حسين سمّور
منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية لم تواجه القارة الأوروبيّة ظروفاً مشابهة لما تعيشه اليوم من تهديدات أمنية وصلت الى حدّ تهديد منطقة الإتحاد الاوروبي “الشنغن”، وسط ارتفاع حدّة التباين بين دول الاتحاد في مقاربة الملف الامني وأزمة المهاجرين غير الشرعيين.
بعد هجمات باريس من شارلي إيبدو الى “مذبحة” مسرح الباتاكلان، جاءت هجمات بروكسل لتؤشر بشكل واضح على الخطر الكامن داخل هذه المدن، والذي تجاوز مرحلة الهجمات الفرديّة الى هجمات منظمّة تقوم بها مجموعات مدربة بشكل واضح. وعلى وقع هذه التطورات تواصل كل من فرنسا وبلجيكا وألمانيا إضافة الى هولندا والمملكة المتحدة عملياتها الأمنية للقبض على إرهابيين مفترضين او من هم على علاقة بمنفذي العمليات الارهابية، وبالفعل فإن هذه الاجهزة الامنية تمكنت من توقيف العشرات خلال أيام.
جماعات إرهابية منظمة في أوروبا
التطورات الأمنية التي فرضت نفسها على القارة العجوز دفعت بالعديد من دوائر القرار إلى رفع الصوت، وكان لافتاً كلام رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس قبل ايام قليلة، عن مواجهة طويلة الأمد مع الإرهاب في أوروبا، والتي بحسب تعبيره قد تمتد الى جيل كامل، وذلك بعد معلومات تتحدث عن وجود خلايا تعمل منذ وقت طويل في أوروبا. وليس بعيدا عن هذا الكلام خرج رئيس وكالة الاستخبارات الامريكية السابق “مايكل هايدن” ليؤكد ان ما تشهده بلجيكا وفرنسا وأوروبا بشكل عام تجاوز موضوع تطرف فردي وذئاب منفردة. وأوضح هايدن أن الاوروبيين عموما والبلجيكيين خصوصا غير قادرين على الإحاطة بمهمة مكافحة الارهاب لوحدهم هذه الفترة، وأنهم يحتاجون للمساعدة من باقي الدول ومن الولايات المتحدة الامريكة أيضا. وقال هايدن ان مواجهة الارهاب اليوم بحاجة إلى عمليات استخباراتية أفضل على اعتبار ان الارهاب في اوروبا “تجاوز الاعمال الفردية والذئاب المنفردة أو المتطرفين الذاتيين وأصبح شبكة إرهابية ناضجة في قلب أوروبا.”
الأمن الهش في أوروبا تحدّث عنه أيضا رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الجمهوري رون جونسون، مؤكدا ان خطر الهجمات الإرهابية في أوروبا أكبر منه في أمريكا، بسبب قربها من الشرق الأوسط وتدفق اللاجئين، محذرا من إمكانية أن يهاجم تنظيم “داعش” المنشآت النووية في أوروبا وأمريكا. وقال جونسون أن بعض الإرهابيين الذين نفذوا الهجمات في أوروبا دخلوا ضمن موجة اللاجئين، وأوروبا تحاول كشف هذه الخلايا الإرهابية والمخططات، وتابع: للأسف، فإن هذا هو ما يريد الإرهابيون نشره، ما نشاهده في بروكسل اليوم، هذا النوع من الاضطراب الداخلي”.
هي تحديات كبرى للأمن في اوروبا يبدو ان ستطول، ولكن المطلوب اليوم بحسب المراقبين هو ان تسير اوروبا بموازاة مكافحة الارهاب في خطِّ تصحيح سياساتها الداخلية والخارجية على السواء. فالمطلوب اليوم ان تساعد أوروبا أعدادا كبيرة من الجاليات التي تعيش على اراضيها على الاندماج أكثر داخل المجتمعات الاوروبية، وعدم إبقائهم في أحيائهم على الهامش دون ان يكون لهم دور في الحياة الاجتماعية. ومن المطلوب ايضا أنّ تقف السلطات بوجه بعض أصوات اليمين المتطرف التي تنادي بالإلغاء.
ومن الضروري اليوم ان تقوم بعض الدوائر الاوروبية بإجراء تعديلات على سياساتها الخارجية تجاه العديد من القضايا لا سيّما الشرق الاوسط وبعض الدول الافريقية، وهي سياسات ساهمت بتنامي الارهاب خلال الفترة الماضية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو الامر الذي ارتد عليها سلبا عبر هذه الهجمات. فمحاولات الاستثمار في قضايا الشرق الاوسط عبر دعم جهات على حساب جهات أخرى، يجب ان تتركه بعض الدول الاوروبية لانه امر ساهم بتنامي الارهاب والتطرف.
تبقى الامور مفتوحة اليوم على احتمالات كبيرة ومنها حصول المزيد من العمليات الارهابية التي تحصد أرواح الابرياء، فيما تبقى الحلول موجودة وبانتظار التطبيق الصحيح، من تكثيف الحملة لمواجهة الارهاب مع العمل الجاد على عدم دعمه في مناطق اخرى، على اعتبار أن المواجهة مع الارهاب لا تكون موضعيّة.
المصدر: خاص