لأول مرة منذ الغزو الاميركي للعراق في العام ألفين وثلاثة، تبسط القوات العراقية سيطرتها على كامل أراضي الدولة، بعد القضاء على إرهابيي داعش في كافة المناطق والمدن التي دخلوها واستوطنوا فيها، مع حلول العام 2004، بقيادة ما سمي في حينها “جماعة التوحيد والجهاد”، بزعامة الاردنيين أحمد فاضل نزال الخلايلة الملقب بـ “أبو مصعب الزرقاوي”، وعمر يوسف جمعة صالح الملقب بـ “أبو أنس الشامي”.
وفي العام نفسه، ظهر اسم تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” المبايع لتنظيم القاعدة العالمي بزعامة اسامة بن لادن، وبدأ تمدد الإرهاب في العراق مستفيداً من حالة تردي الوضع الأمني الذي خلفه الوجود الأميركي.
آلاف العمليات الانتحارية والهجمات العسكرية وارتكاب مجازر جماعية كبيرة أودت بحياة ملايين العراقيين على مدى السنوات الـ 13 الماضية، والتي نفذها تنظيم القاعدة، وبعدها ما سمي بـ “تنظيم الدولة” منذ العام 2014، وهذا ما أعلنه زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي عن قيام داعش داعياً الى مبايعته من على منبر مسجد النوري بالموصل، عند اول ظهور اعلامي له في الخامس من تموز/يوليو 2014.
شكل العام 2014 مفصلاً هاماً في تاريخ العراق، مع بلوغ الإرهاب أوج قوته، باستيلائه على محافظة نينوى ومناطق هامة من محافظة صلاح الدين، أبرزها مدينة تكريت. لكن بالمقابل، جاءت فتوى المرجع آية الله العظمى السيد علي السيستاني بالجهاد وتشكيل الحشد الشعبي، في 23 حزيران/يونيو، ليبدأ بعد ذلك، العد التنازلي لداعش في العراق.
لتختم القوات العراقية بمساندة من الحشد الشعبي هذه المرحلة، بإنتصار كبير على ارهاب، خلف دماراً وتخريباً طوال تلك الفترة السوداء من تاريخ العراق الحديث.
فيما يلي أبرز المحطات في عملية تحرير العراق من ارهابيي داعش.
معركة جرف الصخر
تلقى تنظيم داعش في منطقة جرف الصخر شمال محافظة بابل أولى هزائمه العسكرية، وذلك في تشرين الاول من العام 2014.
الموصل
ثاني مدن العراق وعاصمة محافظة نينوى شمال البلاد. تقع على بعد 350 كلم شمال بغداد على الضفة اليمنى لنهر دجلة. دخل التنظيم اليها في 10 من حزيران/يونيو 2014، وتم تحريرها في 10-7-2017، وهنا يجب الوقوف قليلاً عند التسلسل الزمني لأحداث الموصل لما لها من أهمية ففي العام 2014 توجهت أنظار العالم نحو جامع النوري في الموصل، وما بداخله من منبر يعتليه رجل ذو لحية مرتديا لباسا أسود وملقيا خطبة الجمعة في المصلين، ليعلن فيها عن نفسه بأنه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، ومدعيا أنه خليفة المسلمين ومن هنا أضحى لجامع النوري شهرة فاقت ما كان عليه سابقا، وأصبح ذا دلالة كبيرة عند العراقيين وغيرهم وفيما يلي التسلسل الزمني لاحتلال داعش الموصل:
– 5 يونيو/حزيران 2014: محافظ نينوى آنذاك أثيل النجيفي يقول إنه “لا يوجد مسلحون لا في الموصل ولا على أطرافها”، ويؤكد أن السلطات الأمنية فرضت حظر التجوال فيها كفعل احترازي في المدينة.
– 6 يونيو/حزيران: قوات محدودة تابعة لتنظيم داعش تدخل أطراف مدينة الموصل في مناطق مشيرفة و17 تموز والهرمات وحي التنك وحي العريبي وحي الزهراء وحي التحرير.
– 7 يونيو/حزيران: نزوح جماعي من عدة أحياء في مدينة الموصل خشية التعرض للقصف بعد اندلاع اشتباكات بين الجيش العراقي ومسلحي داعش.
– 8 يونيو/حزيران: استمرار الاشتباكات في الموصل بين عناصر التنظيم والجيش العراقي الذي لم يتوان عن قصف المناطق التي كان سيطر عليها المسلحون وسيّر فيها دوريات، معلنا أن عملياته العسكرية في المدينة تأتي ضمن حملة لتطهيرها من المجاميع الإرهابية.
– 10 يونيو/حزيران: مئات من مسلحي تنظيم داعش يسيطرون بالكامل على مدينة الموصل.
تكريت
دخلها مسلحو داعش في 11 من حزيران 2014. وهي عاصمة محافظة صلاح الدين وتقع على بعد 160 كلم شمال بغداد على طريق الموصل. تم تحريرها في 1-4-2015.
تلعفر
سيطر عليها داعش في 23 حزيران/ 2014 وهي تقع على بعد 380 كلم شمال بغداد، بين الموصل والحدود مع سوريا. تم تحريرها في 31-8-2017.
الفلوجة
دخلها مسلحو داعش في 2 كانون الثاني 2014. تقع على بعد 60 كلم غرب بغداد في محافظة الانبار المجاورة لسوريا. تم تحريرها في 26-6-2016.
قضاء الحويجة
دخل مسلحو داعش إلى الحويجة في حزيران من العام 2014. ويقع القضاء جنوب غرب محافظة كركوك، على بعد 23 كلم شمال بغداد. حرره الجيش العراقي في الشهر الـ 10 من العام 2017.
الوصول إلى الحدود السورية
منذ سيطرت تنظيم داعش الإرهابي على الحدود العراقية- السورية عام 2014، اتخذت هذه المنطقة الطابع ” الاستراتيجي “، ولم يعد الحديث عن أي تفصيل فيها يخرج عن هذا الأمر، ولعل ذلك كان أحد الآثار المباشرة للمساس باتفاقية سايكس – بيكو ، ويصح الحديث هنا لو بقيت الأمور على حالها خلال الأشهر التي تلت سيطرت التنظيم للحدود ، إلا أن الواقع الميداني أدخل عوامل أخرى كرس استراتيجيتها ومحوريتها في تشابك المحاور على الأرض السورية، فالقوات العراقية وصلت إلى الحدود مع سوريا في محافظة الحسكة في 8-6-2017، بعد السيطرة على معبر تل صفوك. ولهذا المعبر أهمية رمزية لداعش، حيث صورت فيه مشاهد “إصدار كسر الحدود” لداعش، بعد إعلان “الخلافة”، وواصلت القوات العراقية تقدمها على طول الحدود مع سوريا لتسيطر في نهاية المطاف على معبر القائم، في 3-11-2017، ومع اتصال القوات السورية-العراقية على طول الخط الممتد من شمال معبر التنف إلى جنوب معبر القائم يمكن القول هنا أنه تحقق الوصل الاستراتيجي بين العراق و سوريا بعدما جهدت الولايات المتحدة منذ عام 2011 لإحداث خلل فيه من خلال لعبها بورقة الغرب العراقي و الذي غالباً ما أتاح الفرصة للقاعدة و متفرعاتها لرسم الخطوط هناك ، وبعدها بالتعايش مع تنظيم داعش الذي ارادت اعادته الى حضيرة مصالحها و فشلت، فالتقاء الجيشين عند الحدود يعني ذلك أن المحور التقى من طهران إلى بيروت.
تبلغ المساحة التي حررتها القوات العراقية والحشد الشعبي حوالي 200 ألف كلم2، ما مساحته 45% من مساحة العراق بعد مواجهات عنيفة مع إرهابيي داعش.
بعد التقدم الذي أحرزته القوات العراقية في طرد داعش من مساحات شاسعة من العراق اعلنت العلميات المشتركة العراقية أمس الجمعة 17-11-2017 في بيان مقتضب، انه وبعد تحرير قضاء راوة بالكامل، يكون داعش قد انتهى عسكرياً في العراق وهذا ما تحدث عنه وزير الداخلية قاسم الأعرجي إنه “بعد تحرير راوة وجود داعش في العراق انتهى”.
ومع انتهاء مرحلة داعش في العراق، تكون القوات العراقية والحشد الشعبي وكل الشعب العراقي قد أفشل الخطط الأميركية في العراق والمنطقة وبدعم من دول خليجية، بتقسيمها وإقامة كيانات إرهابية فيها، لتدمير حضارة الشعوب وتاريخها وحاضرها، لتسود في هذا المخطط دولة الإحتلال الإسرائيلي، هذا المخطط الذي أعلن عن زواله وهزيمته امس، ليسجل تاريخ 17/11/2017 في ذاكرة العراقيين وكل شعوب المنطقة بأن داعش ومن يقف خلفهم تحولوا من مبدأ الدولة التي تتمدد الى الدولة التي تتبدد.
المصدر: الاعلام الحربي