يمثل إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بارقة أمل بعد طول معاناة، إذ تحولت أمنيات السلام والأمان إلى واقع ملموس.ورغم الجراح الغائرة التي خلَّفها العدوان، امتلأت شوارع غزة بأجواء الفرح والاحتفالات العفوية.
استعاد الغزيون روح التحدي والصمود في مشهد يعيد تعريف مفهومي “النصر” و”الهزيمة” وفقًا لإرادة الفلسطينيين الثابتة. فبينما استمر العدوان والقصف، خرج أهل غزة للاحتفال بصمودهم في وجه آلة الحرب، مؤكدين أن غزة باقية وأهلها ثابتون على أرضهم، وأن النصر يُقاس بالصمود والثبات، لا بقوة السلاح.
ورغم استمرار العنف حتى بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، أظهر الغزيون شجاعة وإصرارًا لا يلين، معلنين أن معركتهم لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل إثباتًا لإرادتهم القوية في استرداد حقوقهم. وسط الدمار، توجّه النازحون في جنوب القطاع بقلوبهم إلى ديارهم في الشمال، متشوقين للعودة، وفي طيّات تلك العودة رغبة عميقة في مواساة شهدائهم وجمع أشلاء أحبائهم.
وبالرغم من كل المآسي، يعتز الغزيون بانتصارهم في معركة لم تنجح فيها آلة العدوان، على الرغم من الدعم اللامحدود من حلفائه. فالاحتلال فشل في تحقيق أهدافه، والمقاومة ظلت ثابتة، وأسراه لم يتحرروا إلا بشروط المقاومة. غزة تحتفل بزهو الصمود، أمام عدو انكسر رغم كل محاولات الإبادة والحصار، وفي مشهد من الصمود والمقاومة، حيث أمهات صامدات، وشيوخ متمسكون بأرضهم، ومقاومون واجهوا بكل بسالة. هذا الانتصار يُعد هزيمة مذلّة للاحتلال ويؤكد فشل مخططاته أمام إرادة الفلسطينيين الصلبة.
المرارة والارتباك يسودان المشهد في كيان الاحتلال
في مقابل فرحة الغزيين، يسود شعور عام بالمرارة لدى الصهاينة عقب الإعلان عن الاتفاق مع حركة حماس بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. يأتي ذلك وسط اعتراف صهيوني بأن الحرب لم تحقق أهدافها بالقضاء على المقاومة، التي خرجت صامدة ومُنتصرة بعد عام وأربعة أشهر من القتال.
كما يخيم الارتباك على المشهد العام في كيان الاحتلال إثر الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة حماس.
وعلى الرغم من حماسة الصهاينة لاستعادة أسراهم من قطاع غزة، إلا أن شعورهم بالخسارة والعجز طغى على أجواء الفرحة، نتيجة إخفاق الحرب في كسر إرادة الفلسطينيين. فقد بقيت حركة حماس وفصائل المقاومة راسخة في قطاع غزة، برغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسّخ في أذهان الصهاينة أن تحقيق النصر المطلق يتجسد في القضاء على حماس والمقاومة.
ويرى الخبراء الصهاينة أن الفلسطينيين حققوا نصرًا واضحًا في هذه الحرب، وأن أسلوب إدارة نتنياهو للصراع أوصل تل أبيب إلى القبول بشروط الفلسطينيين رغم إرادتها.
وأشار هؤلاء الخبراء إلى أن الوضع بلغ درجة خطيرة من التراجع، حيث أصبحت حركة حماس هي الطرف الذي يُملي الشروط، ويمسك بزمام الأمور حتى اللحظة الأخيرة، سواء في توقيت الإعلان عن الاتفاق أو في تحديد مضمونه وشكله.
الاحتلال يواصل عدوانه وأبو عبيدة يحذر: أيّ قصفٍ قد يحوّل حرية أسراكم إلى مأساة
من جهته، صرّح الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”، أبو عبيدة، بأن جيش الاحتلال استهدف موقعًا كانت تتواجد فيه إحدى الأسيرات المشمولات ضمن المرحلة الأولى من الصفقة المرتقبة، وذلك عقب الإعلان عن التوصل إلى اتفاق.
وأكد أبو عبيدة، في تغريدات نشرها على قناته في “تلغرام” اليوم الخميس، أن أي عدوان أو قصف ينفذه الاحتلال خلال هذه المرحلة قد يؤدي إلى تحويل حلم حرية الأسرى إلى مأساة.
ومنذ الإعلان عن توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، كثّفت القوات الصهيونية غاراتها الجوية وقصفها المدفعي على مناطق شمال وجنوب قطاع غزة، لا سيما المناطق الشمالية.
وخلال الليلة الماضية، دمّر جيش الاحتلال ثلاثة مربعات سكنية على رؤوس ساكنيها، مسجلًا مجزرتين كبيرتين: الأولى في منطقة جباليا البلد، حيث سقط نحو 25 شهيدًا، والثانية قرب مفترق عبد العال في شارع الجلاء، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من الشهداء والمصابين.
وفي الساعات الأخيرة، كثّف الاحتلال قصفه المدفعي على منطقة جباليا وحي الزيتون جنوب مدينة غزة، ولم تُسجل إصابات في هذه الغارات. إلا أن الطائرات الحربية استهدفت منزلًا لعائلة البرج في جباليا، ما أسفر عن استشهاد شخصين وإصابة آخرين. وفي صباح اليوم الباكر، قصف الاحتلال مركزًا للإيواء في منطقة الزيتون، ما أدى إلى استشهاد أكثر من خمسة أشخاص وإصابة ثلاثين آخرين.
جدير بالذكر أنه منذ الإعلان عن اتفاقية التهدئة، أفادت وزارة الصحة بارتقاء أكثر من 80 شهيدًا وإصابة نحو 200 آخرين في كافة أنحاء القطاع. وفي المناطق المحاصرة شمال القطاع، تعرض الطابق العلوي من المستشفى الإندونيسي للقصف بعدة قذائف مدفعية، كما طالت الغارات محيط مستشفى العودة في حي تل الزعتر.
المصدر: موقع المنار