ليس مفاجئاً عودة التوتر من جديد بين أرمينيا وأذربيجان في اقليم ناغورني قره باغ. الحدود بين البلدين شهدت حشد كل منهما قواتاً عسكرية قرب السياج الفاصل منذ أسابيع، مما دفع العديد من المراقبين إلى إطلاق جرس الإنذار حول إمكانية اندلاع حرب ثالثة في الاقليم.
الصراع القديم على هذا الاقليم تجدد عقب مرور ثلاث سنوات على المواجهة الأخيرة التي خلّفت 6500 قتيل وانتهت بوساطة روسية، لأسباب عديدة، يشرح الخبراء احداها بالقول إنه ” منذ اندلاع الحرب بين أرمينيا وأذربيجان مطلع التسعينيات، تنتهي المعارك بهدن هشة واتفاقات غير كاملة، سرعان ما يتم نقضها لتعود المعارك بدون أن تحسم الوضع عسكريا بالإقليم، وهو ما جعله منطقة ملتهبة قابلة للاشتعال مجددا خاصة مع تداخل أطراف دولية ورغبة كل طرف في الضغط على الآخر عبر مناطق النفوذ”. ماذا عن الأسباب الأخرى التي دفعت الدفاع الأذربيجانية إلى الاعلان عن اطلاق “عملية لمكافحة الارهاب” تستهدف القوات الأرمينية في الاقليم، بالرغم من استعادتها السيطرة على أجزاء واسعة منه في حرب 2020، وفي الوقت الذي نفت فيه الأخيرة وجود قوات تابعة لها؟
اقليم الدم
منذ أكثر من 100 عام، يتصارع البلدان حول تبعية الإقليم، إذ نشبت حربان بينهما الأولى 1992 والأخرى في 2020، تخللهما أيضا عدة معارك صغيرة للسيطرة على ناغورني كاراباخ الذي بات يعرف بالإقليم الملتهب أو “إقليم الدم” جراء الأعداد الكبيرة للقتلى التي تسقط من الجانبين.
أزمة إقليم ناغورني كاراباخ أحد أكثر الصراعات العرقية استعصاءً في العالم، بحسب خبراء، ويزداد صعوبة في ظل عدم حسم الوضع النهائي للإقليم وتبعيته.
وبحسب مطلعين فإنه “يمكن فهم طبيعة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على أنه بالأساس صراع عرقي قائم على نزعات قومية عبر إرث من العداء بين الآذريين والأرمينيين، غذته الحقبة السوفييتية عبر الجراحات العرقية ومحاولات التغيير الديموغرافي والتلاعب بالجغرافيا”. وفي ذلك إشارة إلى ما حدث في عشرينيات القرن الماضي عندما قام جوزيف ستالين بضم الأقلية الأرمينية، سكان كاراباخ، داخل حدود أذربيجان، وبحدود إدارية تُرسم لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانياً رغم رغبة السكان في التبعية الأرمنية. في المقابل، تظل الأقلية الأذربيجانية في إقليم “ناختشيفان” معزولة داخل جمهورية أرمينيا. بالإضافة إلى أن السلطة السوفييتية منحت “كاراباخ” صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما كان أشبه بقنبلة موقوتة.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه، استقلت جمهورية أذربيجان. اندلعت الحروب بينها وبين جمهورية أرمينيا، كلٌ يريد ضم تلك البقعة إلى أراضيه.
طلب البرلمان في ناغورني كاراباخ الانضمام إلى أرمينيا، وتم التصويت على ضم المنطقة إلى أرمينيا 20 شباط/فبراير 1988، واندلعت الحرب أواخر شتاء 1992، ولم تتمكن المنظمات الدولية من احتواء الصراع، قبل أن تتدخل روسيا وتضع حلاً لوقف الصراع تم التوقيع عليه في أيار/مايو 1994، بواسطة مؤتمر الأسس الأمنية والتعاونية الأوروبية (مجموعة مينسك)، وقد عقدت من جانب أرمينيا وأذربيجان.
مع مرور الوقت تحول النزاع إلى صراع إقليمي ودولي، ومجال تنافس يتعلق بالمصالح، ومجالاً حيوياً للدول خصوصاً بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة وإيران والاتحاد الأوروبي وكيان العدو الاسرائيلي؛ نظراً للتهديد الكبير لإمدادات الطاقة الوافدة للأسواق الأوروبية والدور اللوجستي الفاعل للمنطقة في هذا الشأن”.
هنا يكمن واحد من الوجوه المهمة للصراع المرتبطة بتفسير تجدده حالياً، خصوصاً أن الاقليم يُعدّ اقليماً فقيراً لجهة موارده الاقتصادية.
الممرات الحدودية
بالعودة إلى حشد الطرفين مزيداً من القوات العسكرية منذ مطلع تموز/يوليو، تحديداً في مدينة هانكندي، وذلك على خلفية قيام باكو بإغلاق ممر لاتشين بناء على ذرائع مختلفة، ما تسبب في نقص كبير في الامدادات.
وهنا تجدر الإشارة إلى ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020 بأن تتخلى أرمينيا عن تلك المدينة تدريجياً لصالح أذربيجان، وأن تقوم بفتح ممر زنغزور من أجل ربط جمهورية ناختشيفان التابعة لأذربيجان، والتي تتمتع بحكم ذاتي وتشترك في الحدود مع كل من تركيا وأرمينيا وإيران.
وهنا يوضح خبراء أن قضية فتح الممرات الحدودية التي تطالب بها أذربيجان وتركيا، طغت على الصراع وجهود التطبيع بين أطرافه التي أعقبت حرب 2020، إذ إن الأخير مرتبطة “بتبادل فتح الممرات البرية، وهي عبارة عن ممر عبر أراضي أرمينيا بين إقليم ناختشيفان وأذربيجان الأم، وآخر عبر أراضي أذربيجان يربط أرمينيا بعاصمة إقليم قره باغ، والتي لا تزال تحت سيطرة الأرمن”.
باشينيان والولايات المتحدة
لا يمكن التطرق إلى التطورات دون الإشارة إلى أنها تزامنت مع تدريبات “إيغل بارتنر 2023” الأمريكية – الأرمنية المشتركة التي انطلقت في أرمينيا أمس الاثنين، وتستمر حتى 20 أيلول/سبتمبر الجاري.
وهنا لا بد من الإشارة إلى التحول السياسي الذي يقوده باشينيان، إذ إنه “عند وصوله إلى السلطة، بدأ يحاول بقوة تحويل مسار بلاده، التي كانت معتمدة بشكل كبير على روسيا، نحو الولايات المتحدة، مما دفع روسيا إلى النظر إليه بتحفظ، بحسب خبراء، مع الحديث عن احتمال أن تطيح جماعة موالية لروسيا برئيس الوزراء من خلال انقلاب عسكري.
هذا ويرى العديد من المطلعين أنه في حال انزلاق التوترات إلى حرب ثالثة، فإن الأخيرة ستكون معقدة على صعيد الحسابات الاقليمية والدولية.
أذربيجان: تركيا تؤيد عمليتنا العسكرية
أعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان أن وزير دفاع تركيا يشار غولمر، أبلغ نظيره الأذري، ذاكر حسنوف دعم أنقرة لباكو في عمليتها العسكرية في قره باغ.
وجاء في بيان الوزارة “جرت محادثات هاتفية بين وزيري دفاع أذربيجان وتركيا حيث أطلع وزير الدفاع نظيره التركي على إجراءات العملية العسكرية في منطقة قره باغ بأذربيجان”.
وفي السياق، قالت موسكو إن قواتها لحفظ السلام على اتصال مع أرمن قره باغ والسلطات الأذرية للتوصل لوقف إطلاق النار، بينما دعا ممثل الاتحاد الأوروبي لجنوب القوقاز إلى وقف فوري لإطلاق النار بالإقليم وإجراء حوار لتحقيق التعايش السلمي.
المصدر: موقع المنار