تألّقت السّاحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة بالعمليات الفدائية التي شكّل الشباب عمودها الفقري، ولعلّ ما أضفى عليها ألقها هو ارتدادتها المهمّة لما لها من فضل في تعرية الاحتلال الصهيوني المتبجّح بشعاراته منذ قيامه على أرض فلسطين، وما لا يقل أهمية عن الارتدادات هو زمان ومكان العمليات التي صفعت “تل أبيب” مرّتين، مرة في “بني براك”، ومرّة في “شارع ديزنغوف” وما سبقهما.
تأتي أهمية هذه العمليات في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الصهيونية تخبّطاً سواء من جهة الحكومة، أو من جهة السعي لارتشاف الأمل عبر اتفاقات “ابراهام” المعقودة مع الأنظمة العربية والتي أبكاها قادة ومحللي الكيان الصهيوني.
لم تكن العملية الاستشهادية التي قام فيها الشهيد رعد حازم حدثاً عادياً يضيع في حمى تراكم الأحداث وانفجارها التلقائي، لما حملته بنتائجها من كشف للهشاشة البنيوية التي يعاني منها الاحتلال، حيث كانت عملية في تمام الساعة التاسعة من مساء يوم الخميس السابع من نيسان كافية لاستنفار قادة الكيان ووحداته النخبويّة كـ “اليمام” و “سييرت متكال”، 1000 جنديٍ نخبويّ مُدرَّب لاحقوا مجاهدا فلسطينيا واحدا، جالَ مسافة 3 أميال في 9 ساعات، علاوةً على برهنة الإخفاق الفاضح على مستوى التعاطي مع الحدث ولا سيما إعلامياً الذي لعِبَ دورا جوهريا في تأزيم الحالة النفسية للمستوطنين الذين شعروا وكأنَّ العملية في بيوتهم ودبَّت فيهم الذعر والقلق وفق ما يراه محللون صهاينة، كما ودفعت بهم لاستذكار “مقتل 13 جندياً إسرائيلياً في معارك بمخيم جنين قبل 20 عاماً”، كما أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت.
في مراجعة لاستخلاصات معهد أبحاث “الأمن القومي الإسرائيلي” قبل نحو عام، نستنتج عدم إيراد “إسرائيل” بندا استعداديا لمثل هذه العمليات، ما يقودنا لاستنتاج غاية في الأهمية وهو المفاجآت النوعيّة التي واجهها نتيجة عدم تهيّئة لشاكلتها، حيث تركّز اهتمامهم على توسيع رقعة التطبيع، وصياغة استراتيجية في ملف إيران النووي، إضافة لفرض ما أسمته بـ “السلام الاقتصادي” لمحاولة تفتير لهيب صواريخ قطاع غزّة.
وهنا يبدو السؤال منطقياً : ماذا عن المعركة الكُبرى من 4 جبهات وفق التقديرات الصهيونية، وأخطرها الشمالية.
بالطبع، الجواب يلوح في الأفق، هشاشة بنيوية تمهّد لتآكل داخليّ يكون عاملاً مساعداً ومسهّلاً للمعركة للكُبرى، “فإسرائيل” يعاني مستوطنوها من انعدام الثقة بقادتهم، وهذا رأيناه بأمّ العين في العملية الأخيرة وهم يركضون وكأنَّ شبح الموت يُطاردهم.
تشقّ العمليات الفردية الطريق نحو خوض معركة مركّزة وكبيرة مع الاحتلال، فالمعطيات التي شهدناها من تصريحات وتحليلات وتصدّع في الجدار الصهيوني، تمثّل شيفرة لها، وفي الوقت الذي تستعد فيه أيضاً قوى المقاومة لخوضها، من حيث القدرة على اتخاذ القرار والاستعداد العملياتيّ.
يثبت الشعب الفلسطيني يوماً بعد يوم مدى الارتباط التاريخيّ والرّوحي مع أرضه التي امتدت جذور نشأته فيها، فأمس رعدٌ فطرَ ظلمة الليل واستنهض بدماه ظمأ المتعطّشين للتحرير، ومن يدري فغداً يكون فجر الحرّية بازغٌ والقيود مكسّرة، بعد استلال القدس سيفها للمرّة الثانية.
المصدر: بريد الموقع