بَلَغت السياسة في لبنان حدود “الحُكم على النوايا”، والتقويل والتأويل، وذهب البعض الى البوح: “حُسِمَت منذ زمن، طالما أن حزب الله مُصرٌّ على موقفه في دعم ترشيح العماد ميشال عون”، وذهب البعض الآخر الى التشكيك بجدِّية الحزب في دعم هذا الترشيح، الى أن جاءت الإطلالة الأخيرة لسماحة السيد حسن نصرالله، في ذكرى أسبوع الشهيد القائد حاتم حمادة، ووضعت النقاط على الحروف، ورَسَمت حداً لكل الإجتهادات.
لن نتوقَّف عند المُنجز أو ما هو قيد الإنجاز للإستحقاق الرئاسي المُرتقب يوم الإثنين المُقبل، ولن “نشتغل إنتخابات” ضمن مقالة، وننتقل الى ما قبل هذا الإستحقاق، ليقرأ الراغبون، ظروف وصول أقوى شخصية سياسية مسيحية في الشرق الى الحُكم في لبنان، في زمن التهديد الوجودي لكافة الأقليات على أيدي التكفيريين – والمسيحيون من ضمن الضحايا – وهذه الظروف نجِدُها، في قراءتنا الواقعية كمُتابعين لكلمة سماحة السيد نصرالله في ذكرى الشهيد حمادة:
“لاأريد أن أخيف أحداً، لكن الوقائع قالت ذلك، هناك جماعات بشرية موجودة في المنطقة منذ آلاف السنين، أو منذ مئات السنين على تفاوت الحال، ما كان يجري في السنوات الماضية كان يهدف إلى إقتلاعها بشرياً، رجال ونساء وأطفال، تاريخ وحضارة وثقافة، كنائس وأديرة ومساجد وأضرحة ومقامات، ليس فقط إقتلاع الوجود البشري والديموغرافي، بل اقتلاع كل ما يمتّ في التاريخ لها بصلة، ولو كان حجراً أو قلعة أو مسجداً أو ديراً أو ضريحاً أو مقاماً أو جبلاً أو حجراً على جبل أو أثراً في متحف، كان مطلوباً مسح كل شيء، هذا في الوثائق موجود وفي غير الوثائق، السلوك والأداء، أداء داعش وأخوات داعش من جبهة النصرة وغيرها، والأداء والسلوك يؤيدان هذا الإتهام الذي نوجهه إلى هذا المشروع، وإعادة تشكيل خرائط المنطقة، وأنا هنا لا أقصد الحديث عن الأقليات الدينية أو الأقليات المذهبية، لأنه حتى في الدائرة السنيّة، كان المطلوب لون واحد، وفكر واحد، وتكفير ما سواه، وشطب ما سواه، وإلغاء ما سواه”.
وسط هذا الجحيم، الذي رَصَد سماحة السيد نصرالله طلائع ناره، قبل امتدادها في هشيم المصالح الدُونيَّة والنزاعات العقيمة، في أفظع حربٍ تدميرية لكل ما هو إنساني وحضاري، نزدري السياسة وحساباتها، ونجِد أنفسنا نحمل القلق على المصير، ونَقِف في طريقنا الى بعبدا على بوابة الضاحية الجنوبية لبيروت، لنحكي وقائع التاريخ بجرأة المؤمنين.
بتنا نعيش الخوف الوجودي في الشرق كما سائر الأقليات، وإننا وإن كنا على دين السيد المسيح، ننحني بإجلال للكتب السماوية وتعاليمها، ونؤمن بالعظمة الإنسانية الشمولية لرسالة الحُسين في مقاومة الظلم ونحن مظلومون، ونُلقي تحية الوفاء على أحفاد الحُسين، ونسأل الرحمة لشهداء مضوا على دربه في ذكرى أربعينه، ونقول: إن قوماً ما زالوا يذكرون على مدى قرون، حكاية الراهب الذي انتزع من أيدي القتلة رأس الحسين عليه السلام، وطيَّبها بالمسك، وجعلهاعلى قطعةٍ من حرير، وصاح بهم: تباً لكم!! والله لو كان لعيسى ابن مريم إبنٌ لحملناه على أحداقنا، وأنتم قتلتم ابن بنت نبيكم”، أحفاد الحُسين هؤلاء، الذين يذكرون بالحب والإمتنان ما صنعه ذلك الراهب منذ مئات السنوات، لن ينسوا ببضع سنوات من احتضن بشهامة عائلاتٍ لبنانية من العجزة والنساء والأطفال، من إجرام “يزيديي العصر وصهاينته”، فلا تعجبوا مِن مَن الوفاء ثقافتهم، ولا تسألوا لماذا أرادوا أن تبقى رؤوس الأقليات، كل الأقليات، مرفوعة، إنطلاقاً من إيمانهم بالحق ورفضهم للظلم.
إننا، وعلى مشارف قصر بعبدا، نقول لفخامة الرئيس العتيد، إبن المؤسسة العسكرية وخيرة قادتها، الذي امتلك قلوب شعبٍ آمن بمسيرته النضالية، وتعمَّد تحت سقف “مار مخايل” معمودية وطنية غير مسبوقة، مع من عمَّدوا تراب الوطن بدماء الشهادة، نقول لفخامته، أننا مطمئنون لعهده، لأنه إبن بيئة تعيش معاناة الناس، ويمتلك روحية وثقافة مقاومة الظلم وإحقاق الحق، ونحن واثقون، أن وطناً صانته معادلة الجيش والشعب والمقاومة، قد نجح أخيراً في بدء مشروع بناء دولة، وميشال عون سيكون بإذن الله رئيساً استثنائياً لدولةٍ عادلة، منتمياً للشعب ومؤتمناً على سيادة الوطن وسلامة أراضيه…
المصدر: موقع المنار