أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش ضرورة “بذل الجهد والتخلي عن الأنانيات والمطامع والمصالح الخاصة، كي نصون انفسنا ومجتمعنا وبلدنا ولا نعرضه للمزيد من الانقسامات والازمات والمشكلات”.
ورأى الشيخ دعموش في خطبة الجمعة أن “تجربة التوافق اللبناني بملف تعيين الحدود البحرية هي تجربة ناجحة وهامة يجب أن يبنى عليها وأن تنسحب على كل الاستحقاقات الأساسية، لا سيما استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية”، معتبرًا أن هذه “التجربة أكبر دليل على أنه عندما يتوحد اللبنانيون ويتوافقوا على أمر يمكنهم ان يتجاوزوا العقبات ويحققوا الإنجازات”.
وقال: “على الأطراف السياسية أن تجتهد للتوافق على رئيس يوحد اللبنانيين ويساعدهم على إخراجهم من أزماتهم، وليس رئيسًا يعمق الأزمات ويزيد في الانقسامات”.
الشيخ دعموش لفت إلى أن “القوى السياسية الأساسية قادرة على إيجاد تسوية معقولة للخلافات والتباينات والتوافق على رئيس للجمهورية، وذلك في حال تحلت بالواقعية السياسية وابتعدت عن منطق التحدي والمواجهة والكيدية، وإلا فإننا ذاهبون الى مرحلة يطول فيها الفراغ، في الوقت الذي لا يتحمل البلد فراغًا رئاسيًا وحكوميًا يشل عمل مؤسساته ويفاقم من تأزم أوضاعه الاقتصادية والمعيشية”، وتابع أن “السفارتين الأمريكية والسعودية وأتباعهما في لبنان يريدون رئيسًا للمواجهة يفرق اللبنانيين ويعمق انقساماتهم ويدخل البلد في فتنة داخلية، بينما نحن نريد رئيسًا يجمع اللبنانيين ويعالج أزماتهم ويواجه الفساد ويحمي البلد ولا يتحدى إلا اعداء لبنان”.
كما رأى الشيخ دعموش أن “تجاهل موازين القوى والإصرار على التحدي والكيدية لن يوصلا الا الى نتيجة واحدة، هي المزيد من التعقيد والتعطيل وضياع الفرص وإطالة أمد الفراغ وكل هذا ليس في مصلحة اللبنانيين”.
وختم سماحته قائلًا إن “ما ينفع اللبنانيين هو لغة الحوار والتلاقي والتفاهم لأنها اللغة الوحيدة التي يمكن ان تفتح الابواب امام الحلول في هذه المرحلة ، أما لغة التحدي والاستفزاز فلا تنفع أحدًا ولن توصل أصحابها إلا الى الطريق المسدود”.
نص الخطبة
في الثامن من شهر ربيع الثاني مرت ذكرى ولادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، وبهذه المناسبة ساتحدث عن دور الامام عليه السلام في كيفية التمهيد لقضية الإمام المهدي (عج) باختصار شديد.
من المعلوم ان السلطات العباسية كانت تترقب ولادة الامام المهدي(ع) لانهم كانوا يعرفون من خلال الروايات والاخبارات والنصوص ان المهدي(ع) هو حفيد الامام الهادي وانه ابن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) ولذلك كان بيت الامام الحسن(ع) محاطا بالعيون والجواسيس واجهزة امن السلطة الذين كانوا يراقبون الداخل والخارج وكل حركة في اطار هذا البيت الطاهر.
وكان الهدف هو اما القاء القبض على زوجة الامام الحامل بالمولود لقتلها مع جنينها او اسقاط حملها بالحد الادنى واما قتل المولود في حال ولادته، لانه بحسب الروايات التي قرأوها عن الامام المهدي(ع) كانوا يخشون ان يكون هو من يقضي على دولتهم وعروشهم وسلطانهم وطغيانهم.
يقول الإمام الحسن(عليه السلام) في حديث يشرح فيه علة ملاحقة بني العباس لأهل البيت(عليهم السلام) ومحاولة اغتيالهم في تلك المرحلة من دون أن يكونوا قد تصدّوا للثورة او شاركوا في الثورات العلنية التي كانت تقوم ضد العباسيين في تلك المرحلة، يقول:
فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الى منع تولّد القائم أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.
ولذلك أهم انجاز للإمام العسكري(عليه السلام) هو :
اولا: التخطيط الذكي لحماية وحفظ حياة ولده المهدي(عليه السلام) من أيدي الطغاة واجهزة السلطة الذين كانوا يتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته، حيث عمل الامام الحسن(ع) على إخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة داخل بيت الإمام(عليه السلام) وفي محيطه.
وقد خفيت الولادة حتى على أقرب المقربين من بيت الإمام، فإنّ عمّة الإمام(عليه السلام) لم تعرف بان زوجة الإمام الحسن(عليه السلام) حاملا فضلاً عن غيرها من النساء، ومن هنا كانت الولادة في ظروف سرّية جداً وتم كتمان الامر بشكل شديد.
وقد خطّط الإمام العسكري(عليه السلام) ليبقى الإمام المهدي(عليه السلام) بعيداً عن الأنظار ولم يطلع عليه إلاّ الخواص أو أخصّ الخواص من شيعته.
ثانيا: التمهيد لغيبته وتعويد الشيعة على الاتصال غير المباشر بامامهم وذلك من خلال اتباع اسلوب التواصل مع الشيعة بواسطة وكلاء وليس بشكل مباشر كما جرت العادة مع بقية الائمة فقد كان الإمام العسكري(عليه السلام) يتواصل مع شيعته من خلال الوكلاء الذين أصبحوا فيما بعد وكلاء للإمام المهدي(عليه السلام) من اجل تعويدهم على الارتباط والتواصل مع الامام المهدي بنفس الاُسلوب الذي كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام).
ونحن هنا وكما جرت العادة نريد ان نستفيد من بعض كلماته المضيئة والمشرقة لستنير بها:
فقد روي عن الإمام الحسن(عليه السلام) انه قال: أَوْرَعُ النَّاسِ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ الشُّبْهَةِ أَعْبَدُ النَّاسِ مَنْ أَقَامَ عَلَى الْفَرَائِضِ أَزْهَدُ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ الْحَرَامَ أَشَدُّ النَّاسِ اجْتِهَاداً مَنْ تَرَكَ الذُّنُوبَ.
ففي هذا الحديث يرشدنا الامام الى بعض الصفات والاعمال التي تجعل من الانسان الانسان الأكمل حيث يتحدث عن اربع صفات: عن الاورع اي الاكمل في ورعه، والاعبد اي الاكمل في عباداته، والازهد اي الاكمل في زهده، والاشد اجتهادا اي الاكمل في اجتهاده في طاعة الله
1- أَوْرَعُ النَّاسِ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ الشُّبْهَةِ: الورع هو اجتناب الحرام بينما الاورع هو الانسان الذي يحتاط ويجتنب ما يشتبه بانه حرام، فاذا التبس عليه حكم شيء ولم يعرف انه حلال ام حرام بحيث اشتبه بحرمته احتاط وابتعد عنه خوفا من الوقوع في المعصية، ولذلك يقول الامام الصادق(ع): إنّما الأمور ثلاثة: أمرٌ بيّنٌ رُشدُهُ فيُتَّبَع، وأمرٌ بيّنٌ غيّه فيُجتنب، وأمرٌ مشكل يردّ علمه إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: “حلالٌ بيّن، وحرامٌ بيّن، وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم”.
الوقوف عند الشبهات امر مطلوب خصوصا ممن يتولى شؤون الناس او يتعامل بالتجارات والصفقات ويجري المعاملات او يختلط بالناس بشكل واسع، لان باب الشبهات يفتح امامه بشكل اوسع وهو معرض للوقوع في الشبهات اكثر من غيره، احيانا يشتبه الانسان بان حديثه عن فلان هل هو غيبة ام لا، او الصاق تهمة بفلان هل هو بهتان واو واقع وحقيقة؟ او بيع او تناول هذا الشيء هل هو حلال او حرام؟ او الشك في حرمة التزوج مع امرأة يحتمل كونها من المحارم؟ او استجابة دعوة شخص مشتبه بحلية ماله او مشتبه بمراعاته ومجاملته للاغنياء والزعماء، واهماله للفقراء والمساكين؟ كل ذلك هو من موارد الشبهة التي ينبغي للانسان الورع ان يجتنبها ويحتاط فيها، ولذلك خاطب علي واليه على البصرة عثمان بن حنيف لما سمع انه دُعي إلى وليمةٍ فمضى لها فبعث له بكتاب يعاتبه على ذلك قال فيه: (أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الأَلْوَانُ وتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، ومَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ، فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُه مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَه عَلَيْكَ عِلْمُه فَالْفِظْه، ومَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِه فَنَلْ مِنْه).
2-اعبد الناس من اقام على الفرائض: العبادة هي الطاعة لله، والانبياء والرسل جميعا دعوا الناس الى عبادة الله، قالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾.
والعباداتُ تنقسم الى واجبات، وهي ما لا يرضى اللهُ عزَّ وجلَّ بتركِه، ومستحبّاتٍ يحثُّ اللهُ عزَّ وجلَّ على فعلِها، لكن من ابرز مظاهر الطاعة والعبادة هو المواظبة على اداء الفرائض التي امر الله بها ، بان يواظب على ادائها كالصلاة في اول وقتها وياتي بها بخضوع وخشوع و يقيمها بشروطها المعتبرةِ بحيث تكون صحيحةً تامّة، لا يتخلف عنها ولا يفوته شيء منها ويؤديها بمستحباتها، فالقنوت من مستحباتها، واداؤها في المساجد من المستحبات، واداؤها جماعة وليس فرادى من المستحبات وهكذا..
ولذلك كانَ أعبدَ الناسِ مَنْ عَمِلَ بالفرائض، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): مَن أتَى اللّهَ بِما افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ فهُوَ مِن أعبَدِ النّاس.
وعَنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام ):يقولُ اللهُ: ابنَ آدم! اعملْ بما افترضتُ عليكَ تكُنْ مِنْ أعبدِ الناس.
وهذا يعني الحذرَ مِنْ تضييعِ الواجبِ مَعَ الحفاظِ على المستحبّ؛ لأنَّ ما يُسأَلُ عنه الإنسانُ يومَ القيامةِ هو الفرائض، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): إِنَّكَ إِنِ اشْتَغَلْتَ بِقَضَاءِ النَّوَافِلِ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ فَلَنْ يَقُومَ فَضْلٌ تَكْسِبُهُ بِفَرْضٍ تُضَيِّعُهُ.
ويتأكَّدُ ذلكَ ممّنْ يتولّى شؤون الناسِ ويكونُ في مقامِ التصدِّي لأمورِهم؛ او يكون مسؤولا او في موقع معين يقتدي به الناس وينظرون اليه على انه قدوتهم ونموذجهم فاهتمامُه بإقامةِ الفرائضِ ينبغي أنْ يكونَ ثابتا ، ليكون احرهم على اداء العبادة صحيحة واحرصهم على الصلاة جماعة في المساجد وبذلك يعلمهم كيف يقومون بذلك عندما يكون في مقدمتهم، ففي عهدِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) لمالكٍ الأشترِ لمَّا ولَّاهُ مصرَ: ولْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِه لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِه، الَّتِي هِيَ لَه خَاصَّةً، فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ ونَهَارِكَ، ووَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِه إِلَى اللَّه مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ ولَا مَنْقُوصٍ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ.
3-أَزْهَدُ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ الْحَرَامَ، الزهد هو الابتعاد عن متاع الدنيا وطيباتها والامام يقول ان من يترك الحرام هو من اهد الناس، لانه يخالف اهوائه ورغباته ويجعل مخافة الله هي الاساس فيعرض عن المعاصي والمحرمات، عن علي(ع): لا زهد كالزهد في الحرام.
4-أَشَدُّ النَّاسِ اجْتِهَاداً مَنْ تَرَكَ الذُّنُوبَ: الاجتهاد بذل الجهد في مواجهة الاهواء والشهوات والرغبات والمصالح التي تقود الانسان الى المعاصي، والضغط على النفس ومتابعتها ومراقبتها حتى لا تنساق مع رغباتها فتقع في الذنوب، فتارك الذنوب هو الاشد اجتهادا، ولذلك يقول علي(ع): أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأمُومٍ إِمَاماً، يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ. أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ (بثوب بالي)، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ (يعني اكتفى من طعامه برغيفين)،أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ .
نحن بحاجة الى بذل الجهد والتخلي عن الانانيات والمطامع والمصالح الخاصة كي نصون انفسنا ومجتمعنا وبلدنا ولا نعرضه للمزيد من الانقسامات والازمات والمشكلات .
اليوم تجربة التوافق اللبناني بملف ترسيم الحدود البحرية هي تجربة ناجحة وهامة يجب ان يبنى عليها، وان تنسحب على كل الاستحقاقات الأساسية، لا سيما استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، فهذه التجربة اكبر دليل على انه عندما يتوحد اللبنانيون ويتوافقوا على أمر يمكنهم ان يتجاوزوا العقبات ويحققوا الانجازات.
ولذلك على الاطراف السياسية ان تجتهد للتوافق على رئيس يوحد اللبنانيين ويساعدهم على اخراجهم من ازماتهم وليس رئيسا يعمق الازمات ويزيد في الانقسامات.
القوى السياسية الأساسية قادرة على إيجاد تسوية معقولة للخلافات والتباينات والتوافق على رئيس للجمهورية، اذا ما تحلت بالواقعية السياسية وابتعدت عن منطق التحدي والمواجهة والكيدية، والا فاننا ذاهبون الى مرحلة يطول فيها الفراغ، في الوقت الذي لا يتحمل البلد فراغًا رئاسيا وحكوميا يشل عمل مؤسساته ويفاقم من تأزم اوضاعه الاقتصادية والمعيشية.
السفارتان الامريكية والسعودية وأتباعهما في لبنان يريدون رئيساً للمواجهة يفرق اللبنانيين ويعمق انقساماتهم ويدخل البلد في فتنة داخلية، بينما نحن نريد رئيساً يجمع اللبنانيين ويعالج ازماتهم ويواجه الفساد ويحمي البلد ولا يتحدى الا اعداء لبنان
تجاهل موازين القوى والاصرار على التحدي والكيدية لن يوصلا الا الى نتيجة واحدة هي المزيد من التعقيد والتعطيل وضياع الفرص وإطالة أمد الفراغ وكل هذا ليس في مصلحة اللبنانيين.
ما ينفع اللبنانيين هو لغة الحوار والتلاقي والتفاهم لانها اللغة الوحيدة التي يمكن ان تفتح الابواب امام الحلول في هذه المرحلة ، اما لغة التحدي والاستفزاز فلا تنفع احدا ولن توصل اصحابها إلا الى الطريق المسدود.
المصدر: بريد الموقع