هنالك سلوك إنساني لليهود في العالم ينبع من الثقافة الموروثة في اصل بناء مملكة “إسرائيل” وإعادة أحياء الهيكل المزعوم تحضيراً لظهور المسيح مجدداً أو المسيح الحقيقي الذي يعتقد اليهود بأنه لم يأتِ بعد، كما أن هنالك أيضا موروث ثقافي ينبع من العهد القديم والجديد (يعتقد به الإنجيلين) بوجوب إقامة دولة لليهود في ارض ” إسرائيل ” من اجل عودة المسيح الدجال.
ويتفق الجانبان على عودة المسيح بغض النظر عن صفاته بحسب كل معتقد لهم، كما يتفق الجانبان على أن هنالك مخلص سيأتي على ارض ” إسرائيل ” ، ويعتقد كل طرف منهما أن المسيح القادم سيدعو الى ديانته (أي اليهود لليهودية والإنجيلين للمسيحية).
لذلك لا بد للباحث من جمع مشهد ذهني لصورة مكتملة بقدر الإمكان لما ورد أعلاه ولما سيأتي في السطور التالية ليتنبأ بالأحداث المستقبلية.
خرج الحديث عن بناء دولة ” إسرائيل ” المزعومة في مكان تواجد ارض فلسطين في المؤتمر الصهيوني الأول في سويسرا بزعامة ثيودور هرتزل في بتاريخ 29/أغسطس /1897، وتم الاتفاق على أن تبنى الدولة اليهودية في ارض فلسطين. ولاحقاً ومن خلال وعد بلفور الذي أصدرته الحكومة البريطانية والذي نص على دعم تأسيس وطن قومي لليهود في ارض فلسطين بتاريخ 2نوفنبر 1917.
هذان الحدثان لم يكونا بعيدين عن الموروثات الدينية والثقافية للغرب ولكن تبلورت الفكرة في حينه لبدء دعم تنفيذ خطة سايكس – بيكو السرية التي وُقعت بين فرنسا وبريطانيا وحازت على موافقة الإمبراطورية الروسية من اجل تقسيم منطقة الهلال الخصيب وتحديد مناطق النفوذ للإمبراطورية الروسية في غرب أسيا التي كانت الدولة العثمانية تحتلها.
تطورت فكرة الحفاظ على المصالح الحيوية خارج الحدود للدولة الصاعدة حديثا الى الساحة العالمية وهي الولايات المتحدة وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتم وضع أصول وقواعد للعمل على الحفاظ على المصالح والنفوذ خارج حدود الدولة، بحيث كانت نتيجة الحرب العالمية الثانية إعادة رسم التهديدات والاحتياجات لهذه الدول خارج حدوها وكيفية الحفاظ عليها ومنع التهديد المستقبلي.
أول من صرح بذلك الرئيس الأمريكي ترومان من خلال خطاب في الكونغرس الأمريكي في 12 مارس 1947، حيث قال “فإذا تهاونا في زعامتنا فإننا نضع سلام العالم في خطر ونحيط رفاهية امتنا بالخطر”. كذلك تم اعتماد الخطاب ليتحول لاحقاً الى مبدأ ترومان والذي يعتمد على احتواء التوسع الجيوسياسي للاتحاد السوفييتي ودعم الدول التي تناهض الشيوعية والحفاظ على المصالح والنفوذ العالمي للولايات المتحدة الأمريكية، كما أضاف رئيس أركان التاج البريطاني فولر نظرية الحرب المستقبلية التي قال عنها أنها حروب تعتمد على جيش صغير ذكي.
وبدأت عقائد القتال الغربية تظهر الى حيز الوجود وكان أهمها: نظرية الردع النووي نظرية الاحتواء والتفتيت من الداخل- نظرية الصدم والترويع – نظرية الحرب الناعمة لاحقا- نظرية الإنذار المبكر -نظرية نقل المعركة الى ارض العدو – نظرية الحسم السريع الخ.
في هذه المرحلة التي انقسم فيها العالم الى معسكرين الناتو ووارسو وتحكمت الولايات المتحدة بالناتو والاتحاد السوفييتي بوارسو. اعتمد حلف وارسو على الشيوعية التي ربطها بثقافة الشعوب التي تنضوي تحت رايته ولا يمكنه جعلها ثقافة تؤدي الى سلوك وقام بمحاولة جعل كافة دوله وشعوبها تعتمد هذا المبدأ والذي تهاوى في العام 1990 عند انهيار الاتحاد السوفييتي باستثناء الصين التي التفتت الى ذلك في العام 1976، واعترفت بخمسة أديان يُسمح بممارسة شعائرها وهي البوذية، والطاوية، المسيحية (كاثوليك وبروتستانت) والإسلام، وادخلت نظام مالي مرن غير شمولي أدى الى بقاء الحكم لغاية كتابة هذه السطور.
حلف الناتو اعتبر منطقة غرب أسيا (حوض البحر المتوسط سميت المياه الدافئة) ودول الخليج الفارسي وايران هي مناطق نفوذ وسيطرة تؤمن له المصالح الحيوية على المدى الطويل ويجب منع روسيا ولاحقاً الصين من السيطرة عليها.
هنا ظهرت الحاجة الفعلية لدعم وجود ما يسمى دولة إسرائيل وتعزيزها إضافة الى ايران الشاه (في حينه) لتصبح المنطقة تحت النفوذ العسكري والسياسي والأمني للولايات المتحدة والناتو.
كما اعتبرت أمريكا أن الصين قد أصبحت تهديد استراتيجي اقتصادي وتهديد عسكري للساحل الغربي للولايات المتحدة ( كما فعلت اليابان في بيل هاربر ) والذي يضم ولاية واشنطن وأوريغون وكاليفورنيا وألاسكا وهاواي والذي تبلغ مساحته الإجمالية 2.374.231 مليون كلم مربع وعدد السكان يبلغ قرابة 36.850.000 مليون نسمة. مما أدى الى أن تقوم الولايات المتحدة بدعم كوريا الجنوبية وتايوان بشكل رئيسي لتصبحا ” إسرائيل ” المحيط الهادي وبحر الصين. كما حضرت الأساطيل الأمريكية الى بحر الصين وشبه القارة الاسترالية بشكل مباشر لمنع التهديد ومنع التمدد الصيني.
في أوروبا قامت الولايات المتحدة والناتو بالتمدد شرقاً ومنع الروس من تهديد أوروبا الى أن وصل الناتو حاليا ًالى الحدود الروسية وضم هذه الدول الى الناتو ليصبح على مشارف موسكو.
في خضم هذه الأحداث والحروب من خليج الخنازير الى كوريا الى فيتنام حصل ما لم يكن بالحسبان، انتصرت الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني في شباط من العام 1979 وأعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووضع في دستورها أنها دولة الإمام المهدي.
كمحايد وكاتب لهذه السطور اعتبر أن المصالح والنفوذ للدول تنبع من امرين، الأول موروث ديني ( ثقافي )، والثاني حاجات حيوية ومصالح استراتيجية.
لم يتنبأ الغرب والشرق بالحيثية التي ستشكلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المستقبل، حيث ظن الجميع أن هذا النموذج من الحكم ولىّ عليه الزمن وهذا المولود سيكون عمره قصير.
ثم أتت الحرب العراقية الإيرانية مدعومة من الشرق والغرب لتغيير وجه النظام ودعم حركات في الداخل لمحاولة إنهاء الثورة ولم تحصل النتائج التي كان الغرب يتمناها. ولاحقاً الحروب على لبنان والانتفاضات الفلسطينية والحرب على أنصار الله في اليمن الى أن حصلت معجزة 7 أكتوبر.. نعم معجزة هزت الغرب والشرق اثبتت ان العين تقاوم المخرز وان الدفاع عن الأرض والعرض واجب مقدس تحفظه شرائع السماء والأرض معاً، نعم هذه المعجزة ضربت كل أحلام هرتزل منذ 29 أغسطس -1897، وضربت مشروع الحرير الهندي وصلح أبراهام المزعوم كما قال بايدن.
العالم الأن اصبح أمام معسكرين. وبشكل غير محايد بل مؤيد الى معسكر الحسين عليه السلام كما وصفه سماحة القائد ووجود هذا المعسكر على مساحة تمتد من اليمن الى فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وايران ومعارض لمعسكر يزيد الذي اصبح من الواضح أن الشيطان الأكبر (وصف الإمام الخميني لأمريكا) يتزعمه.
نردد بكل بساطة ما قاله الحسين عليه السلام عام 61 للهجرة، “والله لن نعطيكم إعطاء الذليل ولا نقر إقرار العبيد”.
- باحث في الشؤون الاستراتيجية والجيوبوليتيك
المصدر: بريد الموقع