يوم الأحد الفائت كان يوماً من أيام الله، وسيسجّله التاريخ كمحطة فاصلة في الصراع مع العدو، حيث هطلت الصواريخ من مختلف الأنواع والأحجام والمديات والتأثير على معظم مواقع الكيان العسكرية والإستراتيجية وصولاً إلى تل أبيب وما بعد تل أبيب، في الوقت الذي كان فيه المقاومون الأبطال يتصدّون بشجاعة منقطعة النظير لأرتال العدو المتوغلة على المحاور من شمع وطير حرفا غرباً إلى الخيام شرقاً ملحقين بالعدو خسائر فادحة في الرجال والعتاد.
العميد المتقاعد د.محمد عباس الخبير في الدراسات العسكرية والإستراتيجية قال في تصريح لموقعنا أنه” في موضوع الردع ،منذ بدء عملية إسناد غزة في ٨ اكتوبر العام الماضي ، انتهى الردع عملياً بالشكل الذي كانت تفرضه المقاومة على العدو وأصبحنا أمام قواعد إشتباك جديدة ، وانحصرت معركة الإسناد على الحد الأمامي وبعمق ٥ كلم على طرفي الحدود ، مع بعض الاستثناءات عندما كان العدو يلجأ إلى قصف ما يدعيه زوراً أنها مواقع عسكرية هامة في العمق، وكانت المقاومة ترد على هذه الاعتداءات بقصف مواقع عسكرية في العمق التعبوي للعدو لالزامه على التقيد بالقواعد الجديدة القائمة”.
ورأى العميد عباس أن” الفترة بين ١٧ و٢٧ أيلول الماضي شكلت بدءاً من تفجيرات الأجهزة مروراً باغتيال القادة وصولاً إلى استهداف الشهيد الأسمى والأقدس سماحة السيد حسن نصرالله وما رافق ذلك من توسع عمليات القصف الوحشي الذي استهدف كامل بيئة المقاومة بشراً وحجراً وأدّى إلى تهجير ما يزيد عن المليون مواطن، شكّلت هذه التطورات مرحلة جديدة تماماً ، حيث سقطت القواعد التي كانت تحكم الميدان بشكل شبه تام”.
واضاف عباس:” العدو وداعموه امريكا والغرب اعتقدوا أن الفرصة أصبحت مؤاتية لاستثمار الإنجازات التي تحققت بالتفجيرات والاغتيالات ، فباشر العدو في ٢٣ أيلول الماضي غزواً برياً زجّ فيه ٥ فرق مدرعة مدعومة بقصف جوّي ومدفعي مدمر وغير مسبوق، ومراهناً على إنهيار الحزب للوصول بأقصى سرعة إلى الليطاني، لكن حسابات حقل العدو لم تطابق حساب بيدر المقاومين الذين تعالوا على الجراح واظهرت قيادتهم الميدانية أداء متميزاً وتحكماً وسيطرة واعتمدت أسلوب الدفاع المرن الذي أتقنته وخبرته ، مدعوماً بإسناد قوي وفعال ومتدرج من القصف الصاروخي وبالمسيرات الذي استهدف القوات المتوغلة على كل محاور القتال بالإضافة إلى تحشداته ومراكزه العسكرية خلف الحدود مباشرة وصولا الى العمق التعبوي ..هذا الصمود الأسطوري منع العدو من تحقيق أي إنجاز يعتدّ به وبقي يراوح مكانه طيلة شهرين ، وتكبد خسائر جسيمة في فترة زمنية قصيرة لم تلحق به في تاريخه”.
وأكد عباس أن”هذا لم يكن ليتحقق لو لم تظهر القيادة السياسية ايضا تماسكا وثباتا على النهج الذي أرساه سماحة السيد حسن نصرالله قدّس سرّه”.
وأشار إلى أن” الأيام الماضية وبخاصة أول أمس الأحد المشهود .. أن المقاومة بخير، وأن المعادلة الجديدة التي فرضتها ” تل ابيب مقابل بيروت” ستأتي أكُلها، وأن الردع يستعاد حثيثاً – وهذا ما بدأ يردّده الإعلام العبري نفسه- وسيفرض حضوره في المشهد السياسي مباشرة وعلى جولات المبعوث الأمريكي – الصهيوني الذي كان يفاوضنا تحت النار والقنابل الأمريكية التي يقصفنا بها العدو ولا يزال”.
وتابع :”أعتقد ان هوكشتاين هذه المرة لن يأتِ متأبطاً صاروخاً لفرض شروطه ، وعلى العكس سيكون المفاوض اللبناني ( الرئيس بري) اكثر حزماً في عدم اعطاء العدو في السياسة ما عجز عن تحقيقه في الميدان”.
في موضوع القدرة الصاروخية قال عباس أن” غرفة عمليات المقاومة فرضت إيقاعا متميزاً في إطلاق الصواريخ والمسيرات يتلاءم مع متطلبات الميدان وقواعد الردع واحتمال اطالة أمد الحرب، وشهدت عمليات الاطلاق تصعيدا متدرجا كمّا ونوعا وهدفا ،ولم يتراجع زخم الاطلاق بالرغم من إعلان العدو انه دمر ٨٠٪من مخازن الصواريخ والمسيرات ، وهذا الأمر أثبت بطلانه استمرار زخم الاطلاق حتى من الحافة الأمامية التي اعلن العدو انه سيطر عليها”.
وأضاف”هي ليست المرة الاولى التي يكذب فيها العدو ويبالغ بإنجازات سلاحه الجوي، ففي العام ٢٠٠٦ اعلن الجنرال حالوتس رئيس اركان جيش العدو وقتها، انه دمّر خلال القصف التمهيدي الذي استمرّ ٤٨ ساعة •٩٪ من قدرات الحزب الصاروخية وهو ما ثبت بطلانه”.
وتابع :”ايضا خلال عملية رد المقاومة على اغتيال القائد الشهيد السيد فؤاد شكر ، اعلن العدو أنه نفذ ضربة استباقية على عشرات منصات الصواريخ للمقاومة ومنع اطلاق او دمّر بين ٦٠٠٠ و ٨٠٠٠ صاروخ على الكيان ، ثم تبين أن الغارات لم تسفر سوى عن تدمير منصتين ولم يسقط اي شهيد ، كما اعلن وقتها الشهيد الأسمى سماحة السيد نصرالله في خطابه بعد عملية الردّ”.
وحول موضوع استهداف عمق الكيان قال عباس إن”المقاومة ركزت خلال الشهرين الماضيين على استهداف العمق التكتيكي والتعبوي للعدو لدعم وإسناد المقاومين في عمليات التصدي للتوغل البري المعادي، مع استهداف لبعض الاهداف العسكرية الاستراتيجية في حيفا وضواحي تل ابيب، لكن تغوّل العدو في عمليات القصف والتدمير وقتل المدنيين في الضاحية والجنوب والبقاع وصولا إلى اماكن النزوح ، دفع المقاومة لتوسيع عمليات القصف التي طال العمق الاستراتيجي تحديدا في حيفا، و وعندما بدأ العدو باستهداف المدنيين في العاصمة بيروت خلال الايام القليلة الماضية، بهدف الضغط لفرض الشروط على المفاوض اللبناني ،رفعت المقاومة من سقف استهدافاتها وانتقلت إلى قصف العمق الاستراتيجي للكيان بشكل أوسع بما في ذلك تل ابيب وفق معادلة ” تل ابيب مقابل بيروت” التي اشرنا اليها آنفا.. فتم استهداف اهداف سوبر حيوية شمال وجنوب تل ابيب ومنها قاعدة أساسية لسلاح الجو في بلماخيم وايضا قاعدة اشدود البحرية التي لا تبعد عن غزة اكثر من ٣٠ كم”.
وأكد عباس أن” ضرب هذه الاهداف الحيوية بصواريخ باليستية بعيدة المدى وشديدة التدمير وبمسيرات انقضاضية وأصابتها بدقة بالغة واحداث الدمار فيها، يظهر ان المقاومة قادرة على ضرب اي هدف في طول الكيان وعرضه ، ناهيك عن التأثير الكبير على معنويات معظم المستوطنين الذين بات اكثر من أربعة ملايين منهم في الملاجئ وتعطلت أعمالهم ومصالحهم ،ناهيك عن الضرر الكبير الذي لحق بالاقتصاد الصهيوني، الامر الذي سيفرض نفسه على مسار الحرب، ويرفع من مستوى الردع لدى المقاومة”.
وحول بوادر فشل العملية البرية رأى عباس أن”نستطيع القول أن المعارك حتى الآن تجري على الحد الأمامي ، لأن عمق التوغل الذي بلغه العدو في شمع او اطراف بنت جبيل او الخيام هو بحدود ٥ كم ، وهو عمليا يعتبر ضمن المرحلة الاولى لهجوم العدو ولو ادّعى غير ذلك، وأن صمود المقاومة طيلة شهرين بمواجهة خمس فرق مدرعة للعدو ومعززة بسبعة ألوية من قوات النخبة وفي ظل سيطرة جوية مطلقة للعدو وإطباق جوي كامل ليلاً ونهاراً بالطيران الحربي والمسير على بقعة العمليات وقواعد الإسناد الخلفية للمقاومة هو امر خارق وخارج الاعتبارات العسكرية ومعادلاتها”.
ولفت العميد عباس إلى أن “المقاومة ليست جيشاً نظامياً يمتلك قدرات متكافئة مع العدو، يسمح لها باعتماد الدفاع الثابت على خط محدّد ، لذلك فإن المقاومة ابتكرت اسلوباً جديداً في القتال يعتمد الدفاع المرن عن خطوط متحركة لإعاقة العدو فترة محددة من الزمن تحددها مسبقاً ،واعتماد قتال الغرية “حرب العصابات Guerilla ” والاستفادة من الأماكن المبنية او المغطاة والتضاريس والعوائق الطبيعية لنصب الكمائن وإطلاق الأسلحة المضادة للدروع وشن الغارات بوحدات صغيرة على قواته المنعزلة لإيقاع اكبر قدر من الخسائر في قواته تجبره في النهاية على وقف عملياته وتضطره للإنسحاب”.
وأكد العميد عباس أن”-العدو في هذه الحرب سواء في لبنان او غزة وضع عقيدته العسكرية التي أرساها بن غوريون والتي اساسها الحرب الخاطفة وخوض الحرب على ارض العدو جانبا. وأعتمد اسلوباً جديدا يرتكز على اطالة امد الحرب واعتماد القصف الكثيف والمدمر لمدة طويلة والذي يستهدف الأصول العسكرية والمدنية على السواء قبل تحريك قواته بهدف إنهاك المقاومة والتأثير في معنوياتها من خلال استهداف بيئتها الحاضنة بالقتل والتهجير”.
وأضاف :”ان اعتماد هذه العقيدة لم يكن ليتحقق لولا الدعم الهائل والمفتوح بالقنابل والصواريخ الذي قدمته امريكا والأطلسي( مئات الالاف من أطنان الذخائر )بالإضافة للدعم السياسي من قبل امريكا والغرب الذي غطى جرائمه وسمح له باستمرار ارتكاباته”.
وتابع:” اعتماد المناورة على المحاور والتقدم بعد تدمير النسق الاول للخصم بالقصف الجوي والمدفعي وفي حال واجه مقاومة غير متوقعة على محور ما ، يتوقف وينقل جهده إلى محور ثاني..وهكذا ، وفي حرب تموز اعتمد العدو أسلوب الحرب الصاعقة والخاطفة … وقدمت امريكا للكيان ستة الاف قنبلة ذكية ولمعركة اعتقد العدو ومن ورائه الأمريكي انها ستكون حاسمة وخاطفة ،ولما فشل العدو في تحقيق اهدافه في الفترة المحددة وبعد تكبده خسائر فادحة اضطر لإيقاف الحرب والانسحاب”.
وأشار إلى ان” أوجه التشابه مع حرب تموز مرتبطة فقط بأداء المقاومة التي اعتمدت نفس أسلوب القتال الذي يدمج بين حرب الغرية والقتال الكلاسيكي بوحدات صغيرة نخبوية ، مع فارق بسيط هو الاقتصاد بالوسائل لخوض حرب طويلة”.
ولفت العميد عباس الى ان” الدعم الذي تلقاه الكيان من امريكا والكيان عسكريا وماديا غير مسبوق وبخاصة في مواجهة حركات مقاومة ،وقد اعتبرها الغرب معركته وخاضها دفاعا عن نفسه ومصالحه ،وهذا يدحض السردية التي عممها بعض الكتاب والمحللين عن كون الكيان اصبح عبئا على داعميه الغربيين وانه بدل ان يحمي المصالح الغربية اصبح هو نفسه بحاج لحماية ،مركزين فقط على البعد المصلحي ومتناسين البعد الايديولوجي وراء دعم امريكا والغرب له”.
المصدر: موقع المنار