من جديد، عادت إلى الواجهة جريمة “تفجير البايجيرات” التي نفذها العدو الإسرائيلي بحق آلاف اللبنانيين في يومي 17 و18 أيلول/سبتمبر 2024 على مرأى ومسمع العالم أجمع. هذه العودة للجريمة الخبيثة برزت من خلال إهداء رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتانياهو “بيجر” ذهبي إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائهما في البيت الأبيض.
هذه الهدية من رئيس حكومة الكيان الصهيوني إلى رئيس الإدارة الأميركية تحمل دلالات كثيرة لجهة تفاخر العدو بقتله وتسببه بإصابات بالغة لآلاف اللبنانيين (بينهم الكثير من الأطفال) وتعريض الآلاف غيرهم للخطر. كما تحمل هذه الخطوة مباركة أميركية عالية المستوى لهذه الجريمة وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في لبنان وغزة. وهذه الدلالات ليست بجديدة، خاصة مع الدعم الأميركي اللامتناهي للعدو منذ عشرات السنين وفي كل حروبه ضد العرب والمسلمين، وليس فقط خلال العدوان الأخير على غزة ولبنان.
كل ذلك يعيد طرح تساؤلات كثيرة حول “الحيادية” المطلوبة أميركياً للوساطة بين العدو الإسرائيلي وغيره من الأطراف، سواء في لبنان أو فلسطين أو أي جهة أخرى في هذه المنطقة والعالم. فهل الإدارة الأميركية هي وسيط نزيه في أي اتفاق تكون “إسرائيل” أحد أطرافه؟ أليس الانحياز الأميركي الفاضح للكيان الغاصب علامة مسجلة وبديهية لا تحتاج إلى كثير من الشرح والأدلة؟ أليس كل ما تقوم به “أميركا” لإسرائيل وكل ما تقوم به إسرائيل لأميركا خير دليل على عدم مشروعية ومصداقية الإدارة الأميركية – أياً كان رئيسها – كوسيط بين تل أبيب وغيرها من الأطراف؟ ولماذا على اللبنانيين القبول بوجود إشراف أميركي على كل ما يتعلق بتطبيق القرار 1701 بينما تتنصل “إسرائيل” من التزاماتها في هذا السياق؟ أليس من البديهي استبعاد أميركا واستبدالها بغيرها للعب مثل هذا الدور؟
بينما كانت أورتاغوس تشكر “إسرائيل” على قتلنا، كانت هذه الطّفلة تلفظ آخر أنفاسها في #طيرحرفا #جنوب_لبنان pic.twitter.com/zIioKaxK9C
— قناة المنار (@TVManar1) February 7, 2025
حول ذلك، قال أمين سر “لقاء مستقلون من أجل لبنان” رافي ماديان إن “مسألة إهداء نتنياهو لترامب جهاز بيجر مذهب هو نوع من السخرية من الشعب اللبناني واستفزاز عنصري له، حيث يحاول تذكير اللبنانيين بأن الموساد الإسرائيلي نفذ عمليات إرهابية ضد المواطنين اللبنانيين”. وأضاف أن “البيجرات لم تكن تقتصر على المقاومين أو المقاتلين في حزب الله فقط، بل كانت تستهدف أيضاً مختلف المؤسسات والإدارات المدنية، بما في ذلك المستوصفات والمستشفيات. وقد ذهب ضحية هذا الاعتداء الاستخباراتي الإسرائيلي مواطنون مدنيون بينهم أطفال ونساء”.
ولفت ماديان في حديث لموقع قناة المنار الإلكتروني إلى أن “نتانياهو يتفاخر بهذا الاعتداء أمام الرئيس الأميركي الذي قال إنها كانت عملية رائعة، في إشارة إلى قتل النساء والأطفال، ناهيك عن تهديد خطوط التجارة العالمية عبر قيام المخابرات الإسرائيلية بتفخيخ البيجرات والأجهزة الإلكترونية”. وأضاف “أما كلام ترامب بأنها كانت عملية رائعة ضد اللبنانيين أو ضد فريق سياسي لبناني، فهو كلام عنصري ويبارك الأعمال الإرهابية لإسرائيل”.
ورأى ماديان أن “هذا يعتبر نوعاً من التشارك بين أفكار ترامب وموقفه العنصري المعادي لحقوق الشعوب، خاصة الشعوب العربية وبالتحديد الشعبين اللبناني والفلسطيني”. وأضاف أن “ترامب يتشارك مع العدو الصهيوني نفس الأفكار والقيم والأخلاق العنصرية”، وتابع “هذا يدل على طبيعة تفكير هذا الرئيس الأميركي والرجل الأبيض الاستعماري الذي يستهزئ بحركات التحرر الوطني لشعوبنا اللبنانية والفلسطينية والعربية، وهذا يعكس نفسية المستعمر الأميركي الذي يبارك أعمال المستعمر اليهودي الصهيوني في فلسطين”.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي عدنان علامة إن “الإدارة الأميركية لم تكن وسيطاً نزيهاً في أية مفاوضات، خاصة عندما تكون إسرائيل هي الطرف الآخر”. وتابع أن “أخذ العبر مما جرى في اتفاقية أو الإعلان عن وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الصهيوني بوساطة أميركية هو مثال واضح على عدم نزاهة وحيادية الإدارة الأميركية”.
وأضاف علامة في حديث لموقع قناة المنار الإلكتروني “لا أدري كيف قُبِلَ لبنان الوساطة الأميركية في أواخر عهد الرئيس السابق جو بايدن، وهو القائل بتاريخ 18 تشرين الأول/أكتوبر 2023، في أثناء زيارته (التضامنية) إلى تل أبيب، إن إسرائيل يجب أن تعود مكاناً آمناً لليهود وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها”. وأشار إلى أن “بايدن زوّد العدو الصهيوني بالقذائف والأسلحة عبر جسر جوي من 500 طائرة بحمولة 70 طناً للطائرة الواحدة، بالإضافة إلى قوافل بحرية مؤلفة من 160 سفينة بحمولة 50.000 طن للسفينة”.
وتابع علامة أن “أول شيء فعله دونالد ترامب بعد دخوله البيت الأبيض هو الإفراج عن سفينة قنابل من نوع MK 84 المصنعة بشكل خاص لاختراق التحصينات بإضافة اليورانيوم المنضب إلى جسم المواد المتفجرة للقنبلة لتضاعف قوة اختراق الخرسانة المسلحة”. وذكر أن “جيش العدو الإسرائيلي استعمل أسبوعياً منذ خلال العدوان على لبنان ما يعادل قنبلة هيروشيما من المتفجرات (15.000 طن من الـT.N.T)”، ولفت إلى أن “الإدارة الأميركية منعت مجلس الأمن من الانعقاد أو حتى التشاور لبحث الوضع في لبنان”.
ورأى علامة أنه “كان من المفيد الاستفادة من تجربة المقاومة في إجراء المفاوضات مع العدو في عامي 1996 و2006، بالإضافة إلى ضرورة استعمال السابقة والحجة الدامغة بانسحاب جيش العدو من جنوب لبنان في عتمة ليل 25 أيار/مايو 2000 بعد احتلال دام 18 عاماً، وذلك لدحض الحاجة إلى التمديد المتكرر لجيش الاحتلال بحجة عدم توفر الوقت الكافي للانسحاب، وحث هوكشتاين بنفسه على فرض التمديد بحجة أن الانسحاب صعب جداً”. واعتبر أن “العدو هو الذي طلب وقف إطلاق النار مع لبنان بعد الضربات التي تلقاها من المقاومة، وكانت هذه فرصة ذهبية لابتزاز العدو، ولكن حصل التدخل الأميركي الفاضح لمصلحة إسرائيل، بالتهويل على لبنان بالويل والثبور لإخراج العدو من ورطته”.
وبعد كل ما جرى، جاء حديث نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من قصر بعبدا الجمهوري حول استهداف شريحة من اللبنانيين والتعرض لهم، ليؤكد المؤكد بخصوص الانحياز الأميركي لصالح العدو، مما يفتح الباب للتساؤل عن جدوى ترك المجال مفتوحاً للأميركيين للتصرف كما يحلو لهم بما يضر بمصلحة لبنان وشعبه.
أورتاغوس تشترط من بعبدا عدم مشاركة حزب الله في الحكومة والرئاسة الأولى تؤكد أنها غير معنية بتصريحاتها
من دون مقدمات، ولا مراعاة للغة الدبلوماسية ولا حتى للمنبر اللبناني الرئاسي السيادي، قررت نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، منع أحد أكبر المكونات السياسية – حزب الله – من المشاركة في الحكومة العتيدة. ولم تغفل أورتاغوس عن توجيه الشكر للكيان الصهيوني على ضربه المقاومة وهزيمتها – وفقًا لزعمها.
جاء هذا التصريح عقب لقاء أورتاغوس، على رأس وفد أميركي، مع رئيس الجمهورية، العماد جوزف عون، في أول زيارة لها إلى لبنان، ضاربة بعرض الحائط كل معايير السيادة واحترام نتائج الانتخابات والثوابت الوطنية اللبنانية.
وأصدر المكتب الإعلامي للرئاسة الأولى بيانًا عقب تصريحات أورتاغوس، أكد فيه أن بعض ما صدر عنها في قصر بعبدا يعبر عن وجهة نظرها، وأن رئاسة الجمهورية غير معنية به.
وكان رئيس الجمهورية قد أبلغ المبعوثة الأميركية أن الاستقرار الدائم في الجنوب مرهون بإنجاز الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها خلال الحرب، وتطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته، بما في ذلك ما تم الاتفاق عليه في 27 تشرين الثاني الماضي.
وأكد عون لأورتاغوس أن الجيش اللبناني جاهز للانتشار في القرى التي ستنسحب منها القوات الإسرائيلية المحتلة، والتي يجب أن يُنجز انسحابها ضمن المهلة المحددة في 18 شباط الحالي، مع إعادة الحياة تدريجيًا إلى المناطق المحررة، وإعادة الإعمار بعد أن ألحق العدوان الإسرائيلي أضرارًا جسيمة بالممتلكات.
وأشار عون إلى أورتاغوس أن المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة تكاد تصل إلى خواتيمها.
وفي هذا الإطار، أفادت المعطيات الواردة من قصر بعبدا بأن اتصالات مكثفة جرت في الساعات الأخيرة لتسوية الخلاف الذي حصل في اللقاء الثلاثي مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، نواف سلام، وأن الأمور وُضعت في نصابها الصحيح لمعالجة الخلل والاتفاق على الصيغة الوزارية النهائية في أقرب وقت.
احتجاج شعبي عفوي على الطريق المؤدية إلى مطار بيروت الدولي
نفّذ مواطنون احتجاجًا شعبيًا عفويًا على الطريق المؤدية إلى مطار بيروت الدولي، تنديدًا بتصريحات المبعوثة الأمريكية إلى لبنان، مورغان أورتاغوس، التي أدلت بها من قصر بعبدا. ورفع المشاركون رايات المقاومة ورددوا هتافات داعمة لها.
وقد تركز استنكار المحتجين وإدانتهم على أمرين أساسيين: الأول، إعلان أورتاغوس من قصر بعبدا تهنئتها للعدو الإسرائيلي بهزيمة مزعومة لحزب الله، والثاني، ختمها لكلمتها بالنجمة السداسية، التي تؤكد ارتباطها بالاحتلال.
جاء هذا الاحتجاج الشعبي ليؤكد أن المنبر الرئاسي السيادي في قصر بعبدا يُمثل الشعب اللبناني بأكمله، وأن من يريد التحدث من خلاله، ولو بحرف واحد، عليه أن يحترم كل معايير السيادة وأصول الدبلوماسية.
المصدر: موقع المنار