في الوضع الطبيعي كان لا بد للتعليم في لبنان أن ينطلق في المدراس والثانويات الرسمية في أول تشرين الثاني، إلّا أنّ العدوان الإسرائيلي على لبنان حال دون ذلك، ما دفع إدارات المدارس الى إيجاد طريقة تتناسب مع ظروف الأساتذة والتلامذة لمتابعة التعليم. ومع وقف إطلاق النار وعودة الجميع الى الضاحية الجنوبية لبيروت، بدأت الأضرار التي لحقت بالمباني تتكشّف، وأصبحت المدارس أمام تحدّ آخر وهو الترميم.
وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عبّاس الحلبي أصدر قرارا حمل رقم 963 يفرض عودة كل الطلّاب في لبنان الى المدراس بعد الأعياد مباشرة، أي مع مطلع العام 2025، فهل المدارس جاهزة؟
جولتنا بدأت من مدرسة الليلكي الرسمية المختلطة التي تضرّر سورها بسبب إنهيار المبنى الملاصق لها، كما تضرّرت نوافذها وأبواب الصفوف الداخلية فيها بشكل كبير. مدير المدرسة حسين عواضة ذكر أنّه بجهد شخصي إستعان بمهندس للكشف على مدرسته، كما وقصده فريق من المهندسين من جهاد البناء لمسح الأضرار، وهو راسل وزارة التربية عبر المنطقة التربوية وينتظر ردّها حول التعويض، مؤكّدا أنّ ما حصلت عليه المدرسة من وزارة التربية سابقا لتغذية صندوقها، كان مبلغ 40 مليون ليرة، وهو لا يساوي شيئا مقارنة بكلفة عملية الترميم.
وعند سؤاله عن العام الدراسي الحالي، قال إنّهم عملوا على تسجيل التلاميذ عن بعد في تشرين الأول، وبدأوا بالتعليم في 11 تشرين الثاني أيضا عن بعد، عبر إرسال فيديوهات الى التلامذة الذين لم تكن ظروفهم مؤاتية للتعلم عبر برنامج teams.
انتقل فريق الخط الساخن الى ثانوية حسين مكتبي الرسمية في منطقة المريجة، التي نالت حصّة كبيرة جدّا من الضرر بسبب كثافة القصف الإسرائيلي الذي طال المنطقة. وهناك كان اللقاء مع مدير الثانوية حسن خضر، الذي رافق الفريق في جولة على ملعب المدرسة وغرف الإدارة والصفوف، لافتا الى أنّ خسارته المالية كبيرة، فهو كان قد أجرى تحديثا وصيانة لمبنى الثانوية قبل الحرب مباشرة، وقد سبّب القصف ضررا كبيرا بالأبواب الحديدية والخشبية والمصاعد والنوافذ، وأتى حريق على مولّد كهربائي لديه ومكيّفات وتجهيزات داخلية. إضافة الى ما لحق بالجدار الخارجي للمبنى من ضرر يستدعي ترميمه.
وفق خضر، فإنّ الثانوية خلال الحرب لم تنقطع أبدا عن التواصل مع أهالي طلّابها الذين يبلغ عددهم 400، وتابعت معهم منذ تشرين الثاني التعليم عن بعد المتزامن عبر برنامج teams الذي حدّدته الوزارة. إلّا أنّه بعد عودة الطلّاب الى الضاحية، كان هناك صعوبات متعلّقة بانقطاع الكهرباء والإنترنت.
خضر الذي كان قصد الثانوية خلال الحرب للإطمئنان عليها، يتابع اليوم عملية الترميم والصيانة بتفاصيلها، وهو أكّد أنّ طلابه سيعودون الى مقاعدهم في السابع من كانون الثاني، وسيعمل على تكثيف حصص التعليم خصوصا لطلّاب الشهادة الرسمية. لكنّه ناشد الوزارة أن تراعي وضع الطلّاب الذين مرّوا بتجارب قاسية وخسروا أحبّة لهم.
آخر وقفة مع المدراس المتضرّرة كانت في مدرسة البيان الخاصة في منطقة الجاموس، حيث كان اللقاء مع مديرها علي عبد الساتر، الذي ذكر أنّ الأضرار كبيرة جدّا. فكل الغرف الإدارية بأثاثها وتجهيزاتها تضرّرت بالكامل، وكل نوافذ المدرسة والأبواب تهشّمت، وقد بدأ بعمليات الترميم والصيانة فور وقف إطلاق النار.
عن العام الدراسي ذكر عبد الساتر أنّ طلّابه بدأوا بمتابعة دروسهم خلال الحرب عن بعد، وبعد الأعياد ستبدأ العودة التدريجية للطلّاب، وخلال أسبوعين سيكون الجميع على مقاعدهم الدراسية.
وأكّد عبد الساتر أنهم سيعمدون الى تقليص العطل بنسبة 80%، كما توقّع أن يمدّد فترة التعليم لتشمل شهري حزيران وتمّوز لاستكمال المنهاج. ورأى عبد الساتر أنّ مسؤولية التعويض على المدارس الخاصة تتحملّها الحكومة اللبنانية.
وزير التربية: نعمل وفق خطة مرنة وسأطالب الدولة بدعم المدارس المتضررة
بعد هذه الجولة كان لا بد لنا أن نحمل كلّ المشاهدات والمناشدات والمقترحات التي طرحها مدراء المدارس الى وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عبّاس الحلبي. ومن مكتبه في مبنى الوزارة قال الوزير إنّه كلّف وحدة المشاريع والهندسة ورؤساء المناطق التربوية بأن يعملوا على مسح جميع الأبنية المدرسية المتضرّرة، والتي صنّفها الحلبي بين المدارس التي تحوّلت الى مراكز إيواء وتحتاج اليوم الى بعض أعمال الصيانة، و المدارس التي تضرّرت بفعل القصف الهمجي الذي لم يميّز بين موقع مدني وموقع عسكري، وهذه المباني أيضا يتفاوت فيها حجم الضرر.
وقد كلّف الوزير مدراء المدارس أن يقوموا بأعمال الصيانة الأوّلية فيها من أموال الصناديق. لفت الحلبي الى أنّ مجلس الوزراء أعطى مجلس الجنوب تمويلا على شكل سلف خزينة بشرط أن يقوم المجلس بترميم عدد من أبنية المدارس التابعة لوزارة التربية في المناطق التي يعمل ضمن نطاقها. أيضا أشار الحلبي الى أنّ اليونيسيف أجرت مسحا لعدد من الأبنية المدرسية وخصّصت مبلغا من المال لترميمها لم تحصل عليه الوزارة بعد. وتابع الحلبي، أمّا فيما يتعلّق بالمنطقة الحدودية فلم يستطع أحد الوصول الى مدارسها بعد، ولكن من المتوقّع أنّ هناك 50 مدرسة شبه مهدّمة.
عن خطّة وزارة التربية لاستكمال هذا العام الدراسي الذي لم يحصل فيه طلّاب لبنان على فرص تعليم متكافئة، قال الحلبي إنّهم في الوزارة يعملون وفق خطّة مرنة وضعت مع بداية الحرب. وسينتقل الطلّاب بعد عطلة الأعياد الى التعليم الحضوري بعد أن كانوا في الحرب يدرسون عن بعد لثلاثة أيّام أسبوعيا.
ولدى سؤاله عن المدارس الخاصّة التي تضرّرت بفعل العدوان الإسرائيلي، تأمّل الحلبي أن لا تغض الدولة اللبنانية النظر عن مساعدة هذه المدارس لتعيد بناء ما تهدّم، مؤكّدا أنّه سيطالب الدولة عند توفّر الأموال بدعم المدارس الخاصّة المتضررة التي لا إمكانيات ماديّة لديها.
لفت الحلبي الى أنّه طلب من المركز التربوي للبحوث والإنماء تقليص المنهاج بما يؤمّن الكفايات المناسبة للطلّاب، وسوف تمتد فترة التعليم في المدارس الرسمية ل 18 أسبوعا فقط.
وعند سؤاله :هل ستراعي الإمتحانات الرسمية وضع الطلّاب الذين استهدفت مدارسهم أو دمّرت بالكامل، أجاب الحلبي أنّه في العام الماضي كان هناك حرب أيضا، واستطاع الطلاب أن يجروا إمتحانات رسمية موحّدة في كل لبنان.
في ختام اللقاء قال الحلبي إنّهم في التربية قاوموا على طريقتهم ولم يسمحوا للحرب أن تعطّل العملية التعليمية.
المصدر: المنار