خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش

دعموش

الامام الرضا(ع) وكلمات نورانية
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة 30-9-2022: نريد رئيسًا وطنيًا وليس أمريكيًا والزمن الذي كانت أميركا تفرض فيه رئيسا للجمهورية أصبح من الماضي .
رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش أن “جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أمس كانت بمثابة استكشاف للنوايا والتوجهات وجس نبض القوى السياسية وليست جلسة انتخاب حقيقية”، مشددًا على أن “اللبنانيين ينتظرون انتخاب رئيس جديد يدخلهم في مرحلة جديدة، ويعمل بالتعاون مع الجميع على معالجة الأوضاع المعيشية والحياتية”.
وأضاف الشيخ دعموش في خطبة الجمعة أن “ما يهم الشعب اللبناني في هذه المرحلة هو تأمين مستلزمات الحياة والعيش الكريم، من كهرباء وماء ودواء وطبابة وتعليم وفرص عمل وغير ذلك، ولم يعد تعنيه المزايدات والنقاشات والمسرحيات التي تقوم بها بعض القوى السياسية التي تبرهن بأدائها السياسي يومًا بعد يوم بعدها عن هموم الناس ومعاناتهم”.
واعتبر أن “المدخل الضروري لتحقيق أولويات اللبنانيين وانقاذ الوضع المعيشي والانتقال الى مرحلة جديدة من العمل الجاد، هو تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وانتخاب رئيس للجمهورية يكون محل توافق اللبنانيين بعيدًا عن تدخل الخارج”.
ولفت الشيخ دعموش الى أن “السفارات تلعب دورًا سلبيًا عندما تضغط لإيصال رئيس للجمهورية على قياسها، يعمل لتحقيق رغباتها ومصالح الخارج وليس مصلحة البلد”، مؤكدًا أن “تدخل السفارات في الاستحقاق الرئاسي يعمق الانقسامات بين اللبنانيين، ويعيق التوافق، ويدخل البلد في الفراغ”.
وقال سماحته إن “المصلحة الوطنية تقتضي من الجميع التلاقي والتفاهم من أجل أن يكون للبنان رئيس جديد للجمهورية ينتخبه النواب بملء إرادتهم الوطنية، بعيدًا عن تدخل السفارات وإملاءاتها”.
وتابع أن “حزب الله يريد رئيسًا وطنيًا وليس امريكيًا، يتوافق عليه اللبنانيون، ويعمل لمصلحة الشعب اللبناني، ولا يخضع إلاّ للدستور والقانون ولمنطق السيادة والمصلحة الوطنية، ولا تعنيه مصالح الخارج ورغباته، بل يعنيه إنقاذ البلد وحل أزماته وتحقيق رغبات الشعب اللبناني”.
وشدد على أن “الزمن الذي كانت أميركا تفرض فيه رئيسًا للجمهورية في لبنان أصبح من الماضي، ولن نعود الى الوراء، ومن يراهن على أميركا للوصول إلى موقع رئاسة الجمهورية هو كمن يراهن على أوهام وتخيلات”.
وشدد الشيخ دعموش على “ضرورة أن يتعلم اللبنانيون من تجاربهم ومن تجارب العالم مع الولايات المتحدة الامريكية، فلطالما راهن الكثيرون في لبنان وفي العالم على الوعود والحلول الأمريكية للأزمات هنا أو هناك، فماذا كانت النتيجة؟ انظروا ما حل بافغانستان والعراق واوكرانيا وما يجري اليوم في أوروبا لتدركوا أن أميركا على استعداد لتضحي بأقرب حلفائها من اجل الحفاظ على مصالحها:”.
كما أكد أن “الرهان على اميركا في أي شيء هو رهان خاطىء، لأنها لا تعتني إلا بمصالحها ومصالح “إسرائيل” في المنطقة، لذلك فإن رهان البعض في لبنان على أميركا لحل الأزمات وجلب الخيرات هو رهان خاطىء، فاميركا التي تدعي كذبا صداقتها للبنان لا تعنيها مصلحة لبنان بقدر ما تعنيها مصلحة “إسرائيل”، وهي بسياساتها المتبعة في لبنان لم تجلب للشعب اللبناني سوى الخراب والدمار والحصار والعقوبات والفتن وتعميق الانقسامات”.
وختم الشيخ دعموش قائلا: “على اللبنانيين إذا أرادوا الخروج من الأزمات، أن يعتمدوا على أنفسهم ويوسعوا من خياراتهم ويتعاونوا مع أصدقاء لبنان الحقيقيين الذين يبادرون بالفعل لمساعدته وليس لمحاصرته وابتزازه”.
نص الخطبة
قبل أيّام مرت عدة مناسبات حزينة، ففي 28 صفر كانت ذكرى رحيل رسول الله (ص) وفي اواخر صفر كانت شهادة الامام الحسن المجتبى وشهادة الإمام علي بن موسى الرّضا(عليهما السلام) حسب بعض الروايات، وقد تحدثنا في الاسبوع الماضي حول ما يرتبط برسول الله(ص)، وكنا قد تحدثنا قبل اسابيع قليلة حول ما يرتبط بالامام الحسن(ع)، وبقي ان نتحدث في هذه المناسبة حول بعض ما يرتبط بالامام الرضا(ع).
فالمعروف ان الامام الرضا(ع) هو الامام الثامن من أئمة أهل البيت(ع) ولد في المدينة المنورة عام 148 هـ ، وتولى الإمامة بعد استشهاد أبيه الامام الكاظم (ع)  واستمرّت إمامته حوالى 20 عامّاً، واستشهد بسمٍّ دسَّه إليه المأمون العباسي في طوس سنة 203 هـ، ودفن في مدينة مشهد، وصار مرقده  مزاراً ومقاما شامخا يقصده الملايين من مختلف بلدان العالم.
ولا نريد هنا ان نستغرق في تاريخ هذا الامام(ع) فقد تحدثنا في مناسبات اخرى حول بعض جوانب تاريخه المشرق، وحول قبوله لولاية العهد من المأمون العباسي فلا نريد الاعادة ، ولكن نريد ان نستلهم من كلماته وتعاليمه ما ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا، فالإمام يمثّل الخط الفكري الاصيل الذي يرتكز على الإسلام، وكلماته وتعاليمه وارشاداته ليست محدودة بزمن الإمام(ع) أو بزمن معين او بواقع معين، بل هي تعاليم على امتداد الزمان والمكان، وتلاحق واقع الانسان في كل عصر وزمان، والامام عندما يتحدَّث فانما يتحدث عن مفاهيم وقيم وحقائق إلهية واسلامية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
ولذلك سأكتفي بالحديث هنا عن بعض كلمات الامام(ع) التي تناول فيها بعض المفاهيم الروحية والأخلاقية لنتعلم منه كيف نصون انفسنا وكيف نحصنها من السقوط والضياع والانحراف.
فقد  رُوي عن الإمام الرضا (ع) انَّه قال: “سبعةُ أشياء بغير سبعةِ أشياء من الاستهزاء: مَن استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ بنفسه، ومَن سأل الله التوفيقَ ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه، ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزأ بنفسه، ومَن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه، ومن تعوَّذ من النار ولم يترك شهواتِ الدنيا فقد استهزأ بنفسه، ومَن ذكر الموت ولم يستعد له فقد استهزأ بنفسه، ومَن ذكر الله ولم يستبِقْ إلى لقائه فقد استهزأ بنفسه”.
الانسان العاقل المتدين عادة يقدر نفسه ويحترمها ويعظمها ويحافظ على مكانتها ولا يستهزء بها او يهينها باي شيء، وعادة المتكبر والمتعالي على الناس والسفيه وعديم الاخلاق هو من يستهزء بالناس ويتوقع ان يسخر منهم اما الانسان فلا يسخر من نفسه ولا يتوقع منه ان يسخر بها، وايضا الانسان ينأى بنفسه عن احتقار الآخرين أو الاستهزاء بهم، واذا كان يتجنب توجيه الاهانة لغيره والاستهزاء بالاخرين فإنّ الأولى ألّا يوجّه الإهانة والاستهزاء إلى نفسه.لكن هذا الانسان الذي يغضب ويصبح مهموماً ومغموماً عندما يسخر منه الآخرون والذي لا يتوقع منه ان يهين نفسه ويستهزء بها، كثيرا ما يستهزء بنفسه من حيث لا يشعر ولا يعرف!
الامام(ع) في هذا الحديث يقول ان هناك سبعة أشياء اذا طلب الانسان شيئاً منها أو طلبها جميعها ولم يأخذ بأسباب تحصيلها وتحقيقها فهو كالمسُتهزء بنفسه، الذي يسخر منها ويهزأ بها ويحتقِّرها ويستصغرها نتيجة تصرفاته وممارسته لبعض الأمور المزدوجة.
أولاً: مَن استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ بنفسه:
اي من يقول: استغفر الله، وقد يستغفر في اليوم والليلة سبعين مرة، وقد يستغفر الله بلسانه أكثر من ذلك ولكنَّه لا يشعر بالندم في قلبه على الذنبٍ الذي ارتكبه، بل هو قد يشتاقُ لذلك الذنب ولو أُتيح له أن يرتكبه مرةً ثانية لما تردَّد في ارتكابه ، فهذا مستهزأ، وغير جاد في طلبه واستغفاره، لأنَّه لو كان جادا وكان استغفاره  صادقا وعن قصدٍ وعزم لندم بقلبه فهذا ساخرٌ مستهزأ، فالذي يقول: “أستغفر الله، أستغفر الله” وهو غير نادمٍ على ذنبٍ ارتكبه ليس صادقاً ولا جادَّاً في إستغفاره وإنَّما هو مستهزئ بنفسه، لان الاستغفار يستبطن الندم فاذا كان المستغفر غير نادم معناه ان يطلب شيئا يعلم مسبقا انه لن يحققه وهو قادر على تحقيقه فهو مستهزء بنفسه ومستهزء بربه ايضا.
ولذلك ورد عن الإمام الرضا(ع) قال: “الْمُسْتَغْفِرُ مِنْ ذَنْبٍ وَ يَفْعَلُهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ”
وهذا يعني ان طريق التوبة هو الندم وليس الاستغفار باللسان وحده، ولذلك ورد عنهم (عليهم السلام): “الندم توبة” و “كفى بالندم توبة”، فالتوبة ليست هي الاستغفار اللفظي وحسب وإنما هي الندم القلبي على الخطيئة والاستغفار ليس إلا تعبِّيرا عما في القلب من الندم، الاستغفار باللسان مظهرٌ للندم الذي يكون محلُّه القلب فإذا لم يكن كذلك فهو ليس إستغفاراً يقول (ع): “الندم على الخطيئة استغفار” يعني حقيقة الاستغفار هو الندم على الخطيئة.
وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام): “التوبة النصوح، الندم على الذنب”.
ثانياً: “ومَن سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه”
يعني انَّه مَن دعا الله لان يوفقه لشيء ولم يسعى اليه ولم يعمل لاجل الحصول عليه فقد استهزء بنفسه فمن يدعو أن يرزقٍه الله وهو لا يجتهد في تحصيل الرزق، فدعاؤه لا قيمة له ولن يُسمع منه، ومن سأل الله عزوجل أن يوفقه للحصول على فرصة عمل ثم هو لا يجتهد في السعي لتحصيل عمل فهو كالساخر من نفسه، ومَن سأل الله انيوفقه لتحصيل العلم والمعرفة وهو كسول  لا يدرس ولا يهتم بتحصيل العلم بل يلهو ويبحث عن الرخاء الراحة فقد أخطأ طريق العلم، فالعلم يتطلَّبُ بذلَ مشقةٍ وعناءٍ ومكابدة، ولا يتحقق إلا بالسهر والتعب والتخلي عن كل ما يصرف الانسان عن تحصيل العلم، فاذا كان الانسان لا يفعل كلُّ ذلك ويتراخى ويلهو ويقضي اوقاته على التلفون يلعب ويتسلى وهو يريد أن يكون عالماً، فقد أخطأ الطريق ولو قضى الليل والنهاروهو يدعو ليوفقه الله لن يُستجاب له، وهكذا اذا دعا الله ان يوفقه لطاعته ولم يسعى نحو الطاعة ولم يجتهد بالعبادة والالتزام بالحلال والحرام والوقوف عند الشبهات فلا قيمة لدعائه وهو كمن يستهزء بنفسه، فالامام يقول: من سأل الله التوفيق في أيِّ شيء ثم لم يجتهد ولم يسعى نحوه ولم يأخذ بأسباب التوفيق فقد استهزأ بنفسه، لأنه جعل من نفسه أضحوكة.
ثالثاً: “من استحزم ولم يحذر فقد استهزأ بنفسه”:
استحزم يعني أراد لنفسه أن يكون عاقلاً، فالحازم هو العاقل، والحزم هو العقل، فمن أراد ان يكون من العقلاء وان يعمل عمل العقلاء وان يقوم بعمل معين  ، ثم لم يحذر ولم يفكر في عواقب عمله وعواقب الامور فقد استهزأ بنفسه، لان أساس العقل هو عدم الإقدام على شيءٍ يشوبه الغموض والتشويش فلا تجد عاقلاً يقدم على شيء وهو يحتمل انَّ يكون فيه ضرر أو محذور لأنَّ مقتضى التعقل التثبُّت في كل الامور سواء كانت مرتبطة  بشؤون الحياة أو كانت مرتبط بشؤون الدين، فإذا شك الانسان في أنَّ هذا العمل محرمٌ أو محلل فإنَّه لا يقدم حتى يتثبَّت من حليَّته، فلا يقول إنِّي لا أعلم انَّه حرام فلا بأس من فعله، بل يتجنب ذلك وهكذا من احتمل ان يكون في هذا العمل او ذاك ضرر على ماله او عياله او مصلحته فانه يتثبت ويحذر ويتأمل في عواقب  الامور ويستفيد من التجارب ،  ثم بعد ذلك يتخذ القرار المناسب. فالذي يستحزم اي ياخذ بالحزم ويقرر بسرعة ولا ينظر في العواقب ولا ينتفع من التجارب فقد استهزأ بنفسه لأنَّه لم يحاذر.
رابعاً: “ومَن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه”.
الطرق إلى الجنة كثيرة لكنَّ أقرب الطرق إلى الجنة هو الصبر على الشدائد، والابتلاء بالمصائب والازمات والشدائد والتحديات والضغوط تصيب الجميع العالم والجاهل والعاقل والأحمق والمؤمن وغير المؤمن ، ولكن المؤمن العاقل يستثمر الشدائد فيجعل منها طريقاً إلى الجنة عندما يصبر عليها ويتحمل ويثبت ولا ينهار او يسقط او يجزع او يتبرَّم ويعترض على الله ويتَّهمه في عدله ولو بقلبه، فهو يتساءل في نفسه لماذا ياربِّي إبتليتني وعافيت الناس وأفقرتني وأغنيت الناس وحرمتني من مالي او رزقي او وظيفي وانعمت على الاخرين؟ فهو يتساءل في نفسه عن كلِّ ذلك بحيث يفقد القدرة على الصبر والتحمل ويصاب بعدم  الرضا بقضاء الله وقدره، وهذا من مظاهر الجزع الموجب للخروج من الإيمان، وفي المقابل ثمة اناس إذا أصابته المصيبة صبر وتجلَّد واحتسب واستشعر الرضا بقضاء الله والتسليم لقدره فيكون صبره وسيلةً لدخوله الجنة.
خامساً: “ومن تعوَّذ من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزأ بنفسه”
فهو يخاف من النار ولكنه لا يتورع عن الشهوات والمحرمات التي تقوده الى النار، يتعوَّذ من النار وهو مستغرق في اتباع الشهوات المحرمة، فليس من محرمٍ يُتاح له أن يرتكبه وتشتهيه نفسُه إلا وارتكبه غير مبال بحرمته، فهو يبحث عن تحصيل ما تشتهيه نفسه من مالٍ أو جاهٍ أو رغباتٍ نفسيةٍ ثم إذا جلس في الصلاة قال: أعوذ بالله من النار ربنا أصرف عنا عذاب جهنم، إنَّ جهنم لا تنصرف عن مثله وهو مكبٌّ على شهوات الدنيا غير عابئٍ بما يحرم منها وما يحل، “ومن تعوَّذ من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزأ بنفسه”.
سادساً: ثم قال الإمام (ع): “ومن ذكر الموت ولم يستعد له فقد استهزأ بنفسه”.
يعني ان الذي يعرف ان الموت حتمي وواقع يقيناً في المستقبل ولعله ياتي الانسان بعد ساعة أو أقل أو اكثر ورغم ذلك يتغافل عنه ولا يستعدُّ له فهو كمن ستهزء بنفسه، لان وقوع الموت حتمٌي على كلِّ انسان ولذلك يُعبَّر عن الموت باليقين، كما في الزيارة المأاثورة “وعبدتَ الله مخلصاً حتى أتاك اليقين” يعني حتى أتاك الموت، لماذا يُعبَّر عن الموت باليقين؟ لانَّ الموت سوف يُصادف الإنسان يقيناً، فكثير من الأمور يُحتمل أن تصادف الإنسان ويُحتمل أن تُخطأه فلا تصيبه، وأما الموت فإنَّه يصيب الجميع  فهو على يقينٍ بأنَّه سيصادفه ومع ذلك لا يستعدُّ له ومع ان الإنسان يتذكر الموت ويراه وقد خطف العديد ممَّن يعرفهم  من اقرب الناس اليه إلا انَّه رغم ذلك لا يستعدُّ له فهو إذن ساخرٌ ومستهزأٌ بنفسه.
سابعاً: “ومن ذكر الله ولم يستبِقْ إلى لقائه فقد استهزأ بنفسه”.
إذا أحبَّ أحدنا شيئاً فإنَّه يُكثر من ذكره بسببٍ أو بدون سبب، بل هو يبحث عن أيِّ سببٍ حتى يذكر محبوبه بخير لأنَّه يحبه ، وهكذا هو حال من يحب الله ويعشقه  فإنَّه يجد نفسه مولعةً بذكره وتقديسه وحمده والثناء عليه، ومن يحب الله فانه يعمل بما يُرضيه لأنَّه هذا هو مقتضى الحب،  فهو يحاول ان يطيعه ويتقرب منه، فاذا كان هناك من يدعي حب الله ويدَّعي انَّه من الذاكرين لله كثيراً ثم هو لا يستبق إلى رضوانه  ورحمته وجنته الواسعة بالأعمال التي يُحبُّها الله فهو كالمستهزئ بنفسه، الذي يضحك على نفسه.
اليوم نحن بحاجة الى هذه المعاني التي تعمق علاقتنا بالله كي يعيننا على مواجهة مشاكل الحياة وهمومها وتحدياتها والاستحقاقات المختلفة .
لقد دخل لبنان في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلد وجرت بالامس جلسة كانت بمثابة استكشاف للنوايا والتوجهات وجس نبض القوى السياسية وليست جلسة انتخاب حقيقية اليوم اللبنانيون ينتظرون انتخاب رئيس جديد يدخلهم في مرحلة جديدة ويعمل بالتعاون مع الجميع على معالجة الاوضاع المعيشية والحياتية، لان ما يهم الشعب اللبناني في هذه المرحلة هو تأمين مستلزمات الحياة والعيش الكريم من كهرباء وماء ودواء وطبابة وتعليم وفرص عمل وغير ذلك، ولم يعد تعنيه المزايدات والنقاشات والمسرحيات التي تقوم بها بعض القوى السياسية التي تبرهن بادائها السياسي يوما بعد يوم بعدها عن هموم الناس ومعاناتهم.
اليوم المدخل الضروري لتحقيق أولويات اللبنانيين وانقاذ الوضع المعيشي والانتقال الى مرحلة جديدة من العمل الجاد والدؤوب هو تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وانتخاب رئيس للجمهورية يكون محل توافق اللبنانيين بعيدا عن تدخل الخارج.
السفارات تلعب دورا سلبيا عندما تضغط لإيصال رئيس للجمهورية على قياسها يعمل لتحقيق رغباتها ومصالح الخارج وليس لمصلحة البلد.
تدخل السفارات في الاستحقاق الرئاسي يعمق الانقسامات بين اللبنانيين ويعيق التوافق ويدخل البلد في الفراغ.
المصلحة الوطنية في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها البلد تقتضي من الجميع التلاقي والتفاهم من أجل أن يكون للبنان رئيس جديد للجمهورية ينتخبه النواب بملء إرادتهم الوطنية، بعيداً عن تدخل السفارات وإملاءاتها.
حزب الله يريد رئيساً وطنياً وليس امريكيا يتوافق عليه اللبنانيون ويعمل لمصلحة الشعب اللبناني ولا يخضع إلاّ للدستور والقانون ولمنطق السيادة والمصلحة الوطنية، ولا تعنيه مصالح الخارج ورغباته، بل يعنيه انقاذ البلد وحل أزماته وتحقيق رغبات الشعب اللبناني
الزمن الذي كانت اميركا تفرض فيه رئيسا للجمهورية اصبح من الماضي ولن نعود الى الوراء، ومن يراهن على اميركا للوصول الى موقع رئاسة الجمهورية هو كمن يراهن على أوهام وتخيلات.
يجب ان يتعلم اللبنانيون من تجاربهم ومن تجارب العالم مع الولايات المتحدة الامريكية، فلطالما راهن الكثيرون في لبنان وفي العالم على الوعود الامريكية والحلول الامريكية للازمات هنا او هناك، فماذا كانت النتيجة ؟ انظروا ما حل بافغانستان والعراق واكرانيا وما يجري اليوم في أوروبا لتدركوا ان اميركا على استعداد لتضحي بأقرب حلفائها من اجل الحفاظ على مصالحها.
الرهان على اميركا في اي شيء هو رهان خاطىء، لان اميركا لا تعتني الا بمصالحها ومصالح اسرائيل في المنطقة.
ولذلك رهان البعض في لبنان على اميركا لحل الازمات وجلب الخيرات هو رهان خاطىء، فاميركا التي تدعي كذبا صداقتها للبنان لا تعنيها مصلحة لبنان بقدر ما تعنيها مصلحة اسرائيل، وهي بسياساتها المتبعة في لبنان لم تجلب للشعب اللبناني سوى الخراب والدمار والحصار والعقوبات والفتن وتعميق الانقسامات، وعلى اللبنانيين اذا اردوا الخروج من الازمات فان عليهم ان يعتمدوا على انفسهم ويوسعوا من خياراتهم ويتعاونوا مع اصدقاء لبنان الحقيقيين الذين يبادرون بالفعل لمساعدة لبنان وليس لمحاصرة لبنان وابتزازه  .

المصدر: بريد الموقع