“عندما بدأنا هذا الطريق كنا نعرف أن تكاليفه صعبة جدا، لكن هذا هو واجبنا و خيارنا المقدس”. هذه الصورة حملها الشقاقي نصب عينه، واستمر في طريقه الجهادي، غير مكترث بالمخاطر المحدقة والتي يعي تماماً أنها ستصيبه يوماً لا محال، مارس عمله بأعلى درجات الإيمان، عازماً ومضحياً حتى بروحه كما أفنى عمره في سبيل الله والوطن.
من هو فتحي إبراهيم الشقاقي “أبو إبراهيم”
ابن يافا في الأصول ومخيم رفح للاجئين الفلسطينيين بالولادة والمنشأ، طبيب ومفكر ومناضل مثقف، بدأ حياته السياسية في جامعة الزقازيق مع مجموعة من رفاقه في العمل وذلك إبان نكسة حزيران 1967 من القرن الماضي. أدرك في لحظة احتلال الكيان الصهيوني لأجزاء أكبر من أراضي فلسطين أن النضال يجب أن يأخذ بعداً أكبر من العمل السياسي، وكانت من هنا بوادر الفكر الجهادي في حياة هذا الرجل الوطني بامتياز، أكمل حياته الدراسية وعمل طبيباً، وكان مناضلاً مثقفاً، واتجه في خط إسلامي بعد أن غيرته النكسة عن ميله للفكر الناصري الذي تفتح عليه منذ سن الخامسة عشرة.
وخلال عمله السياسي في جامعة الزقازيق في مصر، لاحقته السلطات المصرية بتهمة ممارسة النشاط الديني، حيث اعتقل مرتين، إلى أن غادر مصر نحو فلسطين سراً. تأثر الشقاقي بمبادئ الثورة الإسلامية في إيران، ورأى بفكر ومنهج الإمام الخميني الثوري طريقاً أكثر نجاعة، بعدها أيقن أن فلسطين لا يمكن تحريرها إلا بالسلاح والكفاح المسلح، دون أن يغفل نشر الثقافة.
الشقاقي الرجل الثوري الجهادي.. مؤسساً قائداً وأميناً عاماً
لقد نادى الشهيد الشقاقي بأن “فلسطين هي جوهر الصراع الكوني بين تمام الحق وتمام الباطل, ففلسطين هي القضية المركزية للأمة جمعاء”. ويعد الشهيد الشقاقي أول من نادى بضرورة الجهاد اللحظي وعدم تأجيله تحت أي ظرف كان، وهو بادر إلى تأسيس وإنشاء أول تنظيم إسلامي مسلح يجاهد على أرض فلسطين وينطلق من رؤية إسلامية خالصة ضن مشروع حضاري إسلامي، ويرفض الصراع الفكري بين العلمانيين والإسلاميين. وكذلك دعا إلى حل الاجتهادات في الساحة الإسلامية عبر الحوار والممارسة الصحيحة وتوجيه كافة الجهود والطاقات للصراع والمواجهة مع العدو المركزي للأمة “العدو الصهيوني”.
هذه الأفكار، جعلت من الشقاقي قائداً حقيقياً، وتأثر الكثيرون بفكر ونهج الدكتور الشقاقي كمؤسس ومجاهد. وقد كان للشهيد فتحي الشقاقي دور البارز في الضلوع بالكثير من العمليات الجهادية والاستشهادية التي هزت أمن الكيان الصهيوني ومنها عملية “بيت ليد” التي وصفت بـ “المعجزة” والتي أدت إلى مقتل 24 صهيونياً وإصابة 100 آخرين. العديد من عمليات الطعن في بداية الثمانينيات.
أبو ابراهيم شهيداً.. اغتيال فتحي الشقاقي في الخارج
لم تتكشف ملابسات الطريقة التي صدرت فيها أوامر وخطة اغتيال الشقاقي إلا بعد سنوات من استشهاده، وكانت العملية من أصعب العمليات التي أخذت وقتاً وجهداً في البحث والتخطيط إضافة إلى المحاذير ومغبة الإقدام على الخطوة من حيث المكان. أصدر رئيس حكومة الكيان الصهيوني اسحق رابين، الأمر باغتيال الشقاقي “في أعقاب تنفيذ الجهاد الإسلامي عملية “بيت ليد”. بدأ “الموساد” الاستعداد لاغتيال الشقاقي، عن طريق وحدة تسمى “خلية قيسارية”. كان الشقاقي، قبل تنفيذ عملية “بيت ليد”، تحت الرقابة الصهيونية لسنوات طويلة، لذا استطاع “الموساد” في حينه، وبعد أوامر رابين، أن “يحدد مكان الشقاقي في دمشق”.
ولكن قبل الإقدام على هكذا خطوة في دمشق حذر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الصهيوني آنذاك أوري ساغي، من مغبة هذه العملية، معتبراً أنَّ عملية كهذه “ستؤدي إلى غضب سوري كبير”. حينها أمر “الموساد” بتجهيز خطةٍ بديلة لاغتيال الشقاقي في مكان غير دمشق. وجد “الموساد” صعوبة في هذا الشأن إلا انه عمل كما يريده رابين.
كان الشقاقي على علم بأنَّه ملاحَق، لذا لم يخرج كثيراً من دمشق، حسبما قال الصهاينة. في بداية شهر تشرين الأول من عام 1995، حسب رواية “الموساد”، تلقى الشقاقي دعوةً إلى المشاركة في ندوة في ليبيا، ومن خلال المراقبة الطويلة والملاحقة علم الموساد أن الشقاقي يسافر عن طريق مالطا. عاد الشقاقي إلى مالطا، وعرف «الموساد» أنَّ الشقاقي يستعمل جواز سفر ليبياً باسم ابراهيم الشاويش.
وفي مدينة “سليما” بمالطا، وفي يوم الخميس 26/10/1995م اغتيل فتحي الشقاقي، وهو عائد إلى فندقه، بعد أن أطلق عليه أحد عناصر الموساد الإسرائيلي رصاصتين على رأسه من جهة اليمين، اخترقتا الجانب الأيسر منه، وتابع القاتل إطلاق الرصاص عليه، فأصابه بثلاث رصاصات أخرى في مؤخرة رأسه ليرتقي شهيدًا مضرجًا بدمائه.
وقد شيع جثمانه يوم الأربعاء 1 / 11 / 1995 م إلى مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، بالقرب من العاصمة السورية دمشق.
عندما يكون القائد نهجاً.. تستمر المسيرة بإنجازات متصاعدة وحركة الجهاد مستمرة
أسس الشقاقي حركة الجهاد ورحل شهيداً فداء فلسطين، واستمرت مسيرته بشكل يزداد تطوراً وقوة، وبقيت حركة الجهاد الإسلامي على نهج ما خطط له الشقاقي مع رفاقه. لم تكن العمليات الاستشهادية وهي كثيرة جداً وحدها ما ميز عمل الحركة، إنما كانت هناك عمليات لا تقل أهمية، وكانت ذات تأثير كبير في العمل الثوري، ومنها ما فجّر “انتفاضة الحجارة”، حيث برز دور للشهيد الشقاقي في إشعالها، خاصة أنها انطلقت من غزة.
في (6/10/1987) سجل التاريخ أسماء الأبطال محمد الجمل وسامي الشيخ خليل وأحمد حلس وزهدي قريع، في واحدة من أهم العمليات التي رسمت معالم جديدة في تاريخ الشعب الفلسطيني. والحدث أن أربعة من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين خاضوا معارك ضارية في الشجاعية شمال قطاع غزة، ضد قوات الاحتلال الصهيوني، وفي هذا الاشتباك قتل الضابط في مخابرات الاحتلال “فيكتور أرغوان” وأصيب عدد آخر من جنوده، قبل استشهاد الأبطال الأربعة المشتبكين.
وهذه العملية كانت الفتيل الأساسي لإشعال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والذي امتد لاحقاً إلى مناطق عدة من شمال غزة أبرزها مخيم جباليا وسرعان ما انتشر في عموم فلسطين المحتلة. لم تتوقف الأمور هنا، بل استمرت حركة الجهاد الإسلامي التي أسسها فتحي الشقاقي ورفاقه عام 1979 في العمل الجهادي، وآثرت انتهاج الكفاح المسلح بعيداً عن العمل السياسي والحياة السياسية، وهذا ما نصه ميثاق الحركة بالتأكيد على استمرار هذا النهج حتى خروج آخر صهيوني من فلسطين وتحرير كامل ترابها.
استمرت العمليات وشملت مساحات واسعة من فلسطين المحتلة، وما سهل الأمر أن الحركة تنتشر بين غزة والضفة الغربية وهذا ما ساعد توسع العمل الفدائي المسلح، ففكر الشقاقي لم يقف عن تقسيمات أو حد معين.
بالفيديو | من وصايا الشهيد فتحي الشقاقي
أبرز محطات حركة الجهاد الاسلامي النضالية
خاضت حركة الجهاد الإسلامي منذ تأسيسها عشرات المعارك، ونفذت مئات العمليات، والتي كان لها وقعها على الكيان، إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، من العمليات الاستشهادية إلى الاشتباكات المسلحة والمعارك الكبيرة، والأخطر كان إدخال العمل الصاروخي وتطويره فيما بعد للقيام بتطويره ورفع فعاليته في المعارك الكبيرة، ما دفع الاحتلال لاحقاً للقيام بالعديد من عمليات اغتيال قادة من الجهاد الإسلامي.
ومن أبرز المعارك التي خاضتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين المحتلة خلال مسيرتها الجهادية ضد الكيان الصهيوني، معركة “بشائر الانتصار” حيث قدمت 14 شهيداً من الوحدة الصاروخية، وأيضا معركة “السماء الزرقاء” ومعركة “كسر الصمت” ومعركة “البنيان المرصوص”. وتجدر الإشارة بأن سرايا القدس أول جناح عسكري استعمل راجمات الصواريخ ضد الاحتلال الصهيوني، كما انها أول جناح عسكري قصف مدينة تل أبيب في معركة السماء الزرقاء عام 2012.
وسجل التاريخ في مسيرة سرايا القدس، معركة السماء الزرقاء بدأت في 14 تشرين الثاني 2012 ردا على العدوان الصهيوني المتصاعد ضد قطاع غزة، وأطلقت خلالها “سرايا القدس” 620 صاروخا وقذيفة شملت أنواع من صواريخ “فجر 3″ و”فجر 5″ و”قدس” و”كورنيت” و”غراد” و”صواريخ 107″ وقذائف “الهاون” وغيرها.
بعدها جاءت معركة البنيان المرصوص في تموز 2014، واستمرت 51 يوما، قاتلت فيها “سرايا القدس” إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية لصد العدوان على غزة وساهمت بكل تشكيلاتها ووحداتها العسكرية والصاروخية.
وفي يوم 12 تشرين الثاني 2019 شنت الجهاد الإسلامي معركة صيحة الفجر، استمرت المعركة 3 أيام أُطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية، وتم قصف العمق الإسرائيلي، وأُدخل إلى الخدمة لأول مرة في تلك المعركة صاروخ “براق 120” بعيد المدى.
وبرزت الحركة في معركة “سيف القدس” في (10 أيار 2021) عقب استيلاء مستوطنين على بيوت مواطنين مقدسيين في حي الشيخ جراح واقتحام المسجد الأقصى.
في 7 أكتوبر 2023 دخلت حركة الجهاد الإسلامي معركة طوفان الأقصى مباشرة بعد اعلان قائد كتائب القسام محمد الضيف عنها، وكانت الجهوزية عالية. وهي الآن تخوض أشرس المواجهات مع قوات الاحتلال في مناطق فطاع غزة، إلى جانب المجاهدين في باقي الفصائل وعلى رأسها كتائب الشهيد عزالدين القسام.
وكبدت السرايا العدو الصهيوني خسائر كبيرة في العتاد والعديد، ودونت في سجلاتها مئات العمليات البارزة منها القنص واستهداف الآليات والاشتباكات وقصف المستوطنات وضرب الهاون على تجمعات العدو والكمائن وغيرها من العليات البطولية، التي ربما لن يستطيع الإعلام إحصائها قبل انتهاء المعركة التي قدمت فيها حركة الجهاد بطبيعة الحال الكثير من الشهداء، أسوة ببااقي المجاهدين من الفصائل الأخرى التي تشاركها الجبهات.
كما وتشارك حركة الجهاد الاسلامي – ساحة سوريا، في معركة طوفان الأقصى انطلاقاً من الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، وهي قدمت في هذا الطريق عشرات الشهداء، الذي تم تشييعهم في مخيمات اللاجئين الفلسطنيين في سوريا، وسط تأييد جاهيري لهذا الخط في الصراع مع العدو الإسرائيلي.
المصدر: موقع المنار