عام قاس، مرت به الجماعات الإرهابية في سوريا، فالهزائم التي حملتها من عام 2016 بخسارة حلب، استمرت معها خلال 2017. فشل ميداني واقتتال داخلي، وشبح “الباص الأخضر” يلاحقهم في كل المناطق الموجودين فيها على امتداد رقعة العمليات العسكرية في سوريا.
افتتحت الجماعات الإرهابية في سوريا عامها بمزيد من الخلافات الداخلية، وفشلت في تحقيق اندماج فيما بينها، رغم مطالبات الداعم الإقليمي بالإتحاد، وجاء تأسيس “هيئة تحرير الشام” في نهاية الشهر الأول من عام 2017، ليؤجج الانقسامات، نظراً للرفض الكبير الذي جوبه به هذا التشكيل من قبل جماعات عديدة، وأبرزها “حركة أحرار الشام”.
وتأسست الهيئة من جماعات جبهة النصرة (كانت تسمى في حينها جبهة فتح الشام)، حركة نور الدين الزنكي، لواء الحق، جبهة أنصار الدين، جيش السنة، بالإضافة إلى شخصيات عدة من حركة احرار الشام أبرزهم، أبو جابر الشيخ (القائد السابق لحركة احرار الشام)، ابو صالح الطحان (المسؤول العسكري العام السابق لأحرار الشام) أو ما بات يعرف بكتلة “جيش الاحرار”، وغيرها من الشخصيات.
لكن هذه الهيئة لم يكتب لها النجاح، بسبب ما اعتبر سطوة أبو محمد الجولاني عليها، فقدم قائدها العام أبو جابر الشيخ استقالته من منصبه في تشرين الأول / اوكتوبر، وخرجت منها كتلة “جيش الأحرار” التي يقودها أبو صالح الطحان في أيلول / سبتمبر، وكذلك انفصلت “حركة نور الدين الزنكي” عن الهيئة في تموز / يوليو، وخرج منها أيضاً القيادي البارز السعودي عبد الله المحيسني.
وبعد هذه الإنشقاقات، عادت “هتش” إلى صيغتها الأولى، لتضم بشكل أساسي جبهة النصرة “جبهة فتح الشام”، مع بعض الفصائل الصغيرة، غير الوازنة.
وبرزت في هذا العام تسجيلات مسربة لقادة من جبهة النصرة يتحدثون بإزدراء عن المشايخ، ما اعتبر اهانة لهم، وتحدثت التسريبات أيضاً عن مساع لقادة من النصرة لإغتيال شخصيات من الفصائل الأخرى. وأدت هذه التسريبات إلى سخط شعبي وفصائلي على الجبهة، بوصفها طرفاً لا يحترم العهود ولا يوجد لديه حد أدنى من المصداقية.
وخاضت “هتش” معارك عدة مع الجماعات المسلحة العام الماضي، خصوصاً مع حركة أحرار الشام، التي منيت بخسارة مفاجئة، خلال 36 ساعة من المعارك، تراجعت على اثرها من مدينة أدلب، ومعظم المناطق التي كانت تتواجد فيها، خصوصاً معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا وذلك في تموز / يوليو.
وقبل انهاء سيطرة احرار الشام على ادلب، قضت هيئة تحرير الشام “هتش” على حليف الماضي، وهو “جند الأقصى”، في شباط / فبراير، بعد معارك في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، بحجة مبايعة قادة من الجند تنظيم داعش، وارتكابه مجزرة في منطقة الخزانات بخان شيخون، راح ضحيتها أكثر من مئة مسلح من جماعة “جيش النصر”.
والجدير بالذكر أن جماعة “جند الأقصى” كانت قد بايعت أبو محمد الجولاني ايلول / اوكتوبر 2016، بعد اقتتال مع حركة احرار الشام، في سراقب وأريحا وجرجناز وسرمدا بريف ادلب، فيما رفضت أحرار الشام البيعة وأصرت على استئصال الجند، لكنها لم تقدر على ذلك. وأدت المعارك في حينها إلى مقتل المئات من الطرفين. وشنت “هتش” في حزيران / يونيو هجوما على مناطق معرة النعمان وكفر رومة في ريف ادلب، التي كانت تسيطر عليها “الفرقة 13” التابعة للجيش الحر، انتهت بحل الفرقة بعد مقتل العديد من قادة الصف الأول فيها.
وفي تشرين الثاني / نوفمبر، شنت هيئة تحرير الشام هجوماً على مناطق حركة نور الدين الزنكي (احد مؤسسي الهيئة)، في ريف حلب الغربي، لكنها لم تحقق اي انجاز عسكري يذكر، في حدث توقف عنده المراقبون، كون الهيئة وجبهة النصرة سابقاً استطاعت القضاء على ما يقارب الـ 20 فصيلاً، ووقفت عند حاجز نور الدين الزنكي في الريف الغربي لحلب.
خلال الـ 2017، فقدت جبهة النصرة المقبولية الفصائلية في المناطق المتبقية تحت سيطرة الجماعات المسلحة في ادلب وارياف حماة وحلب، وهي تبحث الآن عن شرعية، عبر الإستمرار في قتال الجيش السوري على محاور ريفي حماة وادلب، وتحاول دفع الجماعات الأخرى إلى القتال معها، لكن هذه الدعوات لم ترق إلى حد الاستجابة المطلوبة، وبقيت خجولة، بسبب المعارك التي قادتها النصرة ضد الفصائل الأخرى، وآخرها ضد “جيش النصر” الذي يقاتل معها في ريف حماة في كانون أول / ديسمبر.
وبالنسبة إلى حركة أحرار الشام، فقد فقدت في العام 2017 مناطق سيطرتها الأساسية في ادلب، لصالح جبهة النصرة. فإلى جانب معبر باب الهوى، سيطرت الهيئة على كامل مدن وبلدات إدلب وسلقين وحارم والدانا وأطمة وسرمدا ودارة عزة وجبل بابسقا وجبل بركات، وانحصر نفوذ الحركة في مدينة اريحا واجزاء من جبل الزاوية، وفي مناطق محدودة في ريف حماة الشمالي الغربي، وسهل الغاب، وانتقل معظم قادتها إلى تركيا، بموجب اتفاق مع “هيئة تحرير الشام”، وذلك في تموز / يوليو.
وعلى إثر هذه الخسارة العسكرية، عينت الحركة قائداً عاماً لها، بدلا عن أبو عمار العمر، هو حسن صوفان “أبو البراء” في أب / اغسطس، لتلقى على كاهل هذا الرجل مسؤولية كبيرة، تتعلق بإعادة هيكلة الحركة بعد سنوات من التشتت وعدم القدرة في اتخاذ القرارات أوصلتها إلى ما آلت إليه أمورها، من ضعف ميداني، وتراجع في التأثير.
وفي الغوطة الشرقية لدمشق، اندلع في ايار / مايو قتال عنيف بين “جيش الاسلام” من جهة و”فيلق الرحمن” و “هيئة تحرير الشام” من جهة أخرى، قتل على أثره عشرات المسلحين من الطرفين، خصوصاً في مناطق الأشعري، الافتريس، زملكا، المحمدية، جسرين وحزة، وانتهت المعركة بتقاسم الطرفين النفوذ في الغوطة الشرقية، فسيطر الفيلق على القطاع الأوسط، فيما بقي قطاع دوما وما حوله تحت سيطرة جيش الاسلام.
تنظيم القاعدة
وعاد الحديت عن تنظيم القاعدة في سوريا إلى الواجهة، بعد تسجيل صوتي لأيمن الظواهري في تشرين الثاني / نوفومبر انتقد فيه أبو محمد الجولاني، ووصفه بناكث البيعة على خلفية فك إرتباط جبهة النصرة مع التنظيم، وذلك بعد أن اعتقلت “هتش” قادة من القادة في سوريا وابرزهم الاردني سامي العريدي، وابو جلبيب الطوباسي.
التدخل التركي
مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بدأت اولى طلائع الجيش التركي بالدخول إلى الأراضي السورية في محافظة ادلب، في حدث كان متوقعاً بالنظر إلى التصريحات التركية السابقة بهذا الخصوص، لكن المفاجئ كان تعامل “هتش” مع هذا الأمر، وهي التي قاتلت العديد من الفصائل بحجة تعاونهم مع الأتراك وامكانية تسهيلهم لدخول الجيش التركي إلى ادلب، فإذا بها تتعاون مع الحكومة التركية بهذه المسألة. رغم هذا التعاون، فإن الحكومة التركية تنظر بعين الريبة إلى “هيئة تحرير الشام”، وتتعامل معها بحكم الأمر الواقع، فيما الرغبة التركية كانت وما تزال تتجه إلى حركة أحرار الشام، بالنظر إلى التقارب الفكري الكبير بين الأخيرة، وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
معارك جوبر وريف حماة الشمالي وحي المنشية
في شهر آذار / مارس، شنت الجماعات المسلحة وأبرزها هيئة تحرير الشام ثلاث معارك في وقت واحد، في حي جوبر الدمشق، وريف حماة الشمالي، وفي حي المنشية في درعا. معارك ثلاث تزامنت مع انطلاق الجولة الخامسة من محادثات جنيف.
هدفت الهيئة في تلك المعارك إلى لفت النظر الدولي إليها كلاعب عسكري في سوريا، ينبغي أن يأخذ له حساب في المفاوضات السياسية، لكن الرد الحاسم من الجيش السوري في تلك المعارك، أحبط هذه المخططات. ففي جوبر، قوبل الهجوم الإرهابي برد عنيف من قبل الجيش السوري، شارك فيه سلاح الطيران بشكل فعال، مستهدفاً مراكز المسلحين وغرف عمليات الخلفية.
وفي ريف حماة الشمالي، وخصوصاً في مناطق صوران، معردس، وطيبة الإمام، أحبطت القوات السورية هجوماً عنيفاً للمسلحين، وكذلك في حي المنشية في درعا.
احباط هذه هذه الهجمات الثلاث، يشير إلى أن هذه الجماعات فقدت زمام المبادرة بشكل كامل في سوريا، بعدما فقد مسلحوها إرادة القتال، جراء الأزمات الداخلية التي عصفت بها، بالإضافة إلى انتصارات الجيش السوري على أكثر من جبهة.
فقدان ارادة القتال
وفقدت عناصر الجماعات المسلحة إرادة القتال لديها، بسبب بسبب الصراعات الداخلية، التي أدت إلى مقتل الآلاف منهم، على امتداد عمر الأزمة، وبعدما أيقن العديد منهم أنهم لا يقاتلون إلا لأجل أمراء حرب، نهبوا الشعب السوري طيلة عمر الأزمة، وتزعموا عليهم، وأقاموا إمارات وهمية ومناطق نفوذ. وأكد الإرهابي السعودي عبد الله المحيسني في تشرين الثاني / نوفومبر أن آلاف المسلحين تخلوا عن القتال، وتحولوا إلى التجارة، فقال عبر قناته على تلغرام “آلاف الأبطال من المجاهدين قعدوا، فهذا فتح بسطة مازوت وثاني يبيع في مطعم وثالث أكمل الدراسة ورابع في تركيا”.
وإنطلاقاً من الخلافات الداخلية على الزعامة والإمرة، وبسبب الهزائم الميدانية على يد الجيش السوري، يبدو أن العمر الإفتراضي للجماعات المسلحة في سوريا قد انتهى، وعليها البحث في العام القادم عن مخرج لها، خصوصاً وأن القادم من الأيام سيشهد معركة عسكرية، قد تقضي على ما تبقى لهم من مناطق وجود في ريفي ادلب وحماة.
المصدر: موقع المنار