يعود عمر حي المسوّرة إلى أربعة قرون خلت تستبق عمر آل سعود في المملكة. وهو يقع في بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف شرقي المملكة السعودية. يُسمى الحي بالمسوَّرة نسبة للسور الذي يحيطه، وهو يمتد إلى 120 ألف متر، ويضم 488 منزل متلاصق تم بناؤهم من الطين وحجر البحر والأعمدة الخشبية وشوارع ضيقة. ينظر أبناء العوامية إلى أقدم الأحياء فيها كمعلم ثقافي تراثي، يستحق الترميم ليصبح متحفاً أثرياً يحفظ ذاكرة تاريخهم وإحدى صورها الحيّة، بالمقابل تصر السلطة في المملكة على ضرورة محو هذا المعلَم التاريخي.
في 31 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي أعلنت الحكومة السعودية عن بدء عملية إخلاء الحي التاريخي. تحتج السلطة في هدم “حي المسوّرة” بأن بيوته باتت تشكل خطراً على ساكنيها، وتقول إنها ستطلق مشروعاً لإعادة تخطيط الحي وتحويله إلى منطقة خدمات واستثمارات، يضم حدائق ومناطق ترفيهية. ولكن رواية السلطة لا تقنع أهالي العوامية. يؤكد السكان وجود “نوايا انتقامية” لدى السلطة تجاه البلدة التي أنجبت الشهيد الشيخ نمر باقر النمر.
وخرجت منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” لتصف القرار السعودي بأنّه يطال واحدا “من أقدم المناطق” في العوامية. وأشارت المنظمة إلى أن الحكومة السعودية سبق وأن أقدمت على عمليات هدم طالت معالم قديمة وأثرية تعود إلى ما قبل تأسيس مملكة آل سعود، وبينها آثار لآل الرسول الكريم وأصحابه، ما أدى لتدمير أكثر من 90% من معالم البلاد، ما يوضح “تجاهلها للمواقع التاريخية والثقافية”، وأوضح أنها تسببت في طمس ما لا يحصى من القطع الأثرية والمواقع الثقافية وتدميرها.
يقول أهالي العوامية، إن السلطة تجاهلت مطالبهم بترميم الحي كمعلم تراثي كما جرى التعامل مع أحياء مشابهة في مناطق أخرى، يقولون أيضاً إن منطقة القطيف عموماً لم تعرف إلا التهميش والحرمان، وعند أول التفاتة من السلطة، كانت النتيجة مطالبة السكان بإخلاء منازلهم. يتهمون السلطة بأنها تتوارى خلف عنوان “المشاريع التنموية” كمطية للانتقام من السكان.
ولعل ما سبق وأن ذكرته منظمة ” أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ” يأتي في سياق يدّعم ما يقوله الأهالي، إذ تشير المنظمة أن قرار السلطة بإخلاء حي المسوّرة جاء “في خضم أزمة سكن خانقة في العوامية، مع ارتفاع ملحوظ في مبالغ الإيجارات”.
لاحقاً، أقدمت الأجهزة الرسمية على تثمين الملكيات الواقعة في المسورة ومحيطها كمقدمة لنزع هذه الملكيات. ولكن ماذا كانت النتيجة؟
“عدد كبير من السكان تم تثمين منازلهم بشكل مجحف لا يفي بتوفير منازل بديلة لهم في البلدة”، يقول مصدر من داخل العوامية. وبموجب ذلك رفض الأهالي إخلاء منازلهم، عمدت السلطة إلى فرض عقاب بقطع الخدمات الأساسية عن الحي (الكهرباء، المياه) طيلة خمسة أشهر، لم يمتثل الأهالي لتعنت السلطة فكان الخيار الأخير: شن الهجمات العسكري.
في إعلامه الرسمي سعى النظام السعودي إلى تقديم تبريرات مسبقاً لاستباحة الحي التراثي، تلطى تارة خلف شمّاعة المشاريع التنموية والحرض على سلامة السكان، وصرّح في مكان آخر إلى أن “ملاحقة المطلوبين هو أحد أسباب نزع ملكيات منازل المسورة باعتبارها ملجأ لهم”. والمطلوبون الأمنيون في العوامية، هم من الشباب الذين خرجوا في تظاهرات العام 2012 للمطالبة برفع التهميش! سياسة الانتقام التي تتبعها السلطة السعودية تستمدها من ممارسات الاحتلال، الذي يلجأ إلى معاقبة الفلسطينيين وفرض عمليات الاخلاء على المقدسيين لهدم معالم الهوية.
اليوم تدخل العوامية في اليوم الحادي عشر على الحصار والاستهداف بالقذائف، سقط خلالها ما لا يقل عن 7 شهداء، بينهم طفل لم يتجاوز الثلاث سنوات. وطال قصف القوات السعودية منازل السكان التي كانت تقول السلطة إنها تخشى عليها من الانهيار! كما طال الحسينيات والمساجد ما أدى إلى حرق نسخ من القرآن الكريم.. في استباحة للدم والمقدسات.
في داخل العوامية، يتحصن الأهالي في منازلهم، ويتساءلون: “أي مشروع تنمية هذا الذي سيقوم على تشريد عوائل وحرمانها من حق السكن اللائق؟” ولا يُخرج أبناء البلدة ما تشهده البلدة اليوم من حصار واستهداف بالقذائف عن “سياسة الانتقام التي تنتهجها السلطة مع كل من يمتلك وجهة نظر تختلف عن رأيها سواء كان شخص أو منطقة”، مذكرين بأن “بعض الكتاب المحسوبين على السلطة هددوا أكثر من مرة بما أسموه مسح العوامية بعد إخراج أهلها”!