كان جو بايدن نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، عندما واجها معاً مشاكلاً إقتصادية حادة تراكمت من أزمة الإئتمان العقاري عام ٢٠٠٨، وواجها أيضاً على فترات، تقلبات أسعار النفط عالمياً، لدرجة أن الشارع الأميركي انتفض على ارتفاع سعر غالون البنزين، وكانت اللقطة المعروفة لمواطن أميركي معلقاً على تورط بلاده في سوريا بالقول: “لا يهمنا لو احترق الشرق الأوسط، بل الأهم عندنا عدم رفع سعر غالون البنزين سنتاً واحداً، لأن كل حياة الشعب الأميركي قائمة على هذه المادة الممنوع بها التلاعب بها تحت أي ظرف.
نفس المشاكل يواجهها اليوم الرئيس جو بايدن في الداخل الأميركي، بعودة نسبة التضخم التي شهدتها ولايتا أوباما، واستطاع ترامب لاحقاً تصفيرها عبر ابتزاز المال من دول الخليج كبدل حماية، لتعود خلال ولاية بايدن حالياً أكثر خطورة، نتيجة تداعيات الوباء من جهة، والإنكماش الإقتصادي والضمور الإستثماري من جهة أخرى، إضافة إلى تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية وارتفاع صرخة أوروبا مطالبةً بالغاز والنفط، وتحميل أميركا مسؤولية تأمين المصادر البديلة بعد أن خنقت العقوبات الأميركية على روسيا كل أوروبا وأوقفت جزئياً عجلة الإنتاج في مصانعها وتُهدِّد الشعب الأوروبي بالصقيع في الشتاء المقبل.
ومع اقتراب استحقاق الإنتخابات الأميركية النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب في الخريف المقبل، واستعدادات الجمهوريين للثأر من هزيمتهم الإنتخابية الرئاسية، وجد بايدن نفسه مُلزماً بالإنكسار، والقدوم شخصياً إلى الشرق الأوسط، بعد أن ضربت دول أوبيك وأوابيك بعرض الحائط كل مطالباته بضرورة رفع مستوى الإنتاج للتعويض عن مصادر الطاقة الروسية، وسط تقارب روسي/ صيني مع السعودية، ما دفع ببايدن إلى مراضاة واسترضاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من أجل أن يعود حاملاً بـ “الغالون الفارغ” الذي يحمله بما يُرضي الشعب الأميركي من زيادة في إنتاج النفط الخليجي وبالتالي إنخفاض الأسعار..
لا شيء يُحرِّك الديبلوماسية الأميركية سوى مصالح وضغوط الداخل الأميركي، وجولة بايدن الحالية هي أكثر من كذبة فاقعة، فلا حقيبته تحمل اقتراحاتٍ لحلّ “الدولتين”، ولا هو قادمٌ بغصن زيتون إلى اليمن وسوريا، ولا هو قادرٌ على تشكيل عملي لما يُسمَّى الناتو العربي، لأن أحلافاً كثيرة قامت بضغط أميركي على دول عربية وإسلامية لإستعداء إيران ووصل عددها أحياناً إلى ٤٢ دولة وبقيت قرارات ورقية، وبالتالي، بايدن أتى بحقيبة فارغة ويغادر بحقيبة فارغة، وغاية زيارته أن يملأ الغالون غازاً ونفطاً سواء من حقل كاريش لإسكات أوروبا قبل أيلول، أو من حقول الخليج لإسكات الشارع الأميركي قبل استحقاق تشرين الثاني الإنتخابي.
لبنان، المعني الأول بحقل كاريش، جاءت إطلالة سماحة السيد حسن نصرالله مساء الأربعاء، لتضع كل ما يحيط بهذا الحقل من ملابسات على الطاولة أمام اللبنانيين، على وقع قرع بايدن على الغالون الفارغ المُلزم تعبئته في طريق العودة، خاصة أن شهر أيلول يحمل استحقاقاً وجودياً للشعب اللبناني إذا ما باشر الكيان في استخراج الغاز لتلبية الطلب الأوروبي، ونحن ما زلنا في لبنان ندور حول طاولة المفاوضات لترسيم الحدود، وسط مراوغة صهيونية و”لعبة غميضة” مع الأميركي هوكشتين.
وللمصادفة، جاءت كلمة السيد نصرالله بمناسبة بداية الأربعينية الربيعية لنشأة المقاومة، قبل نحو أربعين يوماً من استحقاق ما قد يواجهه لبنان في أيلول، وكائناً ما كانت المواقف من الجولة البانورامية الواقعية للسيد نصرالله، فهو ومِن خلفه كل المؤمنين بالحق اللبناني، لا يوجِّه لا رسالةً، ولا إخباراً، لا لأميركا ولا للكيان ولا لبعض الداخل اللبناني، بل هو وضع الأمور ضمن نطاق الواقع الحاصل والذي سيحصل، ما لم يتمّ التزامن في التنقيب والإستخراج بين لبنان والعدو، من منطلق أن الوضع الإقتصادي والإجتماعي والسيادي اللبناني أمام فرصة لن تتكرر، وعامل الزمن في الإستعداد والتحرُّك على كل المستويات لا يتعدى الأربعين يوماً، والحرب أرحم بالناس من الموت جوعاً…
المصدر: خاص