قدّم قائد في القوة الجوية في المقاومة الإسلامية (بالقدر المسموح به)، في مقابلة مع جريدة «الأخبار» اللبنانية، عرضاً أوجز فيه تاريخ بدء العمل في القوّة الجوية، وتطرّق إلى مراحل تطوّر هذا العمل في لبنان، بالتعاون مع الحرس الثوري في إيران، وخصوصاً بعد الانتقال إلى العمل في عالم المسيّرات.
ويشرح القائد الجهادي تفاصيل تتعلّق بسلاح المسيّرات كجزء من القوّة الجوية لدى المقاومة. ويقدّم، في هذا المجال، شروحات حول المعركة التي بدأت ولم تتوقف من أجل تحصيل المقاومة لحاجاتها، ومساعي العدو لمنع وصول هذه القدرات إلى الحزب، بما في ذلك عمليات عسكرية، من بينها اغتيال قائد هذه الوحدة الشهيد حسان اللقيس عام 2013.
كما يشرح القائد تفاصيل عمل منظومات العدو في مجال رصد المسيّرات وكشفها وتعقّبها، ومنظومات وآليات العمل التي قام بها العدو، وشروحات حول أنواع المسيّرات الموجودة لدى المقاومة، مع الكشف عن بعضها، فيما تحتفظ المقاومة بكثير من المفاجآت في هذا العالم.
30 عاماً… من الطيران الشراعي إلى المسيّرات ومن سوريا إلى «كاريش» فـ «طوفان الأقصى»
يوضح القائد في القوة الجوية أنه «في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، جرى أوّل نقاش بين القادة العسكريين في حزب الله حول سلاح الجو. كل الجهد الذي كان يُبذل لتطوير عمل مجموعات المقاومة داخل الشريط الحدودي لم يمنع تكليف مجموعة للبحث في سبلٍ لمواجهة «ملك السماء»، الذي هزم العرب جميعاً، نتيجة التفوّق الجوي، سيّما أن الاستعلاء في عقل العدو، كان مرتبطاً أيضاً بحاجته إلى كل سماء المنطقة، لأن سماء فلسطين تبقى في نهاية الأمر ضيّقة أمام سلاح الجو الإسرائيلي. وهو أعد برامج عمل لم تتوقف عن التطوير لمنع قيام أيّ منافسة له على صعيد سلاح الجو في كلّ الشرق الأوسط.
في مطلع التسعينيات بدأ التفكير العملاني في إنشاء «القوة الجوية» في المقاومة. كانت هذه القوة في بدايتها عبارة عن مجموعة من المقاومين، وكان الشهيد حسان اللقيس أبرز من عملوا في مرحلة النشأة، وكان معه فريق تدرّبوا بداية على الطائرات الشراعية، بهدف القيام بعمليات استشهادية خلف خطوط العدو أو ضد مواقعه.
في حزيران 1994، استُشهد جميل سكاف أثناء التدريبات. بعدها جرى العمل على طائرة ثانية، واتفقنا على القيام بعملية جديدة، واختير المقاوم حسين أيوب الذي استُشهد أثناء تنفيذ العملية عام 1996. كما استُشهد آخرون لاحقاً، وحتى اليوم، لا تزال القوة الجوية تقدّم الشهداء».
ويضيف القائد الجهادي أنه «منذ اليوم الأوّل، كان حزب الله يعرف أنه يحفر جبلاً بإبرة. لذلك كان الإصرار هو عنوان العمل لدى كلّ من انخرط في هذه الورشة. وعندما انتقلنا من الطيران الشراعي إلى المسيّرات، كان ذلك بسبب التطوّر العلمي، وبقيت روحية المجاهدين واستعدادهم كما كان. وكان الهدف واضحاً: لا يمكن ترك العدو يتسيّد السماء!
بعد عام 2000، تغيّر كلّ شيء. في إيران، انطلقت ورشة كبرى في ملف المسيّرات، وكان علينا الاستفادة من ذلك. وقد نجحنا في خلق مفاجآت في حرب 2006، رغم أنّ هناك عملاً لم يكن قد أُنهي بعد. لكن حصلت عدة عمليات إطلاق لمسيّرات، وكان مهماً لنا، ومقلقاً للعدو، أن ننجح في اختراق الحدود. وهذا أمر حصل.
كانت هناك مجموعات تعمل تحت القصف الكثيف على تجهيز مسيّرات انقضاضية، وليس مسيرات للاستطلاع فقط مثل «مرصاد» التي بدأ العمل بها عام 2004. وأثناء الحرب، أطلقنا طائرة إلى حيفا. وأنجزت القوة الجوية في حينه مجموعة من المهام الاستطلاعية والانقضاضية».
وتابع: «بعد عام 2006، انتقلنا إلى مرحلة جديدة. كان السؤال حول كيفية مواجهة التحديات الجديدة، بعدما باشر العدو العمل على إنتاج «القبة الحديدية» التي تعمل على أربع طبقات من الدفاع. وعندما أُتيح لنا التعرّف إلى قدرات العدو التكنولوجية، قمنا بالمقارنة من ناحية القدرات المادية، وكان يمكن أن نتوقف نتيجة الفوارق الهائلة. لكنّ القرار بالتطوير كان متخذاً، ولا مجال للتراجع أو التوقّف».
وفي الحديث عن مراحل العمل يقول القائد الجهادي: «بين عامَي 2006 و2008، تولّى الشهيد القائد حسان اللقيس مهمّة استثنائية لرفع مستوى «القوة الجوية». وللشهيد حسان دور كبير في اختصاصات عدة، وكان بمنزلة أيقونة هنا وعند الإخوة في إيران، وله بصمته في اختصاصات القوات كافة (بحرية، دفاع جوي، جو فضائية، صاروخي، مسيرات…).
وفي إيران، يشهدون للشهيد حسان ويحفظون له دوره الكبير في تطوير المسيّرات. وهو كان يردّد دائماً أنّ هذا السلاح نوعيّ ومؤثر، وسنعتمد عليه في الحروب القادمة. ولذلك، سلّم له الجميع، وكان حضوره في إيران كحضوره في لبنان في مجال تطوير المسيّرات.
والشهيد حسان كان غارقاً في عالم التكنولوجيا الخاص بهذا النوع من السلاح. وكان متابعاً وملمّاً بكل ما تقوم أميركا به في هذا المجال. وعندما استُشهد نهاية عام 2013، كان قد أنجز، تقريباً، كل المطلوب وأكثر، ودرّب كثيرين أكملوا عمله، وحتى اليوم نعمل بأسلحة أشرف هو على صناعتها. حصل تطوّر كبير في هذا العالم. وإذا كان العدو يعتقد بأن كل ما لدى إيران في هذا المجال موجود لدينا، فليظن ما يشاء. لكنّ الحقيقة أن هذا ليس أسوأ سيناريو يجب أن يفترضه».
وتطرّق القائد الجهادي إلى تجربة القوّة الجوية أثناء الحرب في سوريا، وكشف «أن ملف المسيرات كان في إطار سريّ جداً ومغلق تماماً إلى أن شاركت «القوة الجوية» في معارك سوريا. بدأ ذلك في معركة القصير الشهيرة. وصار الأمر معلوماً لأن طبيعة العمل في السماء لا يمكن أن تخفى، فكيف إذا كان ذلك وسط تحدٍّ أمني واستخباراتي هائل مع العدو.
عرف العدو أننا صرنا موجودين في المطارات، ولدينا برامجنا للطلعات الجوية، وبتنا نفعّل التردّدات الخاصة بنا للتحكّم بالمسيّرات التي نطلقها. كان العدو أكثر من يتابعنا، وكوننا ندرك ذلك، تصرّفنا على قاعدة أنه يرى في مشاركة القوة الجوية في الحرب السورية فرصة له ليتعرف أكثر إلى عملنا. لكننا وفقاً للمبدأ الدائم بتحويل الفرصة إلى تهديد للعدو، تصرّفنا بما يجعلنا نتحكم بالقدر الذي نريد له التعرّف إلى قدراتنا.
كان العدو يرصد كل ما تقوم به «القوة الجوية». وكان مهتماً بمعرفة تكتيكاتنا. وفي مرات كثيرة، وبمجرد ما كنا نرسل سرباً للاستطلاع، كان العدو يستنفر قواته الجوية والاستخباراتية لجمع المعلومات، عن مكان إطلاق الطائرات، وأمكنة وجود الطاقم البشري، والتردّدات وأدوات التحكم. ولكن، بسبب طبيعته الاستعلائية، تصرّف العدو وكأنه بات يعرف كل شيء عنا. وعلى أي حال، ستُظهر الأيام أنّ ما عرفه هو ما كنا نسمح له بمعرفته. علماً أن تجربة سوريا تمثل بالنسبة إلى القوة الجوية في حزب الله كنزاً كبيراً جداً. فقد تعلّمنا في 8 سنوات ما يحتاج إلى 16 سنة. وهو يحصل اليوم، فما تعلّمناه في الأشهر التسعة الماضية كنا نحتاج إلى أكثر من 3 سنوات لتعلّمه».
ويضيف: «نفّذنا في سوريا آلاف الطلعات، ووفرت لنا عمليات الاستطلاع مئات آلاف الصور الجوية. صحيح أنّ قتالنا كان مع التكفيريين، لكنّ عيننا بقيت على إسرائيل، لأنّ المواجهة معها لا يمكن مقارنتها بأي معركة أخرى. وحصل أثناء الحرب السوريّة احتكاك مع العدو. فقد كنا بعيدين «فشخة» عن الجولان. جرت أمور كثيرة في تلك المرحلة. إذ افترض العدو مرات عدة أنه أسقط مسيّرات لنا أو سيطر عليها، لكن، كل ذلك كان جزءاً من خطة أعددناها لتحصيل أمور معينة. وأتيح لنا التعرّف إلى قوّة الكشف وعمل منظومات الرادارات لديه، وكذلك مديات أسلحة الدفاع الجوي.
في إحدى المرات، أجرينا اختباراً لتحديد مديات منظومة الباتريوت التي أُطلقت ضد مسيّراتنا. سقطت الصواريخ في الأردن، بينما عادت مسيّراتنا إلى قواعدها سالمة. يومها حصل هرج ومرج لدى العدو حول سبب وصول الصواريخ إلى الأردن فيما كان يتحدث عن تصدّي قواته لمسيّرات فوق سوريا. كان العمل في سوريا فرصة لنا للتعرّف إلى قدرات العدو في كشف أنواع معينة من مسيّرات المقاومة، وتحديد نقاط الضعف في منظومته للرادارات».
ويلفت القائد الجهادي إلى «أن القوة الجوية شاركت أيضاً في الحرب ضد «داعش» في العراق. وكانت فرصة إضافية لتجارب جديدة، وقارنّاها مع التجارب القائمة في إيران أو اليمن. لكن، عندما تكون المواجهة مع إسرائيل، فالحديث يتحول إلى شيء آخر، لأن ما لدى إسرائيل غير موجود في الساحات الأخرى، وخصوصاً أنّ وسائل الجمع الاستخباري لدى العدو هائلة وتغطي مساحات واسعة جداً. وهو مضطّر إلى طريقة عمل خاصة معنا.
إذا أخذنا، مثلاً، موضوع الرادارات ومساحات التغطية. فالعادة أن تفصل مئات الكيلومترات بين الرادارات. في دول كبيرة يكون هناك 10 إلى 15 راداراً فقط. لكنّ العدو ينصب راداراً واحداً كل 30 كلم على الحدود معنا. وهو يوزّع على طبقات عدة من الدفاع الجوي أضعاف ما تقوم به أي دولة أخرى».
ولفت القائد الجهادي إلى أن هذا النوع من الانتشار الاستخباراتي للعدو «فرض علينا آلية عمل مختلفة. والأهم، وفّر أمرين: الأول: ملاءمة السلاح المسيّر ليكون قادراً على تجاوز منظومات العدو. في مرات كثيرة، كان العدو يسقط مسيّرات ويتفاخر بما يقوم به، علماً أنها كانت اختبارات واستطلاعاً بالحركة لآليات عمله. وفي كثير من الأحيان كانت طائراتنا تدخل وتعود. وكنا ندخل تعديلات على المسيّرات بما يلائم التهديد الإسرائيلي المتجدّد دوماً. وعندما نقول كنا، نقصد كل قوى المحور وليس حزب الله فقط، علماً أننا صرنا منتجين لهذا النوع من السلاح وبكثرة كبيرة جداً».
ويضيف: «في تموز 2022، قمنا بالمهمة المعروفة باسم «مهمة كاريش»، أي تهديد حقل الغاز الإسرائيلي في البحر. بعد كلام سماحة الأمين العام، قام العدو بتحضيرات كبيرة جداً في الميدان البحري. ومع أننا فقدنا عنصر المفاجأة، أطلقنا 3 مسيرات، تنوّعت مهامها، بين إلهائية ومعلوماتية.
تباهى العدو بأنه نجح في إسقاط المسيّرات. لكنّ الرسالة وصلت إلى أهل الاختصاص عنده. عرفوا أنّ لدينا مسيّرات قادرة على الاختراق رغم كل الإطباق الموجود جواً وبحراً. إذا سمع الناس صوت مسيّرة، لا يعني ذلك أنهم عرفوا كم يوجد من المسيّرات، ولا في أي عمق تعمل. علماً أنه كانت في الأجواء 4 أو 5 أسراب من الطائرات الحربية والمروحية. مع ذلك وصلت المسيرة إلى فوق حقل كاريش. أي إن الرسالة وصلت. العدو أسقط مسيّرتين، والثالثة سقطت في طريق العودة. والعدو يعرف معنى ما حصل، إن لناحية مساحة العمل أو طبيعة المنطقة المفتوحة والخالية من التضاريس. وهذا ما أجبره على التنازل في المفاوضات».
وعن مرحلة ما بعد «طوفان الأقصى»، يتطرّق القائد الجهادي إلى مرحلة «واجهنا فيها أصعب سيناريو كان يمكن أن تتوقعه القوة الجوية في حزب الله، لأن كلّ الخطط لم تكن تقوم على أساس أنّ عملنا سيكون محصوراً بالحافة. مع ذلك، بدأنا مهام الاستطلاع، ثم التنفيذ.
وهنا تكمن الصعوبة الكبيرة، لأننا مقيدون بضوابط كثيرة. لو كنا في حالة حرب شاملة، حيث لا تكون هناك قيود أو ضوابط، فإن قدرتنا على العمل تصبح مختلفة جداً. والعدو يعرف أنه في الحرب الشاملة لن يكون قادراً على التفرّغ فقط لسلاح المسيّرات، بل سيكون أمام تحدٍّ آخر، حيث ستسقط يومياً آلاف الصواريخ على كلّ مراكزه العسكرية والحيوية، من أنواع عدة ومديات مختلفة. والمعركة لن تكون ساحتها جبهة الحدود.
عملياً، نحن نعرف، والعدو يعرف، أن منظومات الدفاع الجوي عنده، بما فيها سلاح الطيران، تعمل على هدف واحد اسمه المسيّرات. وهذا ما يجعلنا نقول إنه السيناريو الأصعب. وعلى العدو أن يعلم، وهو يعلم، أنه في حالة الحرب الشاملة، سيكون أمام زخم من نوع آخر، من المسيّرات والأسلحة الأخرى… وهنا نتحدث عن شيء مختلف تماماً عمّا يراه اليوم. العدو يعرف ما الذي يحصل اليوم، كون القوة الجوية مقيّدة كثيراً الآن. لذلك هناك سؤال دائم لدى قادة العدو السياسيين والعسكريين: ما الذي يمنع حزب الله من ضرب أي هدف إستراتيجي وحسّاس؟».
ويلفت القائد في القوة الجوية إلى «أننا اليوم في حقل تجارب مهم جداً. وتعلّمنا الكثير في أشهر قليلة. في بداية الحرب، كانت نسبة النجاح قليلة. لكن، مع الوقت، انقلبت الآية. وبعدما خبرنا عدوّنا، وتعلّمنا من الميدان، وأدخلنا تكتيكات جديدة، انقلبت الموازين والفعالية وارتفعت نسبة النجاح. ونحن نقول إننا في القوّة الجوية حدودنا السماء. ونعمل ليل نهار، ونعرف أنّ العدو ليس غافياً. وقد وصلنا إلى مرحلة بتنا قادرين فيها على تحديد الثغرات عنده، والتنبّؤ بخطواته. وبينما كان العدو مطمئناً إلى أننا غير قادرين على مجاراته، بات مصدوماً الآن، لأنه لا يعرف الإجابة عن سؤال مثل كيف أنّ كلّ طائرات العالم تتأثر بالتشويش، بينما تذهب مسيّراتنا وتعود. وعندما نقول إننا نعمل على معالجة الأمور، فهذا يعني أنّ كل الخبراء في محور المقاومة يعملون على هذا الأمر، بمَن في ذلك إخواننا في الحرس الثوري في إيران».
وعن آليات العمل، يلفت القائد الجهادي إلى أنه «قبل الحرب، كنا نحتاج إلى إذن خاص، حتى نعرف كيف نحرّك مسيّراتنا الاستطلاعية. الآن، فتحت الحرب المجال لكلّ أنواع الاختبارات. ولو أننا مقيّدون بمساحة العمل ونوعيّته. لكننا لا نتوقف عن العمل. ولدينا قاعدة تستند إلى قول الإمام علي إنّ «أخ الحرب الأرق». ما يعني أنّ الفريق يبقى في حالة قلق وتفكير في كل الأمور، بما لدينا وبما يمكن للعدو أن يقوم به. ونحن نجهّز ونطور ونسعى إلى شيء جديد. وما يساعدنا في القوة الجوية أن سلاح المسيّرات ديناميكي جداً، ومرن للتطوير، وكل التقنيات الجديدة بات في إمكاننا إضافتها إلى كلّ ما لم نستخدمه من مسيّرات».
ويشير القائد الجهادي إلى العلوم المتقدّمة في عالم المسيّرات ويقول «هناك ما يتعلق ببرامج الذكاء الاصطناعي. والكل يعلم أنّ الإمام القائد السيد علي الخامنئي، قال قبل سنوات أنّ عام 2021 هو عام الذكاء الاصطناعي، وطلب من الجميع الاهتمام بهذا العالم. ونحن نعتبر طلب السيد القائد بمنزلة الأمر. وليس في مقدور العدو الإسرائيلي أو الأميركي الادعاء بأنه يحتكر هذا العلم. وقد دخلنا هذا العالم حتى قبل توصية السيد القائد. ولذلك نقول بثقة إنّ العدو لم يرَ إلا القليل من بأسنا، وسيرى المزيد».
العدو يعيش هاجس مسيّرة «كرار»: تفوّق حزب الله التقني أدهش جيشنا وأرهبنا
انشغال إعلام العدو بالطائرات التي «تصطاد قواتنا على طول الحدود» فتح الشهية على استعادة كل ما سرّبه جيش الاحتلال وأجهزته حول المسيّرات التي يفترض أن حزب الله يملكها. ووجّهت صحافة العدو انتقادات حادة بسبب الفشل الحالي، خصوصاً أن العدو كان قد أعلن العام الماضي أنه نفّذ «بنجاح تجربة في مناورة في الشمال لصد هجوم شنّته عشرات المسيرات في وقت واحد».
موقع «والاه» عاد إلى وقت كان الجميع يعرف أن تهديد المسيرات «صار ملموساً بعد الحرب الأوكرانية – الروسية، ولكن جيشنا لم يستعد بشكل صحيح، ولم يجد الحل الفعّال. والأسوأ من ذلك أن حزب الله تمكّن من تدمير المنشأة العسكرية الخاصة بمنطاد «طل شمايم» الذي يفترض به المراقبة والتعرف والتحذير من التهديدات. وفوق ذلك، إن حزب الله يرينا المسيّرات التي تحمل صواريخ يمكن إطلاقها نحو الهدف، ولا يبدو أن القبة الحديدية تقوم بعملها».
وبعد عملية «الكوش»، طالب إعلام العدو قائد سلاح الجو، اللواء تومر بار، بشرح ما يفعله. وقال تقرير لـ«معاريف»: «لقد حوّل حزب الله الجليل إلى مختبر بحث وتطوير للأسلحة، لتصنيع أسلحة دقيقة وفتاكة استعداداً لمواجهة واسعة مع إسرائيل». بينما دعت «هآرتس» الجمهور إلى عدم «تصديق رئيس الأركان، فهو يعيش في فيلم. لسنا مستعدين لحرب في لبنان، هذا سيؤدي إلى دمار هائل في الجليل وهجمات على حيفا وغوش دان».
ليضيف آخرون أسئلة أكثر حساسية مثل: «لا يزال التفوق الجوي لحزب الله يدهش إسرائيل. إلى متى سيستمر حزب الله في استخدام مسيراته بحرّية في سماء إسرائيل؟ لقد بات واضحاً أنه في الحرب القادمة، لن تكون سماء لبنان تحت سيطرة سلاح الجو». ثم جاءت صرخة وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان، بقوله: «كل ما نراه الآن من حزب الله هو مجرد تجربة، إنهم ببساطة يحاولون معرفة نظامنا الدفاعي، وردود دفاعاتنا الجوية، وطبيعة الرد، وسرعته».
العسكريون برروا الفشل بأن «حزب الله يمتلك مسيّرات صغيرة جداً. كذلك هناك زمن الرحلة، حيث لا يتاح للجيش وقت طويل للتحضير والاعتراض. إضافة إلى أن تضاريس الجليل معقدة وصعبة جداً».
وبعد نشر حزب الله فيديوهات الاستطلاع باسم «الهدهد»، انتقل النقد إلى مستوى جديد. وقال موقع «حدشوت بزمان»: «أنت محظوظ كمستوطن لأنك لا تعرف معظم المعلومات عن الشمال، وإلا فلن تنام في الليل. ها هي مسيرات حزب الله لا تحتاج إلى تأشيرة، ويتم التحكم فيها عن طريق كاميرات من بعد مع مشغّل في غرفة التحكّم. وما لا تعرفه لا يقتلك الآن، وهم يقولون لنا: نحن هنا، موجودون داخلكم ونخطط وقادرون على توجيه ضربات قاسية».
لتضيف «معاريف»: «سلاح الجو نائم على أنفه منذ سنوات». وتصل السخرية حد أن يكتب أحدهم: «فقدت محفظة جلد لونها أسود عند ميناء حيفا، نرجو من حزب الله أن يحدد مكانها بدقة واحترافية عالية».
ونقل إعلاميون عن مصادر عسكرية أن حزب الله كشف عن مسيّرات كانت في حوزته في تشرين الثاني 2004 عندما «تمكّن من إدخال «مرصاد» إلى الأجواء الإسرائيلية لمدة 18 دقيقة وأعادها بمهارة إلى المكان الذي انطلقت منه في لبنان. ومنذ ذلك الحين، مضى 18 عاماً على بناء هذه القوة وتعزيزها، وبشكل أساسي بمساعدة الصناعات الأمنية والجيش والحرس الثوري في إيران».
كذلك يعيش العدو هاجس مسيّرة «كرار»، فقد نشرت صحيفة «كالكاليست» تقريراً قالت فيه «إن حفظ إسرائيل الأمن أصبح بعيد المنال بوجود طائرة «كرار» في ترسانة حزب الله»، مشيرة إلى أنه تم تطوير «كرار» من نسخة المسيّرة الأميركية «ستريكر»، وشمل التطوير نقل المحرك من البطن إلى الظهر، وزيادة سعة خزان الوقود وضبط الأجنحة وتخفيف الوزن لزيادة سرعة الطيران، كما زيدت درجة صلابتها ومتانتها. وهي مسيّرة هجومية متعددة المهمات، قادرة على الطيران لمدى ألف كيلومتر، وتحلّق بسرعة بين 700 و900 كم/ساعة. كما يمكنها الارتفاع إلى 35 ألف قدم مثل طائرة مقاتلة، أو النزول إلى مستوى قمم الأشجار كصاروخ «كروز» لإرباك الكشف. وهي تحمل قنبلة «م. ك. 82» المتعددة الاستخدامات بوزن 225 كلغ، وتسقطها كما لو كانت طائرة إف -16.
مسيّرة «كرار» أثبتت قدرتها على إسقاط طائرة استطلاع أميركية، وبدلاً من قنبلة الشظايا العادية، يمكن لحزب الله أن يضع على «كرار» قنبلة عنقودية خارقة للدروع لتهديد الدبابات والمقار، كما يمكنه وضع طوربيد خفيف مضاد للسفن أو قنبلة مضادة للمدارج والتي يمكن أن تعطل المطارات.
ويختصر ضابط في موقع مهم في منظومة الدفاع الجوي المتمركزة هذه الأيام في شمال فلسطين المحتلة، واقع الحال مع مسيّرات حزب الله بالآتي: «عملياً، يجلس جندي في غرفة التحكم في القوات الجوية، ويرى علامة مشبوهة لطائرة، وعليه أن يقرر في غضون ثوانٍ ما إذا كانت عدواً أم طائراً أم طائرة مدنية أم سفينة تابعة للجيش الإسرائيلي. يضع علامة عليها، ويحذّر من التهديد، ويختار طريقة اعتراضها، ويتأكد من سقوط الهدف. كانت لدينا حالات قليلة أطلقنا فيها صواريخ اعتراضية على الطيور. غالباً ما تحمل وسائلنا التي تحلّق في منطقة القتال بصمة رادارية مشابهة لتلك الموجودة في مسيّرات حزب الله. وفي بعض الأحيان، تقرر قوة من الجيش الإسرائيلي تسيير طائرة بدون طيار دون إعطاء أي علم مسبق. ويحصل أحياناً، أن أسقطنا مسيّرات تعود لنا».
مواجهة استخباراتية وعسكرية ومنظومات تقنية عالية: تفاصيل الحرب الإلكترونية بين المقاومة والعدو؟
يقول القائد في القوة الجوية للمقاومة إنه «طوال مدة عمل حزب الله على تعزيز قدراته من الأنواع كافة، كان يواجه حرباً إسرائيلية لا يشعر بها الناس. حيث الجهد الاستخباراتي الكبير من جانب إسرائيل لمعرفة ما الذي نقوم به، وما الذي صار عندنا من إمكانات. وقد أقدم العدو على أشياء كثيرة خلال السنوات الماضية لردع المقاومة أو حرمانها من أمور كثيرة».
وأضاف أنه «خلال هذه الأوقات كلها، كان العدو يعمل ضدنا. وكان متوقعاً أن يبذل الجهد كله لمنعنا من تشكيل قوة جوية أو قوة دفاع جوي قادرة على مواجهة التحديات معه. وقد عمل العدو وفقاً لبرنامج متنوع المستويات منها:
أولاً: منعُ تسلّحنا بهذه القدرات. عبر العمل على تهديد أي شركة تتعاون معنا أو معاقبتها، والعمل على إتلاف مصانع الإنتاج وتدميرها. وقد اعتدى العدو على شركات إيرانية وهدد شركات أوروبية، وحاول خداعنا عبر إرسال مواد تفسد المنتج. ونجح في بعض محاولاته، ولكنه فشل كثيراً. وفي هذه الحرب، اكتشف العدو أن ما كان يعتقد أنه نجح فيه، كان وهماً.
ثانياً: وضْع برنامج عمل أمني وعسكري لمنع وصول هذه القدرات إلى المقاومة في لبنان، سواء عبر قصف البضائع أثناء عبورها باتجاهنا، أو العمل على ضرب السلاح في أماكنه قبل الاستفادة منه. ومع ذلك، إن ما يجري اليوم على الجبهة يدلّ على مستوى فشل العدو».
ويضيف القائد الجهادي أن العدو «بعدما أقر بأن القدرات صارت موجودة لدينا، لجأ إلى خطوات جديدة تركزت في عالم الاستخبارات التقنية، مستخدماً رادارات الكشف على أنواعها ومن أهمها رادار القبة 2084 elm، ورادار الباتريوت الذي أثبت فشله، ويبدو أن العدو يتجه إلى سحبه من الميدان وإعلان فشله، والرادارات التكتيكية التي يعتمد عليها أكثر ضد المسيرات المنخفضة rps 42، إضافة إلى رادارات «الجهات الصديقة للعدو» مثل فرق الأمم المتحدة ودول في المنطقة».
وبحسب القائد نفسه، فقد «استخدم العدو سفن ساعر الحربية على أنواعها، كونها مجهزة برادار «اي أدير الفا» وغيره لكشف الأجسام الطائرة. كذلك اعتمد على الكاميرات، ولديه سبعة أنواع من الكاميرات البصرية والحرارية، وقد نشرها في مناطقه الإستراتيجية، وخاصة على الحدود معنا. ولذلك كان عملنا من اليوم الأول، ولا يزال، يستهدف تدميرها».
وهناك بُعد آخر في هذه المواجهة يشير القائد الجهادي إليه تحت عنوان «الحرب الإلكترونية». ويقول: «قرر العدو اعتماد أسلوب «soft kill» أو «القتل الناعم»، وهو أسلوب فعّال ومن دون تكلفة مادية عالية وله أثر كبير. وقد راهن عليه بقوة. ومصدر خيبته اليوم، هو فشله في الاستفادة من هذا المبدأ. حيث عمل على 7 طبقات من الحرب الإلكترونية. ونعرف أن أصحاب الاختصاص في الكيان، ونحن نعرفهم، يعيشون الآن ساعات خيبة، لأنهم كانوا يتّكلون على هذه المنظومة، وكانوا في حالة ثقة مفرطة بالنفس، إلى درجة أنهم ظنّوا أنهم لن يحتاجوا إلى تفعيل منظومة القبة الحديدية ضد المسيّرات».
ويضيف: «مع الوقت، تحوّل العدو نحو إستراتيجية الـ hard kill، وهو عبارة عن منظومة عمل، تُستخدم فيها أدوات تقنية وأسلحة موجهة، مثل منظومات باتريوت، و«القبة الحديدية»، وسلاح الدفاع الجوي (سبايدر – ديبي). بالإضافة إلى المروحيات والمقاتلات على أنواعها، والآن أضاف الفولكان (يد السماء)، وهي عبارة عن رشاشات قادرة على إطلاق 6000 طلقة بالدقيقة، علماً أننا على ثقة بأنها لن تنفعه مقابل تكتيك حزب الله».
ويقول القائد في القوة الجوية إنه «عندما نتحدث عن حرب إلكترونية، نعني أنّ هناك وسائل لاستخدام الطيف لإسقاط المسيرات أو إفشالها، وهذه أيضاً فيها مستويات عدة. وما قام به العدو، حتى خلال المناورات هو:
أولاً: التشويش على منظومات الملاحة العالمية gnss وgps. وإسرائيل من أكفأ دول العالم في هذا المجال. وعندما يفعلها، يؤثر على حركة الملاحة العالمية. لكننا كنا نعلم عن برامجه. ولذلك أفشلنا مشروعه، وحضّرنا له المفاجآت.
ثانياً: تضليل نظام الـgps ، إذ تصبح الطائرة تسير من دون هدف، بينما يضع لها هو عنواناً مغايراً (spoofing). أي إذا كانت هناك طائرة في أجواء الجنوب، يجعلها كأنها في بيروت. هو أسلوب قديم.
ثالثاً: التشويش على آليات التحكّم بالمسيّرات. وهو استند إلى مراقبته لعملنا خلال الحرب السورية، وأطلق عملية تشويش هدفها الوصول إلى الطائرة والتحكم فيها من قبله.
رابعاً: محاولة منع مركز التحكم من استقبال صور المسيرات أثناء وجودها في الجو، عبر التشويش على ترددات خاصة بالصورة. لكننا تخطينا هذه القدرة. وإذا أراد أن يعرف، فنقول له إننا كنا نستقبل الصور في الوقت الذي كان يظن أنه يغيّبها.
خامساً: الاعتراض الإلكتروني للمسيرات، عبر محاولة اعتراض قناة التحكّم بالمسيرات، فإذا نجح، يصبح هو من يتحكّم بالمسيرات بدلاً منا. ثم يعمد إلى إسقاطها. وهو أسلوب معمول به في هذا العالم».
وبحسب القائد الجهادي فإنه «بعد حرب 2006 وصولاً إلى «طوفان الأقصى»، لم يتوقف العدو عن القيام بالمناورات الكبيرة، سواء على مستوى الجبهة الداخلية أو بما يخص قواته. وكان على جدول أعماله دائماً مهمة التدرب على مواجهة قدراتنا الجوية. وهو ركز على هذا الجانب أكثر بعد عام 2016، ربطاً بعملنا في سوريا، سيّما أننا عززنا في تلك المدة دور المسيرات والحرب الإلكترونية. ثم إننا نملك معلوماتنا الخاصة، حول نتائج تقييم العدو للمناورة، حيث كان يقول إنها نجحت. حتى أنه في عام 2020، أعلن أنه صار جاهزاً لمواجهة أي نشاط لنا في السماء.
لكن تجربته الآن أظهرت أنه لم يكن ناجحاً، رغم أننا نعمل وفقاً لمستوى مضبوط بناء على قرار القيادة. ومع ذلك، فقد فشل. والسؤال المطروح أمامه: كيف سيكون وضعه في حال تم استخدام ما لدينا من دون ضوابط؟ وكيف سيتعامل في مواجهة أسلحة عدة تعمل في وقت واحد، من مسيّرات وصواريخ ودفاع جو وغير ذلك من الأسلحة، سيّما أنه استهلك أطناناً من المتفجرات ولم ينجح في تعطيل المسيرات؟»
ويقول القائد الجهادي إن العدو «كان يراهن بقوة على الكشف الإلكتروني المبكر. إذ يكشف المسيّرة مباشرة بعد انطلاقها. استناداً إلى ما تبثّه من إشارات. وكان قادراً على ذلك عبر منظومات «SIGINT» التي تسمح له بالتقاط إشارات المسيّرات مهما كانت بعيدة، والتقاط جسم الطائرة مهما كان الـ RCS صغيراً، وقد اختبرناه نحن من أقاصي البقاع. حتى أننا جرّبنا الأمر خلال مدة المفاوضات على الترسيم البحري. يومها أرسلنا مسيّرة فوق حقل «كاريش»، واضطر العدو إلى إرسال عدد كبير من الطائرات الحربية (أف 16 وأف35). ما حصل يومها، أن العدو التقط الإشارة، ولكنه لم يجد المسيّرة، ويومها قامت القيامة في الكيان».
ويكشف القائد عن «أمر آخر، وهو أن العدو يكذب على نفسه وعلى جمهوره، عندما يبرر فشل اعتراض مسيّراتنا بسبب قصر المسافة، أو قرب مكان انطلاقها من الهدف. علماً أن بعض المسيّرات، كالتي استهدفت منطاد «طل شمايم»، سارت عشرات الكيلومترات حتى قبل الدخول إلى مجاله الجوي. ومع ذلك لم يقدر على كشفها، ووصلت إلى هدفها. وهذا ينفي هذا التبرير. علماً أننا نعرف أنه لا يوجد مكان في فلسطين، توجد فيه كثافة تغطية على مستوى الكشف والدفاع، كما هو موجود في شمال فلسطين. وبالتالي، على العدو أن يفكر أنّ من يقدر على خرق شمال فلسطين ويصيب هذه الأهداف… فكيف سيكون الأمر في الداخل، في تل أبيب وإيلات والمدن الأبعد؟ وهي مهمة أسهل بكثير من تجاوز نهاريا أو الوصول إلى حيفا».
ويدعو القائد الجهادي الناس إلى أن «يعرفوا جيداً أن العدو يضع قبالتنا كل ثقله الاستخباري والدفاعي وأدوات الجمع. وهو عزز وجوده هناك. قبل الحرب، كانت لديه 3 رادارات للبصمات الصغيرة، وعندما أطلقنا عمل المسيّرات، صار عددها 18 راداراً، ثم زاد العدد إلى 23. اليوم لا توجد خلة أو وادٍ بلا رادار، وهذه أمور لا تقوم بها الجيوش عادة. ورغم ذلك كله، فإن مسيّراتنا «عم تقطع وتفوت وتكزدر وترجع»… ونحن، نعمل دائماً على تحسين التكتيكات والتقنيات وتطويرها، كما أننا على مستوى السلاح نعتمد تكتيكاً خاصاً بنا. القصة لعبة شطرنج. ورغم أنه قام بتحسينات، ولكننا نسبقه بخطوة أو أكثر».
كلفة المسيّرات مقابل كلفة التصدّي لها
في سياق المعركة القائمة، هناك ملف شديد الأهمية يتعلق بكلفة حرب المسيّرات. حزب الله، في النهاية، تنظيم جهادي، ولديه إمكانات لا تشبه إمكانات الدول. لكن الإدارة المادية لمثل هذه المعركة تستند أحياناً إلى أفكار إبداعية تجعل الفوارق المادية عاملاً ثانوياً.
ويقول القائد في القوة الجوية للحزب إن «الجيوش تلجأ عادة إلى إستراتيجية «الاقتصاد بالقوة»، أي عدم الإسراف في استخدام ما لديها من قدرات. إذ لا يجب استخدام قوة كبيرة في مواجهة تهديد صغير. وهذا ما جعل أسلوب الـ «soft kill» أساسياً في برنامج عمل العدو. وهو قد أعدّ إدارة مركزية كبيرة للحرب الإلكترونية لتحقيق هذا الغرض، وألغى اللامركزية التي كانت قائمة سابقاً، حيث كان سلاح الجو يقوم بعمل، فيما تقوم ألوية بعمل مماثل ولكن بشكل مستقل».
ويضيف القائد الجهادي «أن جيش الاحتلال يعمد إلى استغلال هذا النوع من الحرب الإلكترونية لتسويق بضاعته، لأن إسرائيل تحوّلت مع الوقت، إلى جهة مصنّعة ومصدّرة لمثل هذه المواد المستعملة في الحروب الإلكترونية. ولنأخذ مثلاً ما يحاول العدو تسويقه الآن، إذ يُرفق عرضه لتقنياته بملف مدافع الليزر، محاولاً إقناع الزبائن، ومنهم جيشه، أنها مدافع قادرة على إسقاط المسيّرات… لكن ماذا سيقول لهم اليوم؟ هل سيتباهى بأن هذه المنظومة نجحت في تذويب طرف مروحة في مسيّرة أو منعت مسيّرة من الوصول إلى هدفها؟»
ويشير القائد إلى أن العدو «حاول التغطية على فشله بالقول إن المقاومة أعدّت آلاف المسيّرات. وأنه ينفق الكثير على الحرب الإلكترونية كمستوى أساسي في الدفاع. وللحقيقة، فقد أنفق العدو مبالغ طائلة على هذا القطاع، ولكنها لم تحقق إلا نتائج بسيطة، وجاءت بأقل مما كان يتوقعه. وعندما واصل العمل بها، كنا نناقش الأمر في ما بيننا على خلفية أن العدو ربما يتعمّد إخفاء قدرات أخرى عنا. لكن تبيّن العكس، لأنه بعد فشل معركته عبر الـ «Soft kill»، اضطر إلى الذهاب مباشرة نحو الـ «Hard kill»، وهنا تبرز بقوة الفروقات في أكلاف المعركة».
ويشرح القائد الآتي: «عندما يفعّل العدو منظومة «القبة الحديدية» لإسقاط مسيرة استطلاعية بسيطة، فهو مضطر إلى إطلاق أربعة صواريخ على الأقل (كلفة الصاروخ 50 ألف دولار)، أي إنه مضطر إلى إنفاق 200 ألف دولار. وعندما يفشل الإسقاط، يطلب من الطيران الحربي تولّي المهمة. وكل ساعة طيران لمقاتلات العدو تتجاوز كلفتها الـ40 ألف دولار، عدا عن كلفة الصواريخ التي ستستخدمها ضد المسيرة، والمخاطر الكبيرة التي تتحرك فيها المقاتلات، ما يضطره أيضاً إلى الطلب من سلاح المروحيات القيام بالمهمة.
ويحصل أن يفشل، لكن خشيته من وصول المسيرة إلى هدفها، يضطره في بعض الحالات إلى استخدام الباتريوت، وكلفة الصاروخ الواحد في هذه المنظومة يساوي 3 ملايين دولار. وأيضاً لا يضمن إسقاط الطائرة. عملياً، ينفق العدو ملايين الدولارات في مواجهة مسيرة لا تتجاوز كلفتها الـ2500 دولار. وعندما نتحدث عن الكلفة، فنحن هنا لا نبخّس بمسيراتنا، لكنْ هناك أمر يخصّ طريقة استخدام التكنولوجيا. وهذا له تأثيره في أصل الإنتاج. هناك مسيرات تشتريها الجيوش بنصف مليون دولار. أما نحن، فيمكننا صناعة نسخة عنها بأقل من 5000 دولار، بل ونضيف عليها نظام الحماية من التشويش. ولنأخذ مثالاً آخر، فإن سرب «scan eagle» الأميركي يشتريه الأردن بـ10 ملايين دولار، وهو عبارة عن 4 مسيرات مع قاعدة تحكم أرضية. ويمنع الأميركيون الأردن من إجراء عمليات الصيانة، وهو أمر مكلف. لكننا ننتج السرب نفسه بكلفة تقلّ عن 100 ألف دولار».
ويقول القائد الجهادي: «مصيبة العدو هي أنه كان يعتقد أن برنامج الحرب الإلكترونية لن تكون له كلفة كبيرة عليه. وأنه يحمي اقتصاده من سلاحنا الجوي. لكن، مجرد أنه اضطر إلى الانتقال إلى استخدام السلاح الناري في مواجهة مسيراتنا، صارت عنده أزمة مالية كبيرة. وذلك كله، وهو لم يختبر بعد بقية مسيراتنا.
وهذا يعود أصلاً إلى كون العدو لا يمكنه تقدير آليات عملنا. صحيح أن قدراتنا المادية ليست بحجم قدراته، كما أن تأمين المواد ليس بالسهولة التي لديه. لكن، في نهاية الأمر، تمكنّا من بناء مصانع مع قدرة إنتاج كبيرة. نحن لا نتجاهل قدراته على تصنيع الأسلحة، ولا نغفل عن الدعم الأميركي المفتوح أمامه. وهو إلى اليوم، لا يتوقف عن القيام بكل ما يمكنه لمنع وصول منتجات وتجهيزات. لكن، لسوء حظه، بتنا في وضع مرتاح لجهة التصنيع، في النوع والكمية والاستمرارية. وما نستخدمه الآن هو جزء يسير، لأن قرار قيادة المقاومة يفرض علينا هذا المستوى من العمل فقط. والعدو يعرف أننا نستخدم الآن أسلحة ومسيرات سبق أن عرضنا نماذج منها في متحف مليتا منذ 5 سنوات على الأقل».
ويضيف «مفيد لفت الانتباه، إلى أن نسبة الإنتاج ووفرة العدد لا تتأثران بالتكلفة. وعندما تفرض قاعدة العمل ضرورة توفير سلاح معين، لا نقف على الكلفة، ليس فقط لأننا بحاجة إلى هذا السلاح، بل لتوافر إمكانية الحصول عليه. طبعاً هناك نوع من المسيرات تكلفتها عالية، لكن عندما نجد أننا بحاجة إليها، فهذا يفرض آلية معيّنة للإنتاج. وأقصد أننا نوفر ما نحتاجه من أسلحة. وبمعنى أدق، ليس إذا كان هذا النوع رخيصاً، يفرض أن أنتج منه أكثر من حاجتي، والعكس صحيح».
ويشير القائد في القوة الجوية إلى استنزاف الإمكانات لدى العدو «فهو بعد فشله في منع اختراق المسيرات، رفع مستوى التحسس لكل منظومات الكشف عنده. وعادة تعمل تقنيات التحسس في الرادارات بمستوى معين، حتى لا تتحرك بمجرد مرور طيور. لكن رفع العدو لمستوى الحساسية، جعل الاستنفار كاملاً. ولذلك تصدر يومياً عشرات التبليغات التي تفرض إطلاق صافرات الإنذار. هل تذكرون عندما أطلق العدو الصواريخ على طيور البجع؟
في إحدى المرات، أطلقنا مسيرة كلفتها زهيدة جداً جداً وحاول العدو إسقاطها، فأطلق أول صاروخ ثم تبعه آخر وثالث. لكن، في نهاية الأمر، تبيّن أنه أسقط مسيّرة تابعة له، بينما عادت مسيّرتنا إلى قاعدتها سالمة. نعرف تماماً وقع هذه الأحداث على ضباطه والضغط النفسي الذي يعيشون في ظله، سيّما أن الإنذارات الخطأ تستنزف المستوطنين».
وفي اعتقاد القائد الجهادي، إن العدو «يأخذ مجتمعه إلى حرب استنزاف ليس قادراً على تحملها. وهو يقوم بتنفيذ كل ما تدرّب عليه منذ 18 سنة إلى الآن. ويقاتلنا في مستوى متدنٍ بالنسبة إلينا. ولا نعتبر ما يجري الآن حرباً شاملة. لكن، في حال دخلنا الحرب الشاملة، ولم تكن هناك خطوط حمر، فإن السيناريو سيأخذه إلى حيث لا يقدر على التحمل. وليحضّر ضباط العدو من الآن الأجوبة عن أسئلة شعبه عن جدوى كل ما تدرب عليه، وكل ما أنفقه منذ عام 2006 حتى الآن»!
بالنسبة إلى منظومة «القبة الحديدية»، يقول القائد في القوة الجوية إنها «حققت نجاحاً في غزة، ولكنه ليس نجاحاً كاملاً. والسبب ناتج من صعوبات لوجستية موجودة عند إخواننا المجاهدين في فلسطين، لكن الأمر مختلف معنا. نحن حوّلنا القبة الحديدية إلى «مسخرة». ذات يوم، عندما تكشف المقاومة عمّا قامت وتقوم به في شمال فلسطين، سيعرف الجميع لماذا نقول عنها «مسخرة».
منذ مدة، قال العدو إنه أسقط مسيّرة لنا فوق نهاريا. لكنه يكذب، المسيّرة ذهبت وعادت، وربما نبث له الفيديو لكي نكشف كذبه، خصوصاً أن العدو يعرف أن مسيّراتنا هاجمت القبة مباشرة. ومعروف أن القبة هي عبارة عن منظومة رادار يفترض بها اكتشاف المسيّرة، وهناك «القاذف لانشر» الذي ينتظر الأمر حتى يطلق صواريخ باتجاه المسيرة. والذي يحصل أن المسيرة تتجاوز الرادار وتصيب القاذف الصاروخي. ولدينا توثيق كامل لهذه العمليات. والعدو يعرف مدى الفشل. فإذا كان عليه اكتشاف المسيرة من بعد 80 كلم أو 40 كلم أو حتى 20 كلم، فماذا يقول عندما تصبح المسيرة فوق الرادار وفوق القاذف وتقوم بالتصوير؟ ماذا يسمى هذا غير الفشل الذريع؟ عندما نعرض صوراً وفيديوهات تكذّب ادعاءات العدو، ماذا سيقول، وماذا سيقول قادة الجيوش الأخرى؟ يكفي مشهد المسيرة وهي تسير فوق الرادار ثم تعود إلى قاعدتها بسلام، حتى يفهم العالم كيف يكذب العدو».
ويشير القائد نفسه إلى أن «الجيوش تلجأ عادة إلى خطط لضرب المسيّرات عبر دفاعات كبيرة. هذا أمر حصل مع روسيا في سوريا وفي أوكرانيا أيضاً. لذلك، إن عملنا في مواجهة دفاعات العدو لا ينحصر في تحديد نقاط الضعف عنده، بل عمدنا إلى الارتفاع إلى مستوى أعلى من مستواه في العمل. وما يجري حالياً يمثّل التحدي الأكبر للعدو، جيشاً واستخبارات، ولكن ربما شعبه لا يعرف.
نحن نركز على نقاط قوة عنده لضربها. وهدفنا ضرب عقيدته الدفاعية التي تقوم على مبدأ الردع. هو الآن يعرف أن حزب الله لم يرتدع. لقد تخطّينا مفهوم الردع. وهو يخسر نقطة التفوق بالإنذار المبكر. كما أن العدو يعرف أن في مقدورنا ضرب المنطاد العملاق بصاروخ ذي دقة عالية، ولكننا لجأنا إلى «اقتصاد القوة» وضربنا المنطاد بسلاح بسيط مثل المسيرة. وهذا يصيب العدو في نخاعه الشوكي… نحن نضرب مراكز قوته. وقد أصبنا أكثر من رادار، خاصة رادار القبة الذي يتفاخر به، وأنه من صناعة أميركية. ومن صنعه سبق أن قال: إذا رميت كرة بايسبول فوق بيروت، فإن هذا الرادار يكشفها. لكن ما الذي حصل؟ ها هي مسيراتنا تقف فجأة فوقه، وتذهب مرات عدة وتعود وتصوره، قبل أن تنقضّ عليه، وتدمّر قاذفات الصواريخ المتصلة به. وهناك أكثر من هدف لم تعلن المقاومة عنه. وقد حصل استهداف لأمور دقيقة. وضباط العدو وأهل الاختصاص لديه يعرفون ما الذي يصيبهم».
ويقول القائد في القوة الجوية، «إن النجاح في مجال القدرة الاستخباراتية والاستعلامية لم يخرج بعد كله إلى العلن. لكن العدو يعرف أنه عندما تطلق صفارات الإنذار في النهار أو في منتصف الليل، ثم يقول إنه إنذار كاذب، فإنه لا يقول الحقيقة. لأنه لا يعرف بالضبط ما الذي حصل. هناك أمور كثيرة لم يعرف العدو عنها، مثل ما حصل في الخضيرة أو حيفا. ونحن عندما نبذل الجهد، إنما يكون منصباً على معالجة الصور والفيديوهات، والجهد ليس في جمع هذه المواد. وليعلم جمهور العدو أن ما تحتويه المعلومات التي جمعتها المقاومة «بتخرب بيتو للإسرائيلي». نحن لدينا ما ينسف عمل العدو خلال سنوات. صحيح هو فرض على منصة غوغل «تعمية» أمكنة كثيرة في الكيان، لكنه يعرف أننا «أزلنا الغشاوة ونعرف كل شيء» ونحن نملك كنزاً حقيقياً بمئات آلاف المواد التي تحدّد بنكاً كبيراً جداً من الأهداف. وأمرُ ضربها وإصابتها، رهن قرار القيادة فقط».
عائلة مسيّرات حزب الله
لم يعد خافياً حجم التنوع الموجود لدى المقاومة في لبنان على صعيد المسيرات. صحيح أن العدو يتحدث عن معطيات تجمّعت لديه، وكذلك تفعل الاستخبارات الغربية وحتى بعض الأجهزة العربية. لكن، لا تزال المقاومة تتمسك بإستراتيجية «الغموض البنّاء»، فهي لا تصرّح إلا بما يتناسب مع خططها.
وفي هذا السياق، يقول القائد في القوة الجوية للمقاومة الإسلامية، إنه «يوجد لدينا عدد مختلف من المسيرات. وتتميز كل فئة بطبيعتها ووظيفتها. ومن ناحية المهمات، هناك المسيرات التي تجمع المعطيات الخاصة بالمعركة. وهي مسيرات عملت سابقاً في منطقة الحافة. لكن نطاق عملها توسع. ووصلت في وقت سابق إلى طبريا (مسيرة الحسان 2022)، كما وصلت إلى منطقة أشدود (جنوب تل أبيب)، إضافة إلى ما أعلن عنه حول مسيرة «أيوب» عام 2012.
وخلال الحرب السورية سمحت لنا القيادة بالدخول مرات عدة إلى أجواء الجولان. وفي أوقات السلم، كنا نقوم بطلعات استخباراتية، لكن بعمق معين. وبعد «طوفان الأقصى» عدّلنا في طريقة العمل. وعندما طلب منا الأمين العام توسيع دائرة عملنا، فعلنا ذلك، لكن بالحد الذي يمكن التصريح عنه وصولاً إلى ما بعد بعد حيفا. ونحن هنا نتحدث عن الجهد الاستخباراتي، ونعني به العمل نهاراً وليلاً أيضاً. وهناك الصورة الثابتة وهناك الفيديو».
ويضيف القائد الجهادي أن لدى المقاومة مسيرات تتولى مهمة «الإلهاء». و«يمكن تحويلها فجأة إلى مسيرة انقضاضية أو استخباراتية. لكن المهم هو تواجدها في الجو. ونستخدمها لأغراض تتعلق بأنواع أخرى من العمل الذي نكون في صدد تنفيذه، خصوصاً أن استنفار العدو يكون كبيراً جداً. والعدو صار متنبهاً إلى أننا نرسل له مسيرات هدفها تشغيل منظوماته الدفاعية.
ولكن لشدة توتره، لا يعرف كيف يتصرف مع أي مسيرة يراها أمامه. وهو لا يعرف كيفية تبرير أخطائه. مثلاً، عندما استهدفنا تجمعاً لقوات العدو قرب مستوطنة الكوش، قدم العدو تبريرات مضحكة ومخجلة له كجيش. وادعى أن الحزب اخترق منظومة الكشف في قاعدة ميرون وعطلها. يعني أعطانا إنجازاً كبيراً، فقط لكي يبرر فشله. ومع ذلك، فالجمهور لم يعد يصدّقه. وكتبت «يديعوت أحرنوت» أنه كفى تبريرات بما يخص فشل الدفاع الجوي».
كذلك، يضيف القائد الجهادي أنه «توجد مسيرات تشارك في عمليات مركّبة كما حصل في عملية عرب العرامشة. هناك مبنى تابع للبلدية قدموه للجيش الذي استخدمه بديلاً من ثكنات ومواقع أخلاها. بعد الرصد، اتخذ القرار باستخدام صاروخين من نوع «الماس» المزود بكاميرا. وكانت الخطة أنه عندما يتجمع جنود العدو لمعاينة الأضرار، تنقضّ مسيرتان، واحدة على الهدف نفسه الذي أصابه الصاروخ، وثانية على نقطة نقدّر أن الجنود سيجتمعون فيها. والعملية استندت إلى جهد استخباري كبير جداً، وكان التنفيذ دقيقاً جدً. ونحن نأخذ في الحسبان أنها قرية، وحزب الله كان وما زال يحاذر استهداف المدنيين. والكل يعرف أنه كانت لدينا فرص لضرب جنود، ولكن نظراً إلى تواجدهم قرب المدنيين لم نفعل ذلك. وقد نفذنا العملية نفسها في الكوش وكذلك في المنارة».
ويشير القائد في القوة الجوية إلى أن هناك «المسيرات الإلهائية، والانقضاضية والهجومية، وهناك أيضاً مسيرات لوجستية (تنقل، رمي مناشير، نقل أغراض لـ«الحبايب») وهذا ما يمكننا التصريح به. وأحياناً نستخدم أكثر من مسيرة في مهمة واحدة. مثل أن تكون لدينا مهمة تحتاج مسيرة انقضاضية، ويكون فوقها في الوقت نفسه، مسيرة تقوم بالتصوير.
وهناك المسيرة الهجومية التي تطلق مقذوفات على هدف محدد. والعدو يعرف أن هناك صواريخ أقل بالوزن وأصغر بالأبعاد، ذكية أو دقيقة. وهناك مسيرة «سجيل» الهجومية التي لها ميزاتها الخاصة. أما المديات، فحدّث ولا حرج. السيد حسن قال من كريات شمونة إلى إيلات، ونحن ننفذ، ونقول له «وين ما بدك تكرم عيونك». لكن، لنأخذ ما يقوم به إخواننا في «أنصار الله»، وهم وصلوا إلى إيلات وتل أبيب وحيفا، ونحن نقول إن على العدو، نسبة إلى ما يقوم به «أنصار الله» الذين بدأوا عام 2015، وبدأنا قبلهم، أن يتخيل ما الذي عندنا!».
ويقول القائد الجهادي إنّ هناك نوعاً من المسيرات التي تقع تحت عنوان الـmulti copter، وهي تقوم بالـ hovering، ما يعني أنها أساساً مسيرة، ونحن نصنعها بأنواع عدة من المحركات. ويمكنها أن تقوم بكل المهمات. لكن الأمر يختلف من حيث المدى والوقت، إذ يمكن تشغيلها لعشرات الكيلومترات، لكنها تتميز بفعالية عالية في الاشتباك المباشر مع القوات البرية. ونحن لم نستخدمها بعد. ويمكن لمقاتل أن يديرها ويتحكم فيها. عدا عن أن كلفة تصنيعها بسيطة. ويمكن إنتاجها في أماكن قريبة جداً من موقع المعركة. وهي تعتبر من الأسلحة التكتيكية، والعدو يخشاها في حالة الحرب المفتوحة، لأن فعاليتها ضد قوات المشاة هائلة».
وبحسب القائد الجهادي، يوجد لدى العدو «جيش من أفضل من يدرس عدوه ويأخذ العبر. وهو سريع بالتنفيذ. وفي كل مرة يتم استهداف موقع له، يبادر فوراً إلى اتخاذ الإجراءات. في بداية الحرب، سحب جنوده من المواقع الأمامية. وهناك مواقع لم يعد فيها إلا عدد قليل جداً. ولجأ إلى اختيار أمكنة جديدة في كل الشمال لنشر الجنود الذين أتى بهم. واستخدم المناطق المفتوحة مثل السهول (20 أو 30 ناقلة جند ومدرعة مع جنود يتم نشرهم في ملعب واسع). وبعد أول عملية نفذناها، عاد ووزع الجنود تحت الشجر. وفي كل مرة يلجأ إلى اختيار موقع جديد. وفي بعض الأحيان، نقوم باستطلاع لهدف معين، وعندما نعود لنضربه نجد أنه غيّره نظراً إلى استشعاره الخطر. وهي عملية منهكة للجنود، خصوصاً الآتين من عالم الاحتياط».
ويشرح القائد أنه لكل مسيرة «أهدافها الواضحة (Online)، أي إننا حددنا لها مهمة محددة. وهناك أهداف غير محسومة (Offline)، والمقصود بذلك أن المسيرة تكون في مهمة محددة، وأثناء عملها، تكتشف هدفاً يمكن إضافته، وهذا يعني تحديث الأهداف عندنا. حتى فكرة القيام بهجوم ممكنة خلال المهمة. وللجميع أن يتخيل أننا نقدر أو لا نقدر على كل شيء، بما في ذلك الاصطدام بطائرات للعدو.
مع العلم أن العدو يصنّف طائراتنا بأنها شبحية. يعني أنها قادرة على التسلل والاختباء عن الرادارات، وتنفيذ المهمة دون أو قبل كشفها. حتى عملية الكشف ليست سهلة. والتحدي هنا لا ينحصر بالرادارات. مثلاً، لدينا مسيرات بصمتها منخفضة، مع بصمة حرارية عالية وصوت مرتفع، كما أن حجمها يجعلها ظاهرة أكثر. لكن لم يكتشفها العدو، بسبب الخلطة من الجهد البصري والحراري والفيزيائي الذي يعرقل مهمة العدو. ولذلك إن جيش الاحتلال يشرك الجميع في المهمة. وعلى خط الجبهة الآن، وزع الجيش على المستوطنين أرقام هواتف للاتصال لمجرد سماعهم صوتاً يفترضون أنه لمسيرة. لكننا لجأنا إلى تكتيك معيّن، وحققت العملية نجاحاً باهراً».
أما لناحية الأوزان الخاصة بالرأس الحربي، فيقول القائد في القوة الجوية إنها «متنوعة. تبدأ من كيلوغرامات عدة ويمكن رفعها إلى ما شاء الله. نحن لا نتحدث عن أطنان، ولكن صارت هناك قدرة لمسيراتنا على حمل رؤوس متفجرة بأوزان عالية. وبالتالي، يعرف العدو جيداً من تجربة الشهور التسعة الماضية، أن لدينا أسلحة مختلفة مكّنتنا من الوصول إلى الهدف. وهو يعرف معنى أن تكون مسيراتنا قادرة على حمل صاروخ. والعدو يعرف أن المسألة ليست مرتبطة بالوزن، لأن هناك عمليات نفذناها بأوزان صغيرة وحققت نتائج عالية… أما لجهة التحكم، فالعدو يقول إن مسيراتنا مزودة برأس توجيه بصري يسمح بإدارتها من بعد. حسناً، وما الجديد؟ السؤال عنده: ماذا فعلت لمواجهة هذا التحدي؟»
كيف نفّست إبرة حزب الله المنطاد الأسطورة؟
«كيف يجيب العدو ناسه عن قصة منطاد «طل شمايم». لقد أنفق عليه مئات الملايين من الدولارات. وفيه رادار من نوع متطور جداً. وفجأة، تنقضّ عليه مسيرة نجحت في اختراق كل الدفاعات، ولم يكتشفها العدو إلا في اللحظات الأخيرة. ومع ذلك تُسقط هذه المسيرة الصغيرة منطاداً ليس له مثيل في الشرق الأوسط؟
كان لعملية الاستطلاع الدور الكبير والفعال. ناقشنا فكرة أن نسقط المنطاد وهو في الجو. وفي النهاية، وجدنا أن الأنسب لنا من الناحية العسكرية ضربه على الأرض. ولسنا مضطرين إلى أن نلحق به على ارتفاع 7000 متر، رغم أننا قادرون على ذلك.
أطلق العدو بروباغندا أساسها أنه متقدم علينا بكل شيء. وقف يؤاف غالانت بالقرب من المنطاد. وتحدث بثقة أن قواته تتقدم وحزب الله يتراجع… وفجأة، من حيث لا يحتسب، تصل مسيرة صغيرة، وتنقضّ على المنطاد وتشلّه تماماً».
هذه العبارات، وردت على لسان القائد في القوة الجوية التابعة لحزب الله، في معرض حديثه عن عملية إسقاط المنطاد. وهي عملية جاءت بعد أقل من أربعة أشهر، على وقوف وزير حرب العدو على منصة وضعت في ظل المنطاد العملاق، وأمامه ضباط وعناصر من سلاح الجو والاستخبارات. وهو لم يكن يحتاج إلى ما يزيد في استعلائه وهو يتحدث عن «انهيار معادلات ظنّ حزب الله أنه خلقها في لبنان».
غالانت، تحدّث مستنداً إلى ما يشبه «القول الجازم» لمنظوماته الأمنية والعسكرية التي أوضحت له أن، هذا المنطاد، يقوم بدوره في دعم عمل سلاح الجو. هو نفسه سلاح الجو الذي أصابته الصدمة حين وصلت الأنباء عن «حادث سيئ» في الشمال. قبل أن تسمح الرقابة بنشر أخبار مقتضبة. ثم قام حزب الله بعرض شريط فيديو، يشرح عملية استطلاع جوية لـ«منطاد المراقبة العملاق»، قبل أن يعرض صوراً إضافية بعدما نجحت مسيرة تابعة للقوة الجوية في حزب الله بالوصول إلى المنطاد وإصابته وتدميره.
سريعاً انقلب المزاج في إسرائيل. وخرج المعلقون يتهكمون على قياداتهم العسكرية والأمنية. وكتب أحدهم عن «فقاعة الهواء لبالون المراقبة» قائلاً: «أبعد من سحق الأنا والإضرار بالصمود الأمني، فإن انهيار بالون المراقبة المتطور يطغى على مشكلة إستراتيجية طويلة الأمد في المفهوم الأمني الإسرائيلي».
شكل منطاد «طل شمايم»، المنصة الأكثر قدرة وتفوقاً على جمع المعلومات بحسب سلاح الجو الإسرائيلي. وهو الأكبر من نوعه في العالم، ولا يوجد مثيل له في كل الشرق الأوسط. وقد تم تطويره على مدار سنوات عدة، ضمن برنامج مشترك لـ«مديرية الجدار» في وزارة الحرب الإسرائيلية ووكالة الدفاع الصاروخي الأميركية. نقل من أميركا مفككاً في حاويات، وجمعته فرق أميركية متخصصة.
اسمه الأجنبي هو (SKY DEW) والمعروف بالعبرية باسم «طل شمايم» أو «ندى السماء» بالعربية. ومقره في منطقة إيلانيا. وهو يعمل وفقاً لنظام Aerostat (HAAS)، وتم تصميمه من أجل تحقيق إنذار مسبق حول الهجمات الصاروخية البعيدة المدى وهجمات المسيرات البعيدة المدى. وهو قادر على اكتشاف التهديدات المختلفة على المستويات البعيدة أو المنخفضة، مع تغذية بيانات التهديد والاستهداف إلى وحدات الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات.
يحمّل المنطاد مجموعة من أنظمة الاستخبارات الإلكترونية والتي تشتمل على عشرات أنظمة إلكتروبصرية، رادارات بعيدة المدى، أنظمة استخبار إشارة، معدات اتصالات نشطة وخاملة. كما تتبع له أهداف على ارتفاعات منخفضة وفي الأودية. أما المستشعر الأساسي في المنطاد، فهو نظام الرادار المتقدم «SKY DEW» حيث يتم تركيب هوائي الرادار والإلكترونيات وأنظمة الاتصالات ذات الصلة داخل حاجب أمامي كبير من القماش قابل للنفخ تحت غلاف الغاز المستقر للضغط في المنطاد. ويحتوي على حبل مزود بكابلات بيانات الألياف الضوئية، حيث يتم إجراء اتصالات البيانات بين المنطاد ومحطته الأرضية عبر روابط بيانات آمنة من الألياف الضوئية.
يوم 16 أيار، وبينما كان متوقفاً على الأرض، اخترقت مسيرة صغيرة ورخيصة الثمن غلافه، تم تفجير البالون وسحقه». أحد أغنياء العدو الذي يغدق بتبرعاته للدولة ومشاريعها العسكرية – هو دكتور في الفلسفة إلى جانب كونه رجل أعمال – يدعى شموئيل حِرلاف، كان كئيباً من الحدث، وكتب في «يديعوت أحرونوت» أن «انفجار البالون هو اختراق من حزب الله يمثل نظيراً لاختراق «حماس» للجدار العازل والأسوار في 7 أكتوبر. في شمال البلاد وجنوبها، تحطمت غطرسة التفوق الإسرائيلي التكنولوجي والاستخباراتي، ما ألحق ضرراً إستراتيجياً بأمن إسرائيل».
المصدر: جريدة الأخبار