شكّل اعتقال النساء الفلسطينيات إحدى السياسات الممنهجة التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي بحقهن، حيث يواصل احتجاز 21 أسيرة فلسطينية، من بينهن أسيرة من غزة. وتتعرض الأسيرات لانتهاكات ممنهجة داخل السجون، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي، والاعتداءات الجنسية، والتجويع، والحرمان من العلاج.
في تقرير مشترك بمناسبة يوم المرأة العالمي، سلطت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الضوء على معاناة الأسيرات، مشيرة إلى تسجيل 490 حالة اعتقال لنساء منذ 7 أكتوبر 2023.
من بين المعتقلات طفلة تبلغ من العمر 12 عامًا، وأم حامل، إضافة إلى معلمات وصحفية. وتعاني العديد منهن من أمراض خطيرة، مثل السرطان. كما لجأ الاحتلال إلى اعتقال النساء كوسيلة للضغط على أفراد عائلاتهن المستهدفة. وتشمل الاعتقالات نساء من الضفة الغربية، والقدس، وأراضي عام 1948، بينما لا تتوفر معلومات دقيقة عن عدد المعتقلات من غزة.
تواجه الأسيرات انتهاكات جسيمة، من بينها التفتيش العاري، والاعتداءات الجسدية والنفسية، والتهديد بالاغتصاب. كما تستمر عمليات القمع واقتحام الزنازين. ويعدّ سجن “هشارون” إحدى المحطات الرئيسية للتنكيل، حيث تُحتجز الأسيرات في ظروف قاسية.
ورغم الإفراج عن 71 أسيرة في صفقات تبادل، لا تزال قوات الاحتلال تواصل استهداف النساء الفلسطينيات، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال من أجل احترام حقوق الإنسان.
محطة سجن (هشارون) والتفتيش العاري
يشكل سجن هشارون محطة للتنكيل والتعذيب قبل نقل الأسيرات إلى سجن الدامون. وتؤكد جميع الشهادات من الأسيرات أنهن تعرضن للتفتيش العاري في هشارون، كما تم احتجازهن في ظروف قاسية داخل زنزانة قذرة لا تصلح للحياة الآدمية. إضافة إلى ذلك، تعرضت العديد منهن للضرب عند رفضهن التفتيش.
ويستمر احتجاز الأسيرات هناك ليوم أو لعدة أيام، حيث يتم تقديم كميات ضئيلة من الطعام غير الصالح للأكل، داخل زنزانة تحوي فرشة رقيقة جدًا وقذرة.
وفي هذا السياق، نشير إلى إحدى الشهادات التي توثق الانتهاكات في هشارون: “تم نقلي إلى سجن هشارون، حيث تعرضت للاعتداء بالضرب في غرفة الانتظار، إذ قام أحد السجانين بضربي بالمفاتيح، مما ترك آثارًا واضحة على يدي. بقيت ليلة واحدة في هشارون، لكنها كانت أسوأ ليلة في حياتي. احتُجزت في زنزانة مزودة بكاميرات، فلم أتمكن من قضاء حاجتي، ولم يسمحوا لي حتى باستخدام مكان آخر. إضافة إلى ذلك، كانت أصوات الأسرى الجنائيين المستمرة في الصراخ تزيد الوضع سوءًا. وعند حلول الليل، أحضروا لي غطاء برائحة بول كريهة، ثم عند الساعة الخامسة صباحًا أمروني بإخراجه بحجة التنظيف، لكنهم سحبوا الفرشة والغطاء، مما اضطرني للجلوس على حذائي”.
التشوهات التي احدثها الاحتلال الاسرائيلي في وجه اسراء جعلت عائلتها تتعذر التعرف عليها خلال اول زيارة لها في سجن “هشارون” هذه أنا، أنا إسراء”، هكذا عرّفت نفسها لعائلتها التي كانت تنتظرها في غرفة الزيارة” #فلسطين pic.twitter.com/mX47EnxXLe
— Rasha Hirzallah 🇵🇸 𓂆 (@rashahirzallah) October 11, 2020
اعتقال النساء رهائن القضية الأبرز التي تلت الحرب
لا تبدأ معاناة النساء الفلسطينيات مع الاعتقال ومواجهة ظروفه القاسية عند لحظة اعتقالهن، إذ إن جزءًا من الأسيرات ينتمين إلى عائلات واجهت عمليات اعتقال متكررة، واقتحامات متواصلة لمنازلها، واستهداف أفرادها بالاحتجاز أو الاعتقال أو القتل.
وعلى مدار الشهور التي تلت حرب الإبادة على غزة، برزت قضية اعتقال النساء كرهائن، حيث طالت العشرات منهن بهدف الضغط على أحد أفراد العائلة المستهدفين من قبل الاحتلال لتسليم نفسه. وشملت هذه الاعتقالات زوجات أسرى وشهداء، إضافة إلى أمهات مسنات تجاوزن السبعين عامًا. وتجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة لم تقتصر على النساء فحسب، بل استهدفت فئات أخرى من المجتمع.
رافقت عمليات احتجاز النساء كرهائن موجات من التنكيل والتهديدات، وصلت إلى حد التهديد بقتل أبنائهن أو أزواجهن المستهدفين، فضلًا عن الاعتداءات التي تعرضن لها أثناء عملية الاعتقال. كما شملت الانتهاكات عمليات تخريب طالت منازلهن، وترويع أطفالهن، ومصادرة أموالهن ومصوغاتهن الذهبية.
“سجن هشارون أبشع الأمور بتتعرضلها بالحياة.. اعتداءات كثيفة وتفتيشات مؤذية جدا”.. المحررة #رقية_عمرو تتحدث عن قمع الأسيرات في سجون الاحتلال.#حرب_غزة pic.twitter.com/Fks6w4S4hk
— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) November 30, 2023
الاعتداءات بحقّ النّساء الفلسطينيات ومنهنّ الأسيرات
تعدّ الاعتداءات واحدة من أخطر الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحقّ النساء الفلسطينيات، بما في ذلك الأسيرات. وتنوّعت هذه الجرائم لتشمل التحرش والتفتيش العاري، إضافة إلى التهديد بالاغتصاب.
تمكنت المؤسسات الفلسطينية من جمع شهادات لأسيرات أُفرج عنهن خلال دفعات الإفراج التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، بالإضافة إلى شهادات أخرى من داخل السجون. كما تم توثيق شهادات لنساء واجه أقاربهن عمليات اعتقال وملاحقة من قبل قوات الاحتلال. وأكدت هذه الشهادات تعرّض العديد من النساء لاعتداءات متعددة، سواء عبر التحرش الجسدي أو اللفظي.
يعدّ سجن هشارون نقطة توقيف مؤقتة للأسيرات قبل نقلهن إلى سجن الدامون، وكان بمثابة محطة شهدت عمليات تفتيش عارٍ متكررة بحق الأسيرات، في ظل ظروف قاسية ومهينة. كما وثّقت المؤسسات الفلسطينية شهادات تفيد بتعرض الأسيرات في هذا السجن لاعتداءات جسدية، شملت الضرب المبرح.
في شهادة موثقة، أفادت إحدى الأسيرات اللواتي اعتُقلن بعد السابع من أكتوبر 2023، بأنها تعرضت أثناء عملية الاعتقال والتحقيق لاعتداءات جسدية ولفظية، حيث قام أحد الجنود بلمسها بطريقة غير لائقة على رأسها وقدميها، كما تعرضت لشتم بذيء وتهديد بالاغتصاب. وأضافت أن الجنود كانوا يرمون عليها أعقاب السجائر وبقايا الطعام بهدف إذلالها. كما تعرضت للضرب المبرح أكثر من مرة، مما تسبب لها بآلام شديدة في مختلف أنحاء جسدها، ولم يُقدم لها أي نوع من العلاج بعد هذه الاعتداءات.
أما في شهادة أخرى لأسيرة نُقلت إلى سجن هشارون، فقد قالت: “وصلنا أنا وأسيرات إلى سجن هشارون، حيث أدخلونا إلى زنزانة كانت أرضها مبللة بالماء، وتحتوي على دورة مياه غير صالحة للاستخدام. ثم تم نقلنا إلى زنزانة أخرى، حيث خضعنا للتفتيش العاري على يد سجانات. وخلال هذا التفتيش، تعرضت للضرب على وجهي بعد أن اعتُدي عليّ بالضرب المبرح أثناء عملية الاعتقال”.
تعكس هذه الشهادات حجم الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء الفلسطينيات، بما في ذلك الأسيرات، في سجون الاحتلال الإسرائيلي. كما تسلط الضوء على بعض أشكال الاعتداءات الجنسية التي يمارسها الجنود بحقهنّ، في خرق صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تحظر مثل هذه الممارسات.
تمديد اعتقال الطفلة تقى غزاوي
وفي السياق، مدّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، اعتقال الطفلة تقى غزاوي (12 عامًا) من حي الثوري في القدس المحتلة حتى يوم الاثنين المقبل. وكان الاحتلال قد اعتقل الطفلة غزاوي يوم أمس الخميس بعد انتهاء دوامها المدرسي، ثم عرضها على المحكمة اليوم، التي قررت تمديد اعتقالها.
وبحسب مؤسسات الأسرى، بلغ عدد المعتقلين في سجون الاحتلال أكثر من 9500 حتى بداية شهر آذار/ مارس الجاري، من بينهم أكثر من 350 طفلًا، و21 امرأة، و3405 معتقلين إداريين. كما بلغ عدد من صنّفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة بـ”المقاتلين غير الشرعيين” 1555 معتقلًا، علمًا بأن هذه الإحصائيات لا تشمل جميع معتقلي غزة، خاصة أولئك المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
تقى غزاوي طفلة عمرها ١٢ سنة من القدس، الاحتلال اعتقلها من أمام مدرستها البارحة. pic.twitter.com/Tmbk1916dg
— * (@uzisall) March 7, 2025
قبل حرب الإبادة التي شنّها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان عدد المعتقلين في سجون الاحتلال قد تجاوز 5250، من بينهم 40 امرأة، و170 طفلًا، و1320 معتقلًا إداريًا.
يعكس هذا الواقع حجم الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الأطفال والنساء، من خلال عمليات الاعتقال التعسفي، التي تستهدف مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
المصدر: مواقع