عندما تشكلت حكومة الرئيس سعد الدين الحريري الحالية وصفت انها حكومة اجراء الانتخابات وهي قد نالت الثقة في منتصف شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي باعتبار ان الحديث يدور عن اجراء الانتخابات في صيف 2017، إلا ان الظروف تغيرت وتأجلت الانتخابات وبدأت المفاوضات حول قانون الانتخاب الذي أقر مؤخرا حيث من المتوقع ان تجري العملية الانتخابية في شهر ايار/مايو من العام المقبل، ما يعني ان الحكومة الحالية ستبقى قائمة بالحد الادنى لمدة 11 شهرا من الآن، وبالتالي هذه الحكومة لم تعد فقط حكومة اجراء انتخابات باعتبار ان لديها متسع من الوقت لا بد ان تصرفه وتشغله بشيء آخر غير انتظار الانتخابات قد تجريها.
فكيف يمكن إشغال وقت الحكومة طوال هذه الاشهر؟ وبمعنى آخر ماذا يجب على الحكومة ان تنجزه خلال هذه الفترة؟ وأي مواضيع يجب عليها ان تتدخل للقيام بها؟ هل هناك من المشاريع والقضايا ما هو عالق وينتظر انجازه من قبل الحكومة ام ان كل شي منجز وعلى الحكومة ابتداع المزيد من الافكار للبحث عن راحة الشعب اللبناني واهتمامته في مختلف المجالات؟ ماذا عن القضايا والمسائل الحياتية للمواطن سواء ما يتعلق بازمة الكهرباء المستمرة وقضايا كغلاء المعيشة وزحمة السير وايجاد فرص عمل جديدة ورفع دخل اللبنانيين مرورا بالمياه ورفع مستوى القطاعات الانتاجية المختلفة وصولا للقطاعات الخدماتية وفي طليعتها السياحة؟ هل مثل هذه القضايا وغيرها الكثير الكثير من القضايا يجب على الحكومة ان تبادر للبحث عن حلول لها ام ان التأجيل سيحكم عمل الحكومة امام اختراع البعض لمشاكل بداخلها تعطل عملها كما كان يحصل سابقا؟ وماذا عن الثروة النفطية في لبنان وقضايا كالفساد الاداري والاصلاح في مؤسسات الدولة المختلفة والتنمية والانماء المتوازن واللامركزية الادارية وصولا لتدعيم الامن والاستقرار ودعم الجيش والمؤسسات الامنية والعسكرية ومحاربة الارهاب؟
شمس الدين: الفساد أم المشاكل التي يجب معالجتها
وحول كل ذلك قال الباحث في “الشركة الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين إنه “منذ البداية أوضحنا ان هذه الحكومة ليست حكومة انتخابات فقط وانها ستعمر طويلا وكل القوى السياسية كانت تدرك ذلك”، وتابع “اليوم وصلنا الى قانون للانتخاب وبالحد الادنى لدى هذه الحكومة مهلة 10 اشهر ومع ذلك هي ستعمر اكثر لانه حتى لو جرت الانتخابات في ايار/مايو المقبل ستأخذ المسألة المزيد من الوقت حتى تاريخ تأليف حكومة جديدة”.
وقال شمس الدين في حديث خاص لموقع قناة المنار إن “امام هذه الحكومة العديد من الاولويات التي يجب ان تنجزها رغم وجود الكثير من المسائل التي تحتاج الى معالجة من مياه وكهرباء وطرقات ونفايات وغيرها…”، واعتبر ان “الاولوية الاولى للحكومة هي مكافحة الفساد لانه اذا وجدنا حلا لهذه المعضلة سنتمكن ان نحل الكثير من المشاكل الاخرى”، واضاف ان “المقصود بمكافحة الفساد هو ملاحقته في كل الادارات ومنع الصفقات في كل القطاعات”.
وأشار شمس الدين الى انه “اذا وجدت الجدية لمواجهة الفساد علينا ان نضع استراتجية لمواجهتهد وان يقتنع الجميع ان الخطر على لبنان أساسه أولا وأخيرا من الفساد”، وتابع “بعد ذلك كل المشاكل بالامكان حلها سواء كانت الكهرباء او النفايات او زحمة السير واصلاح الطرقات وغيرها”، ورأى انه “في موضوع مكافحة الفساد المشكلة ان كل الوزراء يعملون في وزاراتهم من منطلقات سياسية لا تقنية”، ولفت الى ان “مكافحة الفساد تتطلب رقابة ومحاسبة ومعاقبة للمقصرين والمرتكبين وهذا يظهر لنا مدى وجود قناعة وجدية وارادة في محاربة هذا الفساد وبالتالي اذا لم توجد هذه الارادة ستبقى المشاريع موجودة وتستنزف اموال الدولة والمواطن”، مشددا على ان “الفساد هو أم المشاكل التي يجب معالجتها”.
معالجة الدين العام من ابرز المشكلات التي تنتظر الحكومة
ورأى شمس الدين ان “الاولوية الثانية امام الحكومة هي وضع خطة لمعالجة الدين العام”، ولفت الى ان “لبنان بعد سنتين سيصل معدل الدين العام فيه الى 100 مليار دولار ومع ذلك لا توجد خطة لمواجهة هذا الامر رغم ان المبلغ مخيف حتى اللحظة”، ولفت الى ان “العبرة ليس بالشعارات انما بالتنفيذ”، واستغرب ان “الدولة اللبنانية تتصرف وكان لا دين عام عليها”.
وفيما اعتبر الخبير الاقتصادي ان “الاولوية الثالثة التي يجب على الحكومة معالجتها هي أزمة الكهرباء لانه من المعيب اننا حتى اليوم ما زلنا نعاني من انقطاع للكهرباء بعد كل هذه الاموال التي دفعت”، اشار الى “أزمة الكهرباء ترتبط بشكل وثيق بضرورة محاربة الفساد لان لا حل لمشكلة الكهرباء بدون مواجهة الفساد والمفسدين”.
وأوضح شمس الدين ان “الأولوية الرابعة امام الحكومة الحالية هي معالجة مسألة المواصلات وزحمة السير وإصلاح الطرقات والنقل العام ووضع خطة كاملة متكاملة في هذا المجال لان الجميع في لبنان يعاني من هذه المعضلة”، واضاف بعد “ذلك كل المشاكل تصبح تابعة او ثانوية للاولويات الاربع التي تم ذكرها”.
وحول الامن والسلاح المتفلت، اعتبر شمس الدين ان “هذه المسائل قد تكون موجودة في كل دول العالم وان كان الامر في لبنان يحتاج الى مزيد من الحزم والحسم عبر الاسراع بإصدار الأحكام القضائية وعدم التهاون في تطبيقها”، وتابع “هذا الامر قد يدخل في إطار مكافحة الفساد ايضا من باب منع الاهمال والتهاون والتأخير في إنجاز الواجبات الوظيفية لموظفي الدولة”.
والجدير ذكره هنا هو كلام رئيس الجمهورية ميشال عون الذي قال في حديث له الاثنين 19-6-2017 “لن يكون هناك وقت ضائع بل ست سنوات من العمل المنتج”، ولفت الى ان “موضوع اللامركزية الادارية هو واحد من المواضيع التي تأخر تحقيقها على رغم اهميتها على المستوى الوطني”، مشيرا الى “وجود مشاريع مشاريع اقتصادية وانمائية ومشاريع واقتراحات القوانين التي تعود بالنفع العام على اللبنانيين والاقتصاد الوطني”.
وفي هذا الاطار، يأتي اللقاء الذي عُقد بدعوة من الرئيس عون في قصر بعبدا الخميس 22-6-2017 لرؤساء الاحزاب المشاركة في الحكومة اللبنانية، حيث بحثت العديد من القضايا العامة والهامة منها ما له علاقة بتفعيل الوضع الاقتصادي وضرورة تنفيذ اقتصادية شاملة وصولا لاستثمار الثروة النفطية، كما جرى التطرق الى مواضيع كالدولة المدنية واللامركزية الادارية والحفاظ على النظام التعددي وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية ورفض التوطين وغيرها من الملفات، وكل ذلك يبقى رهنا بالوقت ليظهر ماذا سينفذ منه؟ وهل ستقوم الحكومة الحالية بالفترة المقبلة بما عليها من واجبات؟
المصدر: موقع المنار