أدخلت المقاومة الإسلامية في لبنان مدينة حيفا إلى جدول نيرانها اليومي، حيث تدوي صافرات الانذار بها على مدى ساعات خلال النهار، وفي أوقات مختلفة، وتتساقط فيها الصواريخ والمسيرات، مع ما يعنيه هذا من تعطيل للنشاط التجاري والإقتصادي في المدينة الاستراتيجية الواقعة شرقي المتوسط.
وتطال صواريخ المقاومة ومسيراتها بالإضافة إلى مدينة حيفا وتجمع الكريوت في شمالها، قواعد عسكرية اسرائيلية، وأبرزها: مستعمرة “كريات آت”، قاعدة “طيرة الكرمل”، قاعدة “ناشر”العسكرية، قاعدة “نشريم”، قاعدة الدفاع الجوي الرئيسية في كريات إيلعيزر، منطقة زوفولون، قاعدة “ستيلا ماريس” البحرية، قاعدة “7200”، معسكر تدريب للواء غولاني في “بنيامينا”، قاعدة “الكرمل”، معسكر “إلياكيم”، مجمعات الصناعات العسكرية في “زوفولون”، قاعدة “عميعاد”.
فاجأت المقاومة الإسلامية الكيان الإسرائيلي عندما وضعت حيفا هدفاً يومياً لصواريخها، تماماً كـ “كريات شمونة”، بعد أن أعلن قادة جيشه وساسته القضاء على القدرة الصاروخية لدى حزب الله، فإذا به يهدد وينفذ بتوسيع دائرة النيران، بصواريخ نوعية ودقيقة، ومسيرات حديثة، أصابت أهدافها العسكرية بدقة.
فاصل | #حزب_الله.. هدد ونفذ
وها نحن ننتقل إلى مرحلة جديدة وتصاعدية pic.twitter.com/ECUeyRh1xA— قناة المنار (@TVManar1) October 19, 2024
في حين من المبكر الحديث عن الأهداف السياسية لضربات المقاومة، فإن أهدافها العسكرية باتت واضحة، فهي توجه رسالة بأن سلاح المقاومة قادر على تخطي الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وأنظمة انذارها المبكرة، والتي تحولت إلى رعب للمستوطنين، كلما سمعوا صافراتها، في حين أن فعاليتها العسكرية تضعف يوماً بعد يوم، مع ما يعنيه هذا الأمر من تراجع مبيعات هذه الأنظمة في العالم، وبالتالي اضعاف سمعتها التجارية.
بالإضافة إلى تحطيم صورة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي، فإن قدرة المقاومة على إطلاق هذه المسيرات والصواريخ إلى عمق مدن الشمال الفلسطيني المحتل، يعكس اخفاقاً لأنظمة المراقبة الإسرائيلية، كون منطقة الإطلاق في لبنان تحت رقابة الأقمار الصناعية والمسيرات، التي تنقل الأحداث في مناطق المواجهة إلى غرف العمليات الإسرائيلية.
عسكرياً أيضاً، تبرهن عمليات المقاومة الإسلامية، أن بنك أهدافها ممتلئ، وفي جعبتها العديد من المواقع العسكرية والتجارية والإقتصادية لاستهدافها، وهي تتدرج في استخدام تلك الأوراق، بالتوازي مع ادخال صواريخ جديدة بمديات مختلفة، بدءاً من صاروخ “M80” ذو مدى يبلغ “3.3 كلم” وصولاً إلى صاروخ “قادر 2” الباليستي بمدى يصل إلى “250 كلم”، أي كامل الساحل الفلسطيني المحتل، وما بينهما صواريخ فادي بنسختيه، وصاروخ “نصر1” الذي يصل بمداه إلى “150 كلم”.
بالمقابل، يبدو أن الكيان الإسرائيلي قد استنفد بنك أهدافه الرئيسي خلال شهر من العدوان، بالإضافة إلى الأشهر السابقة منذ بدء معركة “طوفان الأقصى”. ورغم قدراته الاستخباراتية، فإن المقاومة قادرة على تضليل العدو وحماية مراكزها من القصف المعادي.
وتؤكد ضربات المقاومة في حيفا أن قدراتها الصاروخية والتي زعم الكيان أنه دمر ثلثيها، لم تستخدم بعد. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن حزب الله أطلق على كيان الاحتلال في حرب تموز عام 2006، نحو 4 آلاف صاروخ، في حين أنه كان يمتلك بحسب التقديرات نفسها نحو 15 ألف صاروخ، في حين يبلغ عدد الصواريخ التي يمتلكها حزب الله بحسب مراكز دراسات أوروبية بنحو (200 ألف) صاروخ، بينها آلاف الصواريخ الباليستية الدقيقة.
وعلى صعيد الأبعاد النفسية لقصف حيفا، فإنها تهدف إلى اضعاف الروح المعنوية لدى جنود العدو، وافقاد ثقتهم بقيادتهم، التي توهمهم بقدرتها على حمايتهم، من خلال التفوق التسليحي والتكنولوجي، فجاءت ضربة “بنيامينا”، لتستهدف جنود لواء غولاني في غرفهم المحصنة، فكيف بالميدان؟
توسيع دائرة فرار الصهاينة من مناطق حيفا، ليس الهدف الوحيد لتوسيع حزب الله دائرة النيران، فمن ضمن الأهداف هي زعزعة ثقة الصهاينة بحكومتهم، التي وضعت هدفاً لها من خلال عدوانها على لبنان بإعادة مستوطني الشمال، فهي الآن أمام معضلة تتعلق بفرار الصهاينة من مناطق حيفا، خصوصاً في منطقة “الكريوت”.
وتضم هذه المنطقة التي تقع في خليج حيفا، تكتلا لـ 6 مستوطنات، هي: كريات يام، كريات بياليك، كريات موتسكين، كريات آتا، كريات حاييم وكريات شموئيل، وتحوي نحو (250 ألف) مستوطن، وتعتبر منطقة سياحية وصناعية هامة، وفيها أيضاً شركة رافائيل للصناعات العسكرية وعدد من القواعد العسكرية.
وتتعرض هذه المنطقة إلى ضربات صاروخية يومية، ويضعها هي الاخرى في دائرة نيران المقاومة، فهي القاعدة الخلفية لمدينة حيفا، ما أدى الى ترك آلاف المستوطنين هناك للمنطقة، والذهاب إلى مناطق في الوسط. وفي حين تغيب الأرقام الرسمية والدقيقة عن أرقام الفارين الصهاينة، الجدد من منطقة حيفا، فإن اطلالة صغيرة على واقع المناطق الحدودية، يكشف مصير الكريوت.
في احصاء نشرته مديرية “الأفق الشمالي” الرسمية الإسرائيلية، فإن (930) منزلا ومبنى تضرر بالكامل في 86 مستوطنة بالمناطق الشمالية، حيث هرب منها نحو 70 ألف مستوطن. كما لحقت أضرار وخسائر كبيرة بالبنى التحتية، بالإضافة للحقول والمزارع ومشاريع تربية الدواجن والأبقار.
ويقدّر المسؤولون الصهاينة أن سكان المستوطنات التي تعرضت لأضرار جسيمة لن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، إلا بعد مرور عام على انتهاء الحرب، نظرا للحاجة إلى ترميم الدمار الناجم عن المواجهة. مع الإشارة إلى أن هذه الارقام رسمية، ولا تعكس الخسائر الحقيقية للكيان.
بالإضافة إلى الصواريخ، فقد فاجأت المقاومة كيان العدو بمسيراتها، التي زودت بتقنيات حديثة، تمكنها من تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية، خصوصاً تلك التي ضربت جنود لواء غولاني في “بنيامينا”، حيث أدركت “تل أبيب” بأنها غير محصنة أمام هذا النوع من السلاح، والمؤثر في فعاليته، كما أن الأنظمة المضادة للصواريخ، يبدو أنها غير فعالة لمثل هكذا مسيرات. وعرض الاعلام الحربي مشاهد تتضمن بداية اطلاق الصواريخ لاشغال أنظمة الدفاع الجوي، ومن ثم اطلاق المسيرات التي وصلت إلى أهدافها.
وأضعفت ضربات المقاومة على مدينة استراتيجية كحيفا، هيبة الجيش الإسرائيلي، الذي يخفق في تأمين الحماية لثالث أكبر مدنه، وبالتالي يجعل مهمة تأمين الاستقرار لها أكثر صعوبة، بالمقابل، فإن المقاومة تبثت قدرتها على ايلام الكيان، وتوجيه ضربات مؤلمة له في العمق المحتل.
يأتي الفشل الإسرائيلي هذا، بعد شهر على بدء الجيش الإسرائيلي عدوانه الجوي على لبنان، بعد تنفيذه سلسلة من العمليات التي ظن الاحتلال أنها قد تعتبر قاصمة للمقاومة الإسلامية، وأبرزها تفجير اجهزة البايجر، واللاسلكي، والتي اتبعها باغتيال عدد من القادة في المقاومة، وصولاً إلى الأمين العام السيد الشهيد حسن نصرالله.
وبعد شهر من هذه الأحداث، تعلن المقاومة عن مرحلة جديدة وتصاعديّة في المواجهة مع العدو الإسرائيلي، لم تكشف عنها، بل تركت الأمر لمجريات الميدان، وهي أكدت أن استهداف قواعد عسكرية ومستوطنات في عمق شمال فلسطين المحتلة، بتدرج يتصاعد يوما بعد يوم.
ومنذ بدء العدوان الجوي على لبنان في (23-9-2024)، كشفت المقاومة عن عدد من الصواريخ، وأبرزها: قادر1 (25-9-2024)، قادر2 (16-10-2024)، نصر1 (16-10-2024)، M80 (19-10-2024)، نصر2 (21-10-2024).
التدرج في الاستهداف والذي تعتمده المقاومة في ردها على العدوان الإسرائيلي، يشير إلى أن حزب الله ماضٍ في تصاعد بالعمليات، وأن الصواريخ قد تطال أهدافاً أخرى في حيفا ومؤلمة أكثر للكيان، وأيضاً قد تصل إلى مناطق أبعد من حيفا، وتل أبيب قد لا تكون ببعيدة، بالنظر إلى مدى الصواريخ التي تكشف عنها المقاومة، وقدرتها التدميرية.
وتلجأ المقاومة عبر اتباعها هذا الأسلوب، في ادخال العدو في حرب استنزاف يخشاها العدو، نظراً إلى تجربته السابقة بين عامي (1967-1970) على الجبهة المصرية، إذا ما قرر إطالة أمد المعركة الدائرة حاليا. كما أن التدرج في العمليات يجعله العدو يجهل الأهداف المقبلة، في حين أن ادارة الجيش الاسرائيلي للحرب، باتت مكشوفة أمام قيادة المقاومة، إن كان على صعيد العملية البرية، أو في الاعتداءات الجوية.
المصدر: موقع المنار