أصدرت الدول الثلاث الوسيطة (مصر، قطر، الولايات المتحدة)، في ملف المفاوضات الغير المباشرة بين العدو الاسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، حيث العدوان مستمر منذ 308 يوماً، بياناً مشتركاً أمس، أبرز ما جاء فيه أنه “حان الوقت لوضع حدّ وبصورة فورية للمعاناة المستمرّة لسكان قطاع غزة وللرهائن وعائلاتهم، وللانتهاء من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين”، معلنين استعدادهم “إذا اقتضت الضرورة لطرح مقترح نهائي لتسوية الأمور المتعلّقة بالتنفيذ”.
البيان أشار إلى دعوة الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، إلى “استئناف المحادثات في 15 آب/ أغسطس في الدوحة أو القاهرة لسدّ الثغرات المتبقية”، متابعاً أن “الاتفاق يستند إلى المبادئ التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن في 31 أيار/ مايو ودعمها قرار مجلس الأمن 2735”.
يوحي البيان أعلاه لغير المطلع على تفاصيل مسار المفاوضات، أن العدوان الوحشي المستمر على غزة والذي أودى حتى اللحظة بحياة أكثر من أربعين ألفاً معظمهم من الأطفال، على مسافة قريبة من النهاية.
النهاية التي من المحسوم أنها مرتبطة بإقرار اتفاق يتضمن تفاصيل كثيرة لحل عقد كبيرة من اتمام صفقة تبادل للأسرى بين الطرفين (هنا حتى فترة ليست ببعيدة لا زال العدو متعنتاً لجهة تحديد هوية وعدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم اطلاق سراحهم)، إلى موضوع مصير شمال القطاع الذي لا زال العدو يضع عقبات أمام هوية وأعداد العائدين إليه من النازحين، إلى وجود الاحتلال في محوري نتساريم وفيلادلفيا، ومصير معبر رفح الحدودي الذي لا زال تحت سيطرة الاحتلال ايضاً (المقاومة تعتبر بقاء الاحتلال في القطاع أمراً مرفوضاً بشكل مطلق، خصوصاً بعد تطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق)، إلى موضوع الوقف الكامل لاطلاق النار واعطاء ضمانات في هذا الاطار، وهذا شرط أساسي لدى المقاومة.
لهذا الشرح المختصر للشروط والبنود الأساسية لاتمام أي اتفاق، هدفٌ واحد، وهو وضع تفسير منطقي لكمية الهواجس والشكوك التي تحيط بالبيان المستجد والمعلن عنه من قبل الوسطاء الثلاثة خصوصاً في هذه المرحلة الشديدة الحساسية من عمر الحرب والصراع، حيث وصلت الأمور إلى حافة حرب اقليمية، وبعد ذهاب العدو إلى خيار تجاوز الخطوط الحمراء والتصعيد العسكري باغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس الشهيد اسماعيل هنية في العاصمة الايرانية طهران (المسؤول الأول عن ملف المفاوضات بالمناسبة)، والقائد الجهادي في حزب الله الشهيد السيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
لتوضيح ما نتحدث عنه أكثر، نطرح الأسئلة التالية: ما الذي حدث حتى تبددت العراقيل، في أيام معدودة، وأصبح الحديث عن اتمام اتفاق أمر مرتقب ووارد وقريب؟ أي تنازلات سيقدمها نتنياهو؟ هل تعهد الأخير بالموافقة على أي من شروط المقاومة؟ هو نفسه الذي طالب واشنطن قبل مغامرته في الضاحية وطهران بتقديم تعهد خطي بإمكانية استكمال الحرب على القطاع بعد اتمام المرحلة الأولى من الاتفاق في حال لم ترق له الأمور، وهو نفسه الذي قال بعد مغامرته إنه ماض في حربه حتى تحقيق “انتصار”، وعلى الاسرائيليين “التحلي بالصبر”، وهو نفسه من يكمل جيشه عملياته العسكرية شمال القطاع وجنوبه في خانيونس، مع قصف عنيف لا يتوقف.
ماذا بالنسبة للمقاومة؟ الكل يعلم، العدو والصديق، أنها وبعد اغتيال هنية، اعتبرت أن الأمور دخلت مرحلة جديدة، قالتها علناً، وقالتها بشكل أكثر وضوحاً من خلال انتخاب رئيسها في غزة وأحد مهندسي عملية “طوفان الأقصى” يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي، بديلاً للشهيد هنية، وبالتالي مسؤولاً عن المفاوضات. وهنا نسأل: أي تنازلات سيقدمها السنوار، الرجل الذي يمكث في غزة تحت النار، الأمني العسكري المقاوم؟
رئيس حماس في قطاع غزة يحيى السنوار يجلس فوق انقاض منزله الذي دمره الاحتلال في العدوان الأخير pic.twitter.com/MEmNDIUakK
— شبكة فلسطين للحوار (@paldf) May 27, 2021
ماذا وراء بيان الوسطاء إذاً؟ ماذا خلف جرعة التفاؤل المريبة؟ وكيف ستسدّ جولة الـ 15 من آب/اغسطس “الثغرات المتبقية”؟ كيف ستسدّها في وقت ينادي فيه أحد أهم أركان البيان (الولايات المتحدة) بتشكيل “حلف دفاعي” في المنطقة لحماية العدو الاسرائيلي خلال المواجهة مع ايران أو حتى حزب الله، وسط ارسال تعزيزات عسكرية غير مسبوقة إلى المنطقة.
وسط هذه التساؤلات، لا بد من تكبير الصورة لتشمل المنطقة كلها. هذه المنطقة التي تترقب رداً قريباً من ايران واليمن وحزب الله “آت لا محالة” بتأكيد كل قياداته. هذا الرد الذي ترسل بسببه يومياً الرسائل عبر وسطاء أو مباشرة، تحديداً إلى المقاومة في لبنان وإلى القيادة في طهران، للقيام برد “لا يؤدي إلى مواجهة”، أو الانتظار. انتظار ماذا؟ انتظار “اتفاق سحري” بات وشيكاً، حسبما أسرّت واشنطن وأعلنت في الأيام الأخيرة، اتفاق حسب زعمها يؤدي إلى هدنة تكون بداية لوقف الحرب على غزة، وهو كما بات معلوماً الشرط الأساسي لكل جبهات الإسناد منذ دخولها على خط الحرب منذ أشهر.
هنا بيت القصيد. وانطلاقاً من ذلك، يجوز منطقياً طرح الفرضية التالية: حلفاء “اسرائيل” يخوضون مناورة جديدة لإخراجها من مأزقها. أي إبعاد شبح المواجهة الشاملة والواسعة عنهم وعنها. إخراجها عقب مغامرتها في الضاحية وطهران بأقل الخسائر الممكنة، وذلك بالقول انتظروا فإن العدوان الظالم سينتهي، وبحال الرد، سيكون محور المقاومة هو من منع “السلام” عن أهل القطاع.
إنها مناورة ذكية، “خداع بناء”، بحسب ما عنونت صحيفة الأخبار اللبنانية اليوم، لكن المقاومة تعلم، وأهل غزة يعلمون، أن لا سلام بشروط نتنياهو وحلفائه وأن سلامهم وإرساء معادلات ردع العدو لا تأتي إلا من فوهات البنادق ورؤوس الصواريخ المتفجرة التي سترسم معالم المرحلة ومعالم المنطقة، بعدها تتم المفاوضات وتحسم الصفقة، لصالح من قاوم وضحى وصمد، لصالح من أتى وسيأتي بطوفان هادر.
المصدر: موقع المنار