خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش

الشيخ دعموش

 

نص الخطبة

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيل﴾.

من الملامح الأساسية للإنسان المؤمن امتلاكه لثقافة التكليف والتزامه الكامل باداء التكاليف الشرعية التي فرضها الله على عباده أياً كان نوع التكليف، لان التكاليف على نوعين:

النوع الاول: التكاليف الشرعيّة العامّة والثابتة كالعبادات والمعاملات والحلال والحرام مثل احكام الصلاة والصوم والحجّ واحكام البيع والتجارة والاجارة والزواج والطلاق والحجاب إلخ… وهذه التكاليف هي الاحكام الشرعية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الاحداث والظروف والاوضاع، لان حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة.

والنوع الثاني: هو التكاليف الشرعية التي تتعلّق بالأحداث والمستجدات التي لها علاقة بمصالح المجتمع والأمّة والتي يحدد الولي فيها المسؤوليات والوظائف العملية طبقا لما يشخصه من المصالح والمفاسد من موقع إدارته لشؤون الناس وقيادته للمجتمع.

مثل التكاليف التي يصدرها الولي للتعامل مع الاحداث والتحديات فيامر مثلا بالمواجهة العسكرية او بالمواجهة السياسية او يأمر بالصبر والتريث وعدم القيام باي تحرك وهذه الاحكام تسمى بالاحكام الولائية التي يحد فيا الولي التكاليف على ضوء ما يشخصه من مصالح ومفاسد وهي اكام متحركة وليست ثابتة لانها قد تتغير بحسب الظروف والاوضاع وما يشخصه الولي من مصالح ومفاسد.

لكن من يحدد هذه التكاليف؟

في زمن المعصومين كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والائمة(ع) من بعده هم الذين يحددون هذين النوعين من التكاليف، فكان النبي(ص) يبلغ الاحكام والتشريعات الالهية الثابتة بوحي من الله سبحانه وتعالى، ويقول للناس صلوا كذا وصوموا شهر رمضان وهذا حلال وهذا حرام الخ، فكان يبين لهم النوع الاول من التكاليف، وفي النوع الثاني كان النبي(ص) من موقع قيادته للامة وادارته لشؤون الدولة والمجتمع الاسلاميين يحدد للامة مسؤولياتها تجاه الاحداث والتحديات التي تواجهها فيقول مثلا اصبروا ولا تقاتلوا او قاتلوا وجاهدوا او افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، ففي مكة مثلا قبل الهجرة حدد النبي(ص) للمسلمين ان تكليفهم هو الصبر وتحمل الاذى وعدم مواجهة المشركين الذين كانوا يتعرضون للمسلمين بالاساءة والاذى والتعذيب والحصار، فكان تكليفهم الصبر وعدم المواجهة العسكرية، بينما بعد الهجرة امرهم هم بالمواجهة العسكرية والقتال.

الائمة(ع) كانوا يحددون لاتباعهم وظيفتهم الشرعية في كل زمان بحسب ما تقتضيه مصلحتهم ومصلحة الاسلام حسب الظروف وطبيعة المرحلة والاوضاع السياسية والاجتماعية وغيرها التي يعيشون فيها، فمثلا الامام الصادق(ع) كان ينهى عن الخروج في الثورات المناوئة للنظام الاموي او العباسي اي كان يقول يحرمة الثورة ليس لان الثورة حرام بالاصل بل لان الظروف وطبيعة الاوضاع في تلك المرحلة حسب تشخيص الامام للمصلحة لم تكن تسمح بالخروج بالثوارات اما لانه ليس لها افق او لان اهدافها لا تنسجم مع اهداف الاسلام .

ولذلك نجد ان الائمة(ع) حاربوا في مرحلة وصالحوا في مرحلة وسكتوا في مرحلة حسب طبيعة الظروف وما تقتضيه مصلحة الاسلام والمسلمين بحسب تشخيص كل امام للمصالح والمفاسد في زمنه.

وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾

وجملة واولي الامر منكم توحي بان وجوب طاعة الرسول (ص) ليس فقط لكونه مبلغا لاحكام الشريعة عن الله، بل ايضا لكونه وليا للامر وقائدا للامة يدير شؤونها ويشخص مصالحها ويحدد وظيفتها على ضوء ذلك.

فكل ما يحدده المعصوم من تكاليف ومسؤوليات في النوع الثاني من موقع كونه قائداً ووليّاً للأمر فهو ملزم وتجب طاعته، بل شدّد الله على وجوب طاعته من هذه الجهة بقوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾.

اما في زمن غيبة الامام المعصوم فان الذي يحدد التكاليف هو الولي الفقيه الجامع للشرائط، لانه في زمن الغيبة لا تنتفي حاجة الامة الى من يشخص لها مصالحها ويحدد لها تكليفها ومسؤولياتها تجاه الأحداث والمستجدات والتحديات، بل انها تحتاج الى ذلك والى من يدير شؤونها ويحدد لها وظيفتها العملية تجاه المستجدات، ولذلك فقد نصب الائمة الاطهار(ع) الفقيه الجامع للشرائط في كلّ عصر وليّاً يتحمّل هذه المسؤوليّة، وقد قال الإمام الصادق عليه السلام بحق الفقيه الجامع للشرائط: ( فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً؛ فإنِّي قدْ جَعَلتُهُ عليْكُمْ حاكماً، فإذا حَكَمَ بِحُكْمِنا فلمْ يَقبَلْ مِنْهُ، فإنَّما اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللهِ، وَعَلَيْهِ رَدَّ، وَالرّادُّ عَلَيْنا الرّادُّ على اللهِ، وَهُوَ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللهِ).

اذن في عصر الغيبة نائب الامام، الولي الفقيه هو الذي يحدد التكليف ويشخص لنا المصلحة ويبين لنا وظيفتنا تجاه الاحداث المختلفة، وليس ان المؤمنين على مزاجهم  يحددون التكليف لانفسهم بحسب اهوائهم وشواتهم وامالهم وطموحاتهم ومصالحهم، بحيث ان هؤلاء يريدون ان يقاتلوا فيذهبوا ويقاتلوا، وهؤلاء يريدون ان يطبعوا فيفعلوا ذلك، وهؤلاء يريدون ان يعملوا ثورة او ان يهادنوا او يوالوا هذا النظام  او ذاك او يحبون ان يعملوا عملا ثقافيا او اجتماعيا او سياسيا او جهاديا فيفعلوا ما يحلوا لهم ، لا، ليس على مزاجهم فعل ذلك.

المؤمنون السائرون في خط العبودية لله يتطلعون الى ما يريده الله ورسوله وولي الامر منهم ويطيعونه في التكاليف التي يحددها لهم.

على الإنسان أن يلتزم بالتكليف ويؤدّيه على أكمل وجه، لأنّه لمصلحة الإنسان والنفع يعود عليه وليس على الله تعالى لان الله كما يقول علي : “لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضرّه معصية من عصاه”.

لا يمكن للانسان ان يؤدّي حقّ العبودية حتّى يسلم إلى الله تعالى ورسوله وأولي الأمر في التكاليف، وينصاع اليها وينقاد بشكل كامل ويسلم تسليما لها ، ولذلك يقول تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمً﴾.

الامام الخميني كان يؤدي التكليف بمعزل عن النتائج، وعندما كان في الطائرة في الطريق الى ايران ايام الثورة قيل له الا تخاف من ان يقتلك الشاه اجاب نحن علينا ان نقوم بتكليفنا مهما كانت النتائج.

الشعب الايراني صنع معجزة بالولاية للامام الخميني والامام الخامنئي وهو لا يزال يصنع التقدم والتطور والازدهار بالرغم من كل الضغوط والمآمرات التي تحاك ضده وضد الجمهورية الاسلامية بالولاية والقيادة والطاعة والالتزام باداء التكليف ايا كان نوع التكليف

المقاومة الاسلامية في لبنان حققت كل هذه الانجازات والانتصارات ليس بالمقاومة والجهاد والقدرات والادارة والتخطيط فقط.. المقاومة لانها التزمت التكليف تحت راية الولي الفقيه و الامام الخميني والامام الخامنئي كانت لها هذه القيمة وهذه الانجازات.

لذلك اول وظيفة هي ان نعرف تكليفنا وثانيا ان نلتزم باداء التكليف بصدق واخلاص ومهما كانت النتائج وفي كل الظروف والاحوال، ليس انه عندما ينسجم التكليف مع مزاجنا وتطلعاتنا واهدافنا وطموحاتنا نكون معه ونلتزم به، اما عندما يخالف التكليف أرائنا وافكارنا ومزاجنا ولا يخدم مصالحنا الخاصة نرمي به ولا نلتزم به ، ليس هذا الذي اوصلنا الى النجاح والانتصارات .

سر نجاح المقاومة وحزب الله ونجاح الاجيال التي التزمت هذا الخيار هو التزامها بثقافة اداء التكليف في كل الاحوال والظروف ومهما كانت النتائج.

العامل الاساسي في النجاح هو ان الذين خرجوا في المقاومة كانوا يملكون هذه الثقافة ويعتبرون ان تكليفهم هو المقاومة حتى لو وقف العالم كله بوجههم.

هذه الثقافة يجب ان نعززها باستمرار في جيل الشباب وان نعمل على تربية الأجيال القادمة على هذه الثقافة، ثقافة الالتزام بالتكاليف والمسؤوليات الشرعية.

أميركا وإسرائيل والغرب يعملون ويراهنون على ابتعاد هذا الجيل عن هذه الثقافة، وهم يعملون في مجتمعنا وفِي المجتمعات العربية ‏والاسلامية على إفساد الشباب والشابات ‏عبر ثقافة التفاهة وثقافة الميوعة والترويج للإنفلات الاخلاقي والتحلل ‏الاخلاقي والاجتماعي والتفكك الأسري والابتعاد عن الحجاب والستر والعفاف والترويح للمثلية وادخالها في المناهج ‏التربوية، والترويج للمخدرات، وهم يستفيدون من تعلق الشباب بوسائل التواصل وإدمانهم عليها، حيث أصبح التلفون في متناول الجميع حتى الصبي الصغير أصبح لديه تلفون يستطيع ان يدخل من خلاله الى كل شيء، ‏وهذا من اعظم الاخطار والتهديدات التي تواجه هذا الجيل، وهنا يجب ان ننتبه ونتحمل المسؤولية، ولكن بفضل الله حتى الآن هم ‏خسروا في هذه المعركة، ولم ينجحوا حتى الان في معركة التأثير على عقول جيل الشباب بدليل ان شبابنا ما زالوا يحملون هذا الايمان وهذه ‏الثقافة وهذا الفكر ويرفعون هذه الراية، ويتنافسون على المشاركة في جبهات المقاومة.

ولذلك نقول لاميركا والغرب يجب ان تيأسوا من التأثير على هذا الجيل وعلى ‏الاجيال القادمة، الاجيال الحالية والاجيال القادمة ستحمل نفس الايمان والالتزام ‏والعزم والارادة والروحية وستمضي في طريق المقاومة .

طبعا نحن مسؤوليتنا جميعا، ‏مسؤوليات الاباء والامهات والعلماء والمعلمين في المدارس والمربين ‏والمهتمين بالشأن العام، أن نبقى متيقظين نتابع ابنائنا ونتحمل مسؤولياتتنا ‏عن هذا الجيل، أن لا نتركه لا للإعلام الغربي ولا لإعلام الفساد ولا ‏للمخدرات ولا للتيه ولا للضياع، المسؤولية اليوم على العائلات ‏الشريفة والكريمة والابآء والامهات كبيرة جدا ، وبالتالي يجب ان نحافظ على دين ابنائنا والاجيال في هذه المرحلة الصعبة من الاستهداف المباشر.

اليوم كل المحاولات الامريكية التي جرت حتى الان لاستهداف المقاومة والقضاء عليها وابعاد جيل الشباب عن ثقافتها وخيارها خابت وتلاشت ولم تحقق أهدافها

وسياسة الضغوط القصوى والحصار والعقوبات والتجويع وضرب الأوضاع المعيشية والمالية للناس التي افترضوا انها قد تؤدي الى انهاء المقاومة وإبعاد اللبنانيين عنها فشلت ولم تؤدي الى النتيجة التي يريدونها

ولكنهم اليوم وبعدما فشلوا في سيناريو الحصار بدأوا يخططون لسناريو الفوضى والانهيار والدمار وضرب الاستقرار وهم يتصورون بان هذا السيناريو قد يؤدي الى إسقاط المقاومة في لبنان، ولكنهم واهمون وخائبون، فاجيال المقاومة التي هزمتهم في كل المراحل والمواقع وأفشلت خططهم لن تمكنهم من تدمير بلدنا والنيل من عناصر قوته او ضرب استقراره ووحدته

طالما ان هذا الجيل والاجيال القادمة تملك الايمان والوعي والبصيرة وإرادة المقاومة وثقافتها وعزمها وتتحلى بروحية الشهداء وترفع رايتهم لن يستطيعوا تحقيق اهدافهم الخبيثة وضرب اللبنانيين ببعضهم.

وأحد عناصر إفشال المشروع الامريكي الجديد لضرب الاستقرار في البلد هو اختيار رئيس للجمهورية اولويته توحيد اللبنانيين والحفاظ على السلم الاهلي وحماية البلد والتمسك بعناصر القوة التي يملكها وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الاخرى

والممر الالزامي لانجاز هذا الاستحقاق هو التوافق والتفاهم، والا سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة؛ لانه لن يستطيع احد مع عدم وجود اغلبية نيابية ان يفرض ارادته على الاخرين او ان ينجح في إيصال رئيس للجمهورية يتحدى جزءا كبيرا من اللبنانيين ويرفع شعار المواجهة.