسيق بين روسيا وأميركا لمحاربة الإرهاب، ففشل الهجمات المتكررة وتقدم الجيش السوري والحلفاء على الأرض، يجعل من الموقف الأمريكي ضعيفا على طاولة التنسيق، باعتبارها الجهة الداعمة لهؤلاء الإرهابيين.
من يكسب حلب يمتلك الكثير..
حسب حدة الصراع والمواجهات، وحسب الاهمية التي ذكرها الباحث الاستراتيجي، تقوده إلى التأكيد على أنه من يكسب حلب يمتلك إمكانية كبيرة لكسب المعركة برمتها.
هنا ينتقل للتنويه إلى الرقة والتصعيد فيها، على اعتبار ان أمريكا وصلت لمرحلة الارتطام بجدار كبير يعيق نواياها في المنطقة، بدأ التصعيد باتجاه الرقة مع اتضاح اقتراب الجيش السوري و الحلفاء من حسم وتطهير حلب بريفها، الأميركي هنا لا يريد للجيش أن يتم ما بدأه في حلب، فوجد الإلهاء حلاً له من خلال الرقة، بدأت مرحلة خلط الأوراق، قوات سورية الديموقراطية من جهة، الأكراد من جهة أخرى، وعود متناقضة للأكراد والأتراك في آن واحد، دفع الأتراك للتشويش على هذا التقدم، كله يتيح أمام د. حسن أن يجزم بتعقد الوضع أمام الأمريكي. ويذهب الحديث إلى وصف ما تقوم به تركيا بالعربدات ، فاستخدام تركيا والأكراد في هذه المرحلة وبهذه الطريقة يكون محاولة أمريكية لضبط إيقاع العملية التي خرجت عن إرادة واشنطن.
المصدر: موقع المنار