خطبة نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في إستقبال شهر رمضان المبارك :
بعد أيام قليلة نستقبل شهر رمضان المبارك وهو ليس شهراً عادياً ، بل هو شهر مميّز ومبارك وعظيم عند الله، وقد جعله الله فرصة لعباده من أجل أن يعودوا اليه ويتوبوا فيه ويكثروا فيه من العبادة والطاعة والخير والعمل الصالح، هو فرصة ليتقرب فيه الإنسان الى الله وليتدرب فيه على الورع عن محارم الله، فيمتنع عن ارتكاب الحرام كما يمتنع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات والملذات.
ولذلك على الإنسان أن يتحضر ويتهيأ ويستعد نفسياً وروحياً وعملياً لاستقبال هذا الشهر العظيم.
البعض ربما يستعد لهذا الشهر المبارك بوضع برنامج لسهراته وإفطاراته وزياراته وكيفية تمضيته للوقت في الشهرالفضيل، بينما البعض الآخر وخاصة التجار وأصحاب المحلات لا سيما محلات الحلويات والمواد الغذائية والمطاعم ومحلات الألبسة وغيرها يتحضرون لموسم تجاري مربح ومثمر، والبعض يتهيأ لا سيما النساء للتفنن في صنع مختلف أنواع الأطعمة في شهر رمضان٬ وهذا كله لا مانع منه اذا لم يكن فيه إسراف ، لكن لا يصح أن يصبح شهر رمضان وكأنه موسم للأكل٬ مع أنه ُيفترض أن يكون موسماً للتحكم في شهوة الأكل.
المطلوب على أبواب شهر رمضان الإستعداد والتحضير المعنوي والروحي والإيماني لهذا الشهرالمبارك، الإستعداد للتزود من فيوضات وبركات وعطاءات هذا الشهر المعنوية والروحية والأخلاقية والإجتماعية والصحيةوغيرها، والإستعداد للحصول من خلاله على العتق من النار والفوز بالجنة والرضوان.
والى هذا أشار الإمام الرضا (ع)، فقد روى عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) في آخر جمعة من شعبان فقال لي: يا أبا الصلت، إن شعبان قد مضى أكثره وهذا آخر جمعة منه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله إليك وأنت مخلص لله عز وجل، ولا تدعن أمانة في عنقك إلا أديتها، ولا في قلبك حقدًا على مؤمن إلا نزعته، ولا ذنبا أنت مرتكبه إلا أقلعت عنه، واتق الله وتوكل عليه في سر أمرك وعلانيتك، ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر: اللهم إن لم تكن قد غفرت لنا فيما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه. فإن الله تبارك وتعالى، يعتق في هذا الشهر رقاباً من النار لحرمة شهر رمضان. عيون أخبار الرضا ج 2 ص 51 ح 198
فإن هذه الرواية تركز على مجموعة أمور وخطوات عملية لا بد من استقبال الشهر الفضيل بها وهي :
أولاً: أن يتوجه الانسان الى ما يعنيه ويفيده وينفعه في الدنيا والآخرة ويترك ما لا يعنيه وما لا ينفعه، من اللهو واللغو واللعب والكلام الفارغ، حتى اذا دخل شهر رمضان يكون مستعداً تماماً للإقبال نحو الأعمال النافعة التي تحسن من أوضاعه وحياته في الدنيا والآخرة.
ثانياً: أن يعمل الإنسان جردة لنفسه وأعماله وتصرفاته وسلوكه ويصحح أخطاءه وهفواته، ويستبق الشهر الفضيل بإعلان التوبة الى الله من ذنوبه ومعاصيه، وذلك حتى يدخل إلى الشهر الكريم وهو نقي طاهر من الذنوب والآثام والأخطاء، وقد ورد في الرواية (وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله إليك وأنت مخلص لله عز وجل)، فينبغي للإنسان أن يأخذ بعض الوقت ليفكر ويتأمل ويراجع نفسه ويحصي أخطاءه وذنوبه، ثم يستغفر الله من الذنوب المانعة من الوصول لمقام الإخلاص، والسالبة للتوفيق من الإنسان، ويقرر الاقلاع عنها ويتوب الى الله منها، والتوبة تعني اتخاذ القرار بعدم العودة للذنب والخطأ.
ثالثاً: أداء حقوق الناس المتوجبة عليه، كالدَّين والأمانات. وذلك بأن يقرر الإنسان قبل حلول شهر رمضان، أن يؤدي الحقوق المادية والمعنوية للناس، لأن حق النَّاس خطر على الإنسان في الآخرة، فحتى الشهيد يغفر الله له كلُّ ذنوبه عند أول قطرة دم إلّا الدين. فإذا كان للناس عليك حقوق والتزامات مالية سواء كانت ديوناً أو أمانات، أو كان في ذمتك حقوق شرعية من خمس أو زكاة، فينبغي أن تبادر الى دفعها وتبرئة ذمتك منها، فالإنسان القادر على أن يعطي الآخرين حقوقهم أو القادر على دفع الحقوق الشرعية لا ينبغي له أن يتراخى أو يتغافل أو يماطل أو يسوف بل عليه أن يبادر لفعل ذلك، فهذه الحقوق هي لله تعالى من جهة وللناس من جهة أخرى. وعلى الإنسان أن يصفي هذه الحقوق لأنه مقبل على الصيام والعبادة والطاعة، فينبغي أن يكون افطاره على طعام حلال، وأن يكون لبسه من مال حلال حتى تكون أعماله وعباداته صحيحة . وقد ورد عن رسول الله(ص : ((كلوا الحلال يتم لكم صومكم). لأن من كان عليه حقوق وأمانات للآخرين وأتى شهر رمضانولم يؤدي هذه الحقوق التي عليه، فإن عليه أن يخشى أن يكون ماله مشبوها في كثير من الحالات. وقد ورد عن النبي الأكرم(ص)في حديث آخر: (العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل). والبناء على الرمل لا يثبت بل هو أقرب للزوال، وهكذا ثواب العبادة التي يتبعها أكل الحرام فهو معرض للتلاشي والانتهاء.
رابعاً: تطهير القلوب من الأحقاد والبغضاء والعداوات والخصومات. فعلى الإنسان المؤمن أن يستقبل شهر رمضان المبارك بالصوم والدعاء والمناجاة والعبادة بقلب نقي طاهر لا حقد فيه على أحد ولا كراهية فيه لأحد، أما إذا كان قلب الإنسان أسوداً يحمل الحقد على هذا وذاك ويكره هذا وذاك ويعادي هذا وذاك، فإن هذا القلب لن يجلب النظرة الإلهية ، فالله تعالى لا ينظر إلى ذوي القلوب السوداء المليئة بالحقد. من هنا فإن على الإنسان أن يصفي نفسه من الأحقاد في هذا الشهر الفضيل.
فقد ورد عن الإمام الرضا (ع): في أول ليلة يُغل المردة من الشياطين، ويغفر الله في كل ليلة لسبعين ألف، فإذا كان في ليلة القدر غفر الله لمثل ما غفر في رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم، إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله عز وجل: أنظروا هؤلاء حتى يصطلحوا.
مع الأسف أن المشاكل بين الأخوان والأقارب في مجتمعنا تحصل لأسباب تافهة وبسيطة٬ ولكن كثيراً ما تأخذ الإنسان العزة بالإثم فلا ُيبادر لمعالجة مشكلته مع أخيه المؤمن، يعاند ويكابر ويمتنع، في الوقت الذي على الإنسان أن ُيبادر لتجاوز المشاكل الاجتماعية والأسرية والعائلية وغيرها خصوصاً في مثل هذه الأيام٬ ليستقبل الإنسان شهر رمضان المبارك بقلب نقي ليس فيه غل ولا حقد على الناس، ومن يفعل ذلك ويستقبل شهر اللع بقلب نقي غفر الله ذنوبه ويحيطه برحمته، فلماذا يحرم الإنسان نفسه من مغفرة الله ورحمته لمجرد عناد يمنعه عن حل مشكلة مع أخيه.
خامساً: ينبغي للإنسان المؤمن أن يضع لنفسه برنامجاً عبادياً خلال الشهر الكريم. فلا ينبغي أن يكون يوم صومك كيوم فطرك، ولا ينبغي في غمرة الإنشغال بالأعمال والوظيفة والمتابعات اليومية أن يغفل الإنسان عن واجباته والأعمال الروحية والعبادية التي تقربه من الله وتجعله يبلغ المقامات الرفيعة عنده سبحانه، فعلى المؤمن أن يضع برنامجاً لقراءة القرآن الكريم وللدعاء والعبادة وصلاة النوافل وصلة الأرحام ومساعدة الفقراء ودعم المجاهدين، ليستثمر الإنسان هذا الشهر الكريم وأيامه وساعاته على أكمل وجه.
ولا ينبغي للإنسان أن يغفل أيضاً عما يدور من حوله فالأعداء يخططون للمزيد من الفتن والحروب والأزمات في المنطقة، فالرئيس الأمريكي المأزوم داخلياً والذي بدأ الحديث داخل الولايات المتحدة عن عزله نتيجة اضطرابه النفسي وتسرعه في اتخاذ القرارات، تستقبله السعودية بعد أيام في قمة دعت إليها حوالي 20 دولة عربية واسلامية.
بالتأكيد هؤلاء لا يجتمعون من أجل الإنتصار لفلسطين ولا من أجل دعم مطالب الأسرى الفلسطينيين الذين مضى على معركتهم، معركة الحرية والكرامة، أكثر من شهر، ولا من أجل البحث في كيفية القضاء على الارهاب والجماعات الارهابية التي صنعوها ومولوها ودعموها بكل الوسائل ، وإنما يجتمعون من أجل دعم سياسات الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل بمواجهة ايران وسوريا والمقاومة وتحديد نفوذهم في المنطقة، والاستقواء بالأمريكي في المواجهة الدائرة بين محور المقاومة وبين محور الاستسلام في العراق وسوريا، وحماية العرش السعودي المهزوز، واستمرار سلالة آل سعود في الحكم، وتمكين محمد بن سلمان على مواجهة خصومه الداخليين لتتويجه ملكاً على السعودية بعد أبيه، والتأكيد على مرجعية ومحورية النظام السعودي في العالمين العربي والإسلامي .. هذه هي الأهداف التي يسعى ورائها الأمريكي والسعودي من هذا الإصطفاف.
لكن كل ما يهم الولايات المتحدة والرئيس الأمريكي بالتحديد هو استكمال سياسة الابتزاز المالي والاستيلاء على مئات مليارات الدولارات من السعودية مقابل الحماية التي يقدمها لآل سعود ولأنظمة الخليج.
لقد امتصت الولايات المتحدة منذ شهرين من السعودية مائتي مليار دولار كاستثمارات في البنية التحتية ويتم الحديث الآن عن ثلاثمائة مليار دولار جديدة ، مئة مليار لشراء أسلحة لقتل المزيد من الشعب اليمني! ومائتي مليار كاستثمارات اضافية في أميركا، اضافة الى اتفاقات مع الإمارات العربية المتحدة بقيمة 150 مليار دولار مما يعنيدخول حوالى 550مليار دولار إلى المالية الأمريكية… فماذا يريد الرئيس الأمريكي أفضل من هذا ؟ وهو الذي بات يجاهر علناً بأنه يتعامل مع السعودية وأنظمة الخليج ويقدم لهم الحماية مقابل المال؟!!
لكن كل هذا الإصطفاف والحشد والاستقواء بالأمريكي لن يجديكم نفعاً… فما الذي يستطيع أن يفعله الأمريكي لكم في الميدان؟ انتم والامريكي ومعكم كل العالم أصبح لكم ست سنوات تتآمرون على سوريا وتحاولون إسقاط النظام فيها ودمرتم هذا البلد وفشلتم، واليوم وفي المستقبل ستفشلون أيضاً، بينما محور المقاومة ينتقل من نجاح الى آخر ومن إنجاز الى آخر في العراق وفي سوريا، وهو يزداد قوة وثباتاً وعزماً على مواصلة المعركة حتى القضاء على الإرهاب في هذه المنطقة، ومحور المقاومة لن يقف موقف المتفرج عليكم وانتم تكيدون له وتتآمرون عليه، وهو يمتلك من نقاط القوة ما يجعله قادراً على مواجهة مخططاتكم وأدواتكم الارهابية إن شاء الله.
أما على المستوى الداخلي فاللبنانيون لا ينبغي أن ييأسوا من إمكانية التوصل إلى تفاهم حول قانون الانتخاب، والتوصل إلى توافق لا يزال ممكناً، خصوصاً إذا توافرت الارادة السياسية وأصبحت القوى السياسية أكثر واقعية وتفهماً لهواجس بعضها البعض، واليوم الاستقرار في البلد هو أساس بالنسبة لنا، خصوصاً في ظل ما يجري في المنطقة من حروب وأزمات وتحديات وما يحيط بها من أخطار، ولا يجوز أن نصل الى الفراغ فالفراغ يحطم كل الآمال والأحلام التي عقدها اللبنانيون على العهد، وبالتالي يعرض العهد للفشل، وهو ما لا مصلحة فيه لأحد ، ومضر بلبنان.والحمد لله رب العالمين
المصدر: بريد الموقع