بما أن سماحة السيد حسن نصرالله، أعلن البقاع “عريس الوطن” في يوم “التحرير الثاني”، فالأولى بنا نحن البقاعيين، مسلمين ومسيحيين، أن نقدِّم أنفسنا بصفتنا “أهل العريس”. ولأننا أبناء الأطراف، من البقاع الغربي الى البقاعين الأوسط والشمالي، فمن الطبيعي أن ننظر الى هذا الإحتفال بالنصر العظيم، من المنظور الوطني والمصيري والوجودي، لأنه أمَّن بقاءنا وحمايتنا في قرانا وأرضنا، ولا يعنينا رأي بعض “اللئام” من أهل السياسة ضمن تركيبة الدولة، طالما أن الدولة تتعامل معنا، منذ كانت الدولة، على أن الأطراف ليست في حساباتها إلَّا في مواسم الإنتخابات، عندما يزحف المرشَّحون لِيَرشَحُوا أمامنا زيت القداسة ويرحلون، ونحن أعجز من أن نجد من ينظر إلينا في مواسمنا الزراعية ليساعد في تسويق تنكة زيت أو كيس بطاطا، ثم يأتي مع قُرب الإنتخابات، من يعِدُنا ببناء مستوصف وحفر بئر مياه، لأننا بنظره أرخص من البطاطا، ولأن دولتنا غائبة عن واجباتها.
صحيح أننا بعد التحرير الأول عام 2000، ارتقينا من الزواريب الى الوطن، والآلاف من خارج البيئة الدينية والتنظيمية لحزب الله نسَّبوا أنفسهم الى خط المقاومة، رغم أن هذه المقاومة لم تطلب منا شيئا، لا في العام 2000 ولا في العام 2006، والمبادرات في أداء خدمات بسيطة مثل تأمين سقف إيواء للعجزة والنساء والأطفال لأهلنا النازحين، جاءت عفوية وتلقائية بل هي أقل ما يُمكن فعله، لكننا كنا عن غير قصد، نُعلن التحرُّر الأول والأخير والنهائي، من إنتماءات سياسية ضيِّقة لم نجِد أنها تًلامس المستوى الوطني في أحلك ظروف كان الوطن خلالها يكتب تاريخ مجده، لأن بعض رموز السياسة، منذ المحتلّ الصهيوني حتى زمن الشيطان التكفيري، ولأهداف أقل ما يُقال فيها أنها شخصية ووضيعة ورخيصة، وباتت خلال صنع النصر في جرود عرسال “فاقعة”، هؤلاء الرموز نشعر أننا قد تحرَّرنا منهم الى الأبد، ومن له “كيس طحين” عندنا، فليتفضَّل باسترداده، ومن نسي بندقيته التي سهِر فيها ليلة مع الشباب لحماية القاع، لم يعُد الميدان بحاجة إليها لأن الجرود قد تحرَّرت! ولأن الحدث الإحتفالي الكبير حصل في مدينة الشمس/ بعلبك، يحلو لنا الإعلان تحت الشمس، أن هذا الدفق البشري بكافة أطيافه، يُشبه مشهدية الوقوف على بوابة فاطمة بعد طرد المحتل الإسرائيلي، لا بل هو أبلغ تعبيراً، لأن الكيان الصهيوني بيننا وبينه حدود- ولو مؤقتة- لكن
الإرهابيين لا يعرفون حدوداً ولا يعترفون بكيانات. ثلاث جزئيات من كلمة سماحة السيد في احتفال يوم “التحرير الثاني”، تستدعي التذكير بها:
1) ما رأي هؤلاء الساسة – الذين “لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب” منذ التحرير الأول وحتى التحرير الثاني- من التسجيل الصادر عن قيادة الإرهابيين، الدَّاعي الى احتلال البلدتين “الصليبيتين” القاع ورأس بعلبك، وماذا كان سيحصل لو لم يكن للجيش والمقاومة القدرة على تحمُّل الإستنزاف لحين وصول قيادة سياسية حكيمة ووطنية الى قصر بعبدا، وقيادة عسكرية مقدامة الى اليرزة؟
2) ما رأي هؤلاء بالموقف الأميركي المُعارض لتحرير جرود عرسال ببندقية المقاومة، ومُعارضة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع ببندقية الجيش، ثم طلبهم تأجيل محاربة الإرهاب لمدة سنة؟ ولا ندري ما هو ثمن العقوبات الذي سوف ندفعه لأميركا لأننا مارسنا سيادتنا على أرضنا، وحمينا أهلنا “الصليبيين” من مجازر على أيدي من لا يعرفون الصليب والهلال والإنجيل والقرآن ولا يعرفون الله.
3) كفانا نحن أبناء الأطراف، معاملتنا كأطراف كما قال سماحة السيِّد، ولا دولة ذات سيادة تُعامل أبناءها بتتمييزِ حارق، هذا من القلب وهذا من الأطراف، وكفانا نحن أبناء الأطراف نرتهن لمركزية ساكني القصور مِمَّن لا يعيشون معاناتنا وعذاباتنا وقهرنا في قُرانا، ولنُعلِن تحرُّرنا مِمَّن لا روح وطنية لديهم، ولا حسّ مسؤولية عن شعبٍ عَجَنهُم وخَبَزهُم، وآن الأوان أن نقول: لا نُرِيد سلاح أميركا لحمايتنا، ولا استعراضات كلامية تضمن وجودنا، وخياراتنا من بيئتنا، ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة خيارنا الذهبي، وبها وحدها انتصرنا…
المصدر: موقع المنار