درس عاشوراء الحسين بن عليّ عليهما السلام درس خالد، لا ينبغي نسيانه، ينبغي فهمه بشكل جيّد، كما ينبغي للمحاضرات ومجالس العزاء التي تُذكر فيها مصائب كربلاء، تسليط الضوء على مسألة الفداء، وتضحية الإنسان من أجل دين الله وفي سبيل الله، حتّى لا يخرج هذا الدرس من أذهاننا أبداً.
كربلاء، النموذج الدائم والمجرّب
عليكم أن تعرفوا أنّ كربلاء هي النموذج الدائم لنا، كربلاء مثال وقدوة لنا في أنّه لا ينبغي للإنسان أن يشكّ أو يتردّد في الوقوف مهما كان العدوّ شديداً أو كبيراً. هي نموذج قد تمّ اختباره وتجربته. صحيح أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد مضى واستشهد مع ٧٢ من أصحابه في صدر الإسلام، لكنّ هذا لا يعني أنّ كلّ من يسير على درب أبي عبد الله عليه السلام وكلّ الذين يسيرون على درب المواجهة ينبغي أن يستشهدوا، لا، ليس كذلك، فالشعب الإيرانيّ اليوم قد اختبر بحمد الله، طريق الإمام الحسين عليه السلام وهو يحضر بشموخ وعظمة بين الشعوب المسلمة وبين أمم العالم.
ما قمتم به قبل الثورة (الإسلاميّة) ومضيتم عليه، هو طريق الإمام الحسين عليه السلام، أي عدم الخوف من العدوّ والخصم، والتقدّم لمواجهته. وهكذا كان الأمر في مرحلة الحرب[1].
لقد أيقن شعبنا أنّ الشرق والغرب وكلّ المستكبرين وقفوا في مواجهته، لكنّه لم يخف. بالطبع قدّمنا شهداء كباراً. فقدنا أحبّة أعزّاء. وقدّم أعزّاء منّا سلامتهم وصحّتهم وأصبحوا في عداد الجرحى. وأمضى أعزّاء آخرون نيّفاً من أعمارهم في السجون.. لكن أمّةً مع هذه التضحيات وصلت إلى أوج عزّتها وعظمتها، لقد غدا الإسلام عزيزاً، وارتفعت راية الإسلام. كلّ ذلك ببركة ذلك الصمود والمقاومة[2].
الإمام الحسين عليه السلام النموذج الحيّ والساطع
تحتضن هذه الأمّة – من بين عشرات، بل مئات الخصائص التي تنفرد بها الأمّة الإسلاميّة بفضل القرآن والإسلام وأهل البيت عليهم السلام- نماذج كبيرة ومشرقة. ولهذه النماذج القدوة أهمّيّتها في حياة الشعوب، فإنّ الشعوب على اختلافها ما إن تجد شيئاً من نفحات العظمة في واحدة من شخصيّاتها، فإنّها لا تنفكّ عن تمجيد تلك الشخصيّة والتغنّي بها وتخليد اسمها، بغية توجيه المسار العامّ لأجيالها في الاتجاه الذي يريدونه لها. وأحياناً قد لا تكون هذه الشخصيّة واقعيّة أصلاً، لكنّهم يتحدّثون عنها (هذه الشخصيّة الخياليّة) في القصص والأشعار والأساطير الشعبيّة، وهذا كلّه نابع من حاجة الشعوب لأن تجد فيما بينها نماذج عظيمة من أبنائها. لكنّ هذا الأمر موجود واقعاً في الإسلام على نحو واسع ومنقطع النظير، ومن بين هذه الشخصيّات العظيمة التي يُحتذى بها: شخصيّة أبي عبد الله عليه السلام إمام المسلمين وسبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك الشهيد الكبير[3] في تاريخ الإنسانيّة[4].
عالميّة دروس الإمام الحسين عليه السلام
ليس الإمام الحسين عليه السلام حكراً على الشيعة أو المسلمين، بل رسالته عامّة لكلّ أحرار العالم. وهذا زعيم نهضة الحرّيّة في الهند قبل ٦٠ أو ٧٠ عاماً يذكُر اسم الحسين بن عليّ عليهما السلام، ويقول إنّه قد تعلّم منه، مع أنّه كان من الهندوس ولم يكن مسلماً. وكذلك الأمر بين المسلمين، فالأحداث التي جرت للإمام الحسين عليه السلام هي هذه. أنتم تكنزون مثل هذه الجوهرة النفيسة التي يمكن للبشريّة جمعاء أن تنهل وتستفيد منها[5].
[1] الحرب التي فرضت على الجمهوريّة الإسلاميّة في ثمانينيّات القرن الماضي.المترجم-.
[2] كلمته في حشود من مختلف شرائح الشعب بمناسبة قدوم محرّم الحرام, ١٠/٤/١٣٧١ش- ١/٧/١٩٩٢م.
[3] كامل الزيارات, ص١٤٢, بحار الأنوار, ج٤٥, ص٢٣٨.
[4] في لقاء جموع كبيرة من الحرس والتعبئة بمناسبة ولادة الإمام الحسين عليه السلام ويوم الحرس, ٢/٩/١٣٧٧ش- ٢٣/١١/١٩٩٢ م.
[5] خطبة الجمعة في طهران ١٩/٣/١٣٧٤ش ١٠ محرّم ١٤١٦هـ-.
المصدر: شبكة المعارف الاسلامية