تسعى الولايات المتحدة إلى قول الكلمة الأخيرة في أي إتفاق إقليمي يتناول تسوية سورية و هو متعلق حكما بالسباق على تقاسم نفوذ دولي إقليمي في سوريا و العراق كمقدمة لوضع خارطة المنطقة الجيوسياسية للحقبة المقبلة.
فبحسب الناطق بإسم وزارة الحرب الأميركية جون دوريان فإن حصار مدينة الرقة التي تعتبر عاصمة ” داعش” في سوريا سوف يبدأ خلال أسابيع قليلة قادمة. وهناك مؤشرات منها كلام الناطق بإسم تحالف الولايات المتحدة الدولي الجنرال ستيفن تاونسند، حول وضع البنتاغون خطط تحرير الرقة بالترابط مع تحرير الموصل ضمن فترة زمنية لا تتجاوز الستة أشهر. إلا أنه ليس التوقيت الأول الصادر عن جنرال أميركي و ربما لن يكون الأخير. فقد ذكر تاونسند سابقا أن تحرير عملية تحرير الموصل سوف تستمر حتى شباط 2017 و ها نحن في منتصفه و الموصل لم تحرر.
خطط البنتاغون إستمهلت الرئيس الجديد دونالد ترامب ليُمسك بزمام أموره و يبدو ان من ما تسرب عن البنتاغون سابقاً هو خطة تقتضي العمل الحثيث لسنتين تقريبا للقضاء على داعش و تنظيف العراق و سوريا تماما من الإرهاب “على الطريقة الأميركية”، أما ما يدور اليوم في أروقة ( البنتاغون) فهو خطة وضعتها وزارة الحرب الأميركية منذ أسبوعين تقريبا تدعي جهوزية إنجازها خلال آذار المقبل ، لم تلحظ دورا رئيسيا لروسيا في القضاء على داعش، و يبدو هنا عودة للإتفاق الروسي الأميركي بمراحله الأولى في شباط 2016 و الثانية في 12 سبتمبر/أيلول 2016 أي قبل تحرير حلب و قبل التفاهم الروسي التركي الذي إنضمت إليه إيران والآن أدخلت الأردن و الجبهة الجنوبية.
يبدو أن عدم إعطاء روسيا دوراً ملحوظاً في تحرير الرقة وربما دير الزور هو من ضمن فصول الإتفاق الروسي الأميركي الذي إستمرت موسكو بتنفيذه حتى خلال مرحلة الغيبوبة الرئاسية الأميركية لتعود و تطرح هي والتركي على ترامب ما كان متفقاً عليه مع سلفه باراك اوباما والذي تراجع عن إلتزاماته ربما كي لا يبيع إنجازاً مجانياً لمن أطاح بمرشح الديموقراطيين.
لكن بغض النظر ، فحلب قد تحررت على يد الجيش السوري وحلفائه وأُنجزت الصفقة الروسية التركية المعروفة لخروج المسلحين من المدينة وتجري الآن صفقات مماثلة جنوباً لتامين العاصمة دمشق على طول الجبهة الجنوبية وباتت سوريا المفيدة بيد المحور السوري الروسي الإيراني، وعادت موسكو لتطرح نفس مشروع الدستور الذي كان مطروحاً كثمرة الإتفاق الروسي الأميركي الذي تراجعت إدارة أوباما عن تنفيذه وخرقت بنوده ومررت الإستخبارات المركزية الأميركية إحداثيات مضللة للبنتاغون الذي قاد ضربات ضد مواقع الجيش السوري في دير الزور على أنها أهداف لداعش .
وفي هذا السياق يأتي كلام الرئيس بشار الأسد أن سوريا ترى في التعاون الروسي الأميركي في محاربة الإرهاب في سوريا كما في العالم أمرا إيجابيا وواعدا إلا أنه من السابق لأوانه الحكم على مصداقية أميركية، لا سيما و أن الهوس الأميركي بإقامة مناطق ” آمنة ” في سوريا يُلاقيه طمع تركي في الوصول إلى منطقة الباب أولاً قد يكون من ضمن العوامل التي من الممكن أن تُعيد خلط أوراق التفاهمات. والجيش السوري مدعوما من حلفائه تمكن من الوصول إلى مشارف الباب ولم يخشى إشتباكاً مع القوات التركية المحتلة لأراضٍ سورية فيما التعاون الروسي التركي ماضٍ على قدم وساق في إستهداف مواقع داعش.
كما أن السباق نحو الرقة كان من ضمن أولى مهمات مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية مايك بومبيو بعد توليه منصبه في زيارته إلى أنقرة، فوحدات “الدفاع الذاتي الكردية” تتجه نحو الضفة الغربية للفرات ويلاحظ تحرك تركي من الجهة الشرقية للنهر، ربما هذه هي خطة البنتاغون الجديدة لأحكام الحصار حول عاصمة ” داعش. ” إحكام الحصار بواسطة قوى تمنعها تناقضاتها من تحقيق مكسب على حساب المصلحة الأميركية.
وفي عودة إلى إنتقادات موسكو لأهداف أخرى لأنقرة في سوريا غير مكافحة الإرهاب، سجل نقاش حاد بين البلدين على خلفية توجيه حشد عسكري تركي إلى الرقة دون التنسيق مع دمشق حيث خطر الإصطدام بالقوات السورية و”قوات حماية الشعب الكردي”.
وبعد كل ما ذكر يتضح أن تحرير الرقة لن يكون سهلا كما يحلم به الأميركي كما تحرير غرب الموصل غير ممكن دون مشاركة قوات الحشد الشعبي العراقية وقوات البيشمركة الكردية وهنا يمكن تأكيد تنسيق روسي إيراني مع تلك القوات الأمر الذي يعزز نفوذ موسكو ويعطيها أوراقا رابحة إضافية في مفاوضاتها مع واشنطن وتفاهماتها مع التركي وغيره.
و يستمر النقاش حول هذا التفصيل خلال زيارة نائب وزير الخارجية التركي إلى موسكو في 14 شباط الجاري ليمهد لقمة الرئيسين بوتين أردوغان المقبلة كما سيكون مؤتمر الأمن الدولي السنوي في ميونخ مناخا مؤاتيا لبدء الحوار حول هذه الجدليات بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي الجديد تيليرسن وكل ذلك عشية إجتماع استانا في 15 الذي ستطرح خلاله الإشكاليات بتفاصيلها التي إن لم تجد حلا فلا يمكن الحكم بالنجاح على الإجتماع وبالتالي مزيد من العقبات أمام جولة جنيف المقبلة في ال 20 من الجاري.
المصدر: بريد الموقع