ظل الكلام مخفياً عن صراع سعودي-إماراتي في الجنوب اليمني ، بعد تصريحات لمسؤولين إماراتيين اخرجت تفاصيل هذا الصراع إلى دائرة الضوء، في ظل اتهامات وجهتها اوساط ابو ظبي الى عبد ربه منصور هادي حول اصدار قرارات تهدف لتقليص النفوذ الإماراتي في عدن.
يُعرَّف اليمنيون هادي، الرئيس المنتهية صلاحيته والفار منذ ما قبل اندلاع الحرب ضد بلادهم، برجل السعودية. وهو الرجل الذي رضي أن يكون شماعة حرب حصدت إلى اليوم ما يزيد عن 32 ألف ضحية بين شهيد وجريح، منذ بدء العدوان السعودي-الاميركي في 26 آذار/مارس 2015 إلى اليوم. وفي حين تقدم السعودية ودول “تحالف العدوان” هادي على أنه “رجل الشرعية” في اليمن، تخرج الإمارات -علناً اليوم- عن المسار السعودي لتصف الرجل، بأنّه يُمثل “محور الأزمة” اليمنية.
أمس الجمعة، خرج مسؤولون إماراتيون بالكلام ضد هادي إلى العلن. وهذه المرة، كانت صورة التنازع الإماراتي السعودي جلية. ففي تغريدات عدة ذهب المسؤولون الإماراتيون إلى التهجم على عبدربه منصور هادي. بعد تغريدات لكل من وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، ومدير عام مجلس أبوظبي للتعليم علي النعيمي، إلا أن التهجم الأقوى خرج على لسان نائب رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان، والمعروف بقربه من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان.
المواقف الإماراتية أتت عقب إعلان عبدربه منصور هادي عن تعديل وزاري أجراه في حكومة أحمد بن دغر، أطاحت بهاني بن بريك (الموجود حالياً في أبوظبي)، قبل أن تحيله إلى التحقيق. وبن بريك هو أحد الشخصيات المحسوبة على الإمارات، ويوصف بأنه صاحب النفوذ الأمني الأول في عدن. لم يتوقف الأمر على عزل “بن بريك” وحده فسبق قراره، عزل حاكم مدينة عدن عيدروس الزبيدي، وهو أيضاً من المحسوبين على الإمارات.
وزير الخارجية الإماراتي علق في تغريدة على “تويتر” واصفاً قرارات هادي بانها لـ”تغليب المصلحة الشخصية والأسرية والحزبية على مصلحة الوطن، وهو في مفصل حرج في معركته المصيرية”. أما النعيمي فوصف “بن بريك” بأنه “بطل المقاومة الحقيقي… بينما كان غيره يقاتل عبر القنوات الفضائية ويتخندق في الفنادق”، في إشارة إلى هادي الذي يُدير أموره من فنادق الرياض.
الهجوم الأعنف كما ذكرنا أتى على لسان ضاحي خلفان، الذي قال إن “أولى خطوات الحل في اليمن انهاء فترة حكم هادي التي تآكلت مع الزمن”، مضيفاً أن خروج جنوب اليمن من أزمته مُحال في ظل وجود عبد ربه منصور هادي. وفنّد نائب رئيس شرطة دبي قرارات الاخير التي تستهدف تقليص النفوذ الإماراتي، مُذكراً بقرار إقالة خالد البحاح (رئيس حكومة هادي سابقاً، ورجل الإمارات).
” شرعية الفنادق لا شرعية لها” قال خلفان، وتابع “ما تنجزه الامارات والمقاومة يهده هادي..أي رئيس هذا يستحق ان نتعاطى معه”، دون أن يرد أي ذكر للدور السعودي في الجنوب.
وكلام خلفان، يفتح الباب على خلفيات الصراع الذي تشهده ساحات عدن. تشير مصادر يمنية إلى أن اتفاقاً كان مُبرماً بين السعودية والإمارات منذ بداية العدوان، يقضي بأن يُترك الشمال للسعودية، على أن يخضع الجنوب للنفوذ الإماراتي، وهو ما يفسر خوض الضباط السعوديين لمعارك الشمال، واخضاع مأرب وبعض مناطق تعز لسيطرة جماعات ارهابية متحالفة مع الرياض.
وبسبب فشل السعودية في وضع يدها على الشمال، يبدو أنه لم يكن أمام المملكة إلا الانقضاض على الاتفاق… لماذا؟
فالكلفة الباهظة للحرب لناحية التمويل والخسائر، ينبغي التعويض عنها بانجاز يُقدم للداخل. ففي السعودية، يخشى مهندس العدوان محمد بن سلمان أن يُستثمر فشله اليمني في صراعه مع ولي محمد بن نايف على الوصول إلى العرش. وفي الداخل الإماراتي لاتزال نقاشات الأمراء مفتوحة حول جدوى الحرب واستمرارها، حتى أن بعضهم حاول تبرئة نفسه من اتخاذ قرار الحرب.
اليوم يفتح التصادم السعودي الإماراتي باب التفجير في الجنوب. الأخبار الواردة من عدن تتحدث عن مواجهات اندلعت بين الفصائل المحسوبة على الطرفين بعد ساعة من اتخاذ القرارات. وما يفاقم الأوضاع سوءاً أن قوى العدوان قررت منذ يوم الحرب الأول التحالف مع الحراك الجنوبي ومع القاعدة وداعش ضد اليمن، بما يعني أنها جمعت قوى متناقضة لابد وأن تعود لتتصارع فيما بينهما، وربما سيفتح الصراع نافذة لتصادمها.
في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” اعتبر مدير المركز الإعلامي في المؤتمر الشعبي العام أحمد الحبيشي أن “القرارات الأخيرة التي إتخذها هادي ستؤدي إلى نهايته لأنه بهذه القرارات فجر مواجهات مسلحة مرشحة للتوسع ولا يمكن السيطرة عليها في حال إندلعت، وبالتالي سيدفع ثمن هذا القرار”.
تقارير صحيفة علقت على قرارات هادي بأنها قد تكون خطوة استباقية لأي تسوية إماراتية-سعودية تكون على حسابه. وفي هذا الإطار نشر موقع “ميدل ايست مونيتور” أن الإمارات طالبت السعودية بالتراجع عن دعمها لهادي، وإلا فإنها ستكون مضطرة إلى سحب قواتها من اليمن. وذكر الموقع البريطاني أن هادي قصد الأسبوع الماضي الإمارات، في زيارة قيل إنها تهدف لإيجاد تسوية، قبل أن يغادر أبوظبي بعد ساعات من وصوله، متوجهاً إلى السعودية من دون أن يصدر أي تعليق رسمي على الزيارة.
وفي تغريدات نُشرت مؤخراً تحدث المغرد السعودي “مجتهد”، عن مواقف داخلية في السعودية إزاء الإمارات. وكشف أن ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان “في وضع حرج جداً” مع ولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد بعد إصرار قائد القوات البرية السعودية فهد بن تركي على توزيع قوات سعودية على معسكرات قوات هادي “حماية لها من القصف الإماراتي”.
وقال “مجتهد” إن قوات من الشمال متمركزة في الجنوب رفضت ضغوطاً إماراتية بمغادرة حضرموت ومناطق ساحلية لتفريغ المنطقة تماماً لقوات النخبة من حضرموت والتي تتبع للإمارات، حيث هدد محمد بن زايد بأنه سيقصف هذه القوات جواً ويدعي أمام أميركا بأنه يقصف تجمعات للقاعدة، مع ذلك “أصرت هذه القوات على البقاء والتحدي دون أن تستنجد بالسعودية”، بحسب تغريدات “مجتهد”.
وتابع المغرد السعودي أن قرار قائد القوات البرية لم يستأذن ولي ولي العهد به، وأضاف مجتهد أن بن سلمان “لا يستطيع إجبار فهد بن تركي على التراجع ولا يستطيع إقناع القوات الشمالية بالانسحاب ولا يستطيع الاعتراف أمام بن زايد أنه عاجز”.
وأمام التصريحات الإماراتية وما تكشف عنه التقارير الأجنبية، أي مستقبل ينتظر جنوب اليمن؟ هل ستشكل قرارات هادي نهايته السياسية بالفعل؟ وهل ستترك السعودية “كعكة” الجنوب بالكامل للإمارات… على حساب صراع العرش داخل المملكة؟ أسئلة برسم التطورات التي سيحملها المستقبل.