على وقع توغّلات “إسرائيلية” باتت في سياق تسارع الأحداث في سوريا أمرًا روتينيًا، سواء من حيث رسم ملامح تقاسم النفوذ، أو تصاعد حالة الاحتراب مع تركيا، دخل المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي الأراضي السورية المحتلّة جنوبًا، وظهرت خلفه لافتة كُتب عليها “محافظة القنيطرة”، متجوّلًا، حسبما أفاد هو، في خطوط التأمين الدفاعية. وليس زعمًا، كما ذهبت بعض وسائل إعلام إدارة “سوريا الجديدة” التي قالت إنه “نشر صورة زاعمًا أنها في القنيطرة”، إذ إن واقع سوريا لم يعد يخضع لـ”فوتوشوب الحلول” وسط زحمة الرسائل وطبيعتها.
جولة أفيخاي جاءت بالتوازي مع توغّل “إسرائيلي” في القنيطرة، انطلق من تمركز الاحتلال في قاعدة “جباثا الخشب”، حيث دخل بسيارتين تحملان نحو 25 عنصرًا، من دوّار خان أرنبة باتجاه بلدة الكوم، مرورًا بقرية عين عيشة وأوتوستراد السلام. وقد تمركز الرتل لنصف ساعة في تل الصيفر ببلدة الكوم الأوسط، مرفقًا باستطلاع جويّ عبر طائرة مسيّرة، قبل أن يعود إلى قاعدته، بحسب ما ذكرت مصادر محلية.
وتضيف المصادر أن دخول الرتل، وتحديدًا عند دوّار خان أرنبة، تمّ تحت أنظار قوى “الأمن العام” التي تُعدّ الممثل العسكري لإدارة سوريا الجديدة، من دون أن تُحرّك ساكنًا. ويؤكّد مصدر أهلي أن حالة من الخوف والقلق تنامت في المحافظة، لا سيما بعد قصف تعرّضت له القنيطرة قبل يومين، ما انعكس سلبًا حتى على الوقفات الاحتجاجية الرافضة لواقع الاحتلال، خشية أن تُستهدف أو تكون في مرمى الخطر.
وبالعودة إلى جولة مُصدّر الدعاية “الإسرائيلية”، يبدو واضحًا أن نشاط الاحتلال في سوريا لم يعد يقف عند حدود التوسّع في مواجهة من تعتبرهم “إسرائيل” إرهابيين، أو في محاولة تحجيم نفوذ تركيا التي تُدفع إلى رسم رؤية “انضباطية” لا تنجرّ عبرها إلى مواجهة مباشرة مع “إسرائيل”. بل إن النشاط الإسرائيلي يتعدّى ذلك، في مساعٍ لرسم مستقبل السياسة السورية، والسعي لأن تكون “إسرائيل” الطرف الأقل خسارة في مآلات الصراع، طالما أن الأمريكي يرى في تحرّكاتها ضرورةً حتى لمصالحه، بعدما تراجعت تركيا و”هوّشت” على الصيدة سريعًا.
الناطق باسم جيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ينشر له صورة من داخل مدينة القنيطرة بسوريا 😡 pic.twitter.com/7YhddmQkaj
— mazen007 التطبيع_خيانة# (@mazen00711) April 8, 2025
ورغم أن التناقض سمة رئيسة في السياسة الأمريكية تجاه دمشق في المرحلة الراهنة، حيث تثني من جهة على أردوغان وتهنئه بـ”فوزه” في سوريا، ومن جهة أخرى تُبدي تخوّفها من صِلاته السابقة مع “تنظيم القاعدة”، فإن هذا التناقض لا يُخفي رغبة واشنطن في ضبط المشهد السوري، من خلال اللعب على أوراق متعدّدة: قسد – دمشق، وقسد – تركيا، في سياق توزيع المكاسب.
تتمثّل الدعاية “الإسرائيلية” التي روّج لها أفيخاي، والتي تاريخيًا وجدت ضالتها بعد انهيار القومية العربية وبروز اتفاقات “السلام”، في عنصر “الغش المصقول”، إذ تسعى لإقناع السوريين، وخصوصًا من ما يزالون تحت تأثير “نشوة التغيير”، بأن أمن “إسرائيل” يرتبط بمن يرونه اليوم داعمًا لهذا “التغيير” (تركيا). فرضيةٌ تتّضح صحتها إذا ما نظرنا إلى استراتيجية “إسرائيل” في سوريا منذ بداية الأزمة، حيث ترى أن مشروعًا بقيادة تركيا يعلو على أنقاض مشروع حارَبته هي، قبل أن تذهب تركيا بعيدًا في محاولة تصفيته.
حقًا، نقطة تستحق التأمل، إذ تُحاول “إسرائيل” تصدير رواية مفادها أنها كانت أساسًا في إسقاط النظام السوري، بعد ضرب جبهتَي حزب الله وإيران، كما جاء في تصريح لأحد وزراء خارجيتها. هنا، يُطرح السؤال: من أسقط سوريا؟ وهل كان “التغيير” سوريًا؟ ولماذا تركّز “إسرائيل” على مخاوفها من تركيا، طالما أن ما حققته جنوبًا يتجاوز بكثير المكاسب التركية، إذا قرأنا المشهد الراهن؟
كل ذلك يصبّ في مشروع تقديم حلٍّ تعرف الشعوب المحتلّة أبعاده وأثره: القبول بالاحتلال “الإسرائيلي”، والقبول بتغيير اجتماعي يخدم مشروعه، لجعل جنوبي سوريا ورقة تفاوض بصيغة “تفاهم خاص”، دبغته تركيا مؤخرًا كهوامش لحلقة النار الإسرائيلية التي طالت مصالحها. الأمر الذي يجعل من قضية الجولان مجرد حديث في صفحات الصحف، ويعيد تعريف “المنطقة العازلة”، التي أصبحت اليوم عنوانًا تفاوضيًا لتثبيت تقاسم النفوذ، بعد السيطرة الفعلية على درعا والقنيطرة، وخلق شروخ في السويداء، وممارسة نشاطات احتلالية لا تقتصر على مواجهة ما ترى فيه “إسرائيل” مشروعًا أقلّ تطرفًا من إيران.
تركّز “إسرائيل” بشكل كبير على البُعد الأمني في خطابها تجاه سوريا، مُعزّزة بذلك استراتيجيتها الاستباقية الدفاعية، القائمة على ركيزتي “الأمن والأرض”. ورغم أنها قد تُبدي مرونة في مسألة تقسيم سوريا، إلا أنه لا يمكن الجزم بتبنّيها هذه الاستراتيجية علنًا، لما تحمله من مزالق تهدّد الاستقرار الإقليمي، في ظل واقع سوريّ هشّ أساسًا. وهذا ما تتقاطع عليه الصياغتان الإسرائيلية والتركية في مقاربة أمنيهما في سوريا، رغم استمرار الخلاف حول كيفية تطبيق هذه المقاربة.
فكيف سيكون المشهد، وأفيخاي يصرّح بأن “وجود الاحتلال في العمق السوري ليس تدخّلًا في الشأن الداخلي، بل لضمان الأمن الإسرائيلي”؟
المصدر: موقع المنار