عاد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عبدالله بو حبيب ليل أمس من القاهرة، بعد تمثيله لبنان في الدورة 160 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، وألقى كلمة جاء فيها:
“يسرّني أن أتقدم بالشكر لمعالي الأخ سامح شكري وزير خارجية جمهورية مصر العربية على ما بذله من جهد خلال ترؤسه للدورة ال 159 من مجلس الجامعة الوزاري، وأتقدم بالتهنئة من معالي الأخ ناصر بوريطة وزير خارجية المملكة المغربية بمناسبة ترؤسه الدورة 160 للمجلس متنميا له النجاح في مهمته.
كما أتقدّم بالشكر من معالي الأمين العام السيد أحمد أبوالغيط وجهاز الأمانة العامّة على جهودهم المقدرة في إدارة أعمال الجامعة بين الدورتيْن 159 و160.
لقد شهدت الفترة الماضية تزايد الحاجة إلى العمل العربي المشترك مع تعمق إدراك أهميته لمواجهة التحديات المشتركة التي تطل برأسها مع تطورات الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الإستقرار العالمي وأمن الغذاء والطاقة خصوصا. ولقد شهدنا بالفعل تقدما ملموسا على هذا الصعيد في أكثر من مجال وهو أمر رفع من آمال وتوقعات الشعوب العربية. وتعززت هذه الآمال مع المبادرة التي قامت بها المملكة العربية السعودية من خلال توقيع اتفاق مع الجمهورية الاسلامية الايرانية في بيجينغ. لقد شكلت تلك الخطوة تعبيرا واضحا عن ضرورة أن يتولى أهل المنطقة معالجة قضاياهم وحل مشاكلهم بأنفسهم. كما رافق ذلك القرار التاريخي باطلاق دور عربي فعال لحل الأزمة السورية، وهو ما عكس بدوره تبلور ارادة بحل مشاكلنا بأنفسنا وتفعيل العمل العربي المشترك لما فيه من مصلحة لبلادنا وشعوبنا.
وللعمل المشترك مقتضيات ، منها الإنطلاق من المشتركات وتحصينها ومنها الحرص المتبادل على المصالح واعتماد الحوار والتشاور والتنسيق، خصوصا في المحافل الدولية. وفي هذا المجال، وفي امتداد تهنئة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لقرب تبوئها عضوية مجلس الأمن، أعرب عن ثقة بلادي الكاملة بأنها سوف تكون الصوت المعبر عن المصالح العربية وتحرص على التنسيق والتشاور مع الدول العربية التي لديها قضايا معروضة أمام مجلس الأمن.
لا يزال لبنان يواجه التحديات الصعبة التي تداعت بعد انفجار الأزمة المالية فيه وتعمق أزمته الإجتماعية والمعيشية التي تعددت أسبابها ونعرف مسبباتها، سواء الداخلية أو الخارجية. وأولى الإنعكاسات السياسية لهذه الأزمة تتمثل في الصعوبة الحالية لانتخاب رئيس للجمهورية وفق مقتضيات الدستور، مع ذلك فإننا مصممون على استكمال العمل وبذل المزيد من الجهود من أجل تحمل مسؤوليتنا في انتخاب رئيس للبلاد والقيام بالاصلاحات اللازمة لإعادة بناء الدولة والاقتصاد، وهي واجبات لبنانية صرف منفتحة على التعاون مع الأشقاء والأصدقاء.
وفي هذا المجال تقدمت مؤخرا مسألة دور “القوة المؤقّتة للأمم المتّحدة في لبنان” – اليونيفيل- والتي تنتشر جنوبي نهر الليطاني في جنوب لبنان، حيث حرصنا على أن يتضمن قرار مجلس الأمن للتمديد لها ما يؤكد أنها تعمل وفقًا للفصل السادس الذي يتطلب تعاونًا وتنسيقًا مع الحكومة اللبنانيّة. ولقد فرضت الوقائع الميدانية نفسها حيث أن العلاقة ممتازة بين لبنان واليونيفيل، وبقيت كذلك في ظل قرار التمديد الذي صدر العام الماضي، ذلك أنّ موقف لبنان ينطلق دائمًا من الحرص على السلام في الجنوب وسلامة أهاليه، وكذلك سلامة القوات الدولية، ضمن الاحترام الكامل للسيادة اللبنانية. وفي اطار هذا الحرص نفسه، يهتم لبنان بتثبيت حدوده البريّة، المُرسمة أصلاً، مع فلسطين منذ العام 1923 وهو أمر تبرز أهميته من حيث جعل الخروقات والانتهاكات الاسرائيلية التي لا تتوقف، أكثر وضوحا وانكشافا أمام العالم أجمع والمجتمع الدولي الذي لا يريد أن يرى استمرار الخروقات الإسرائيليّة للسيادة اللبنانية برًا وبحرًا وجوًا، والتي زاد عددها منذ العام 2006 عن 25 ألفًا.
على صعيد متصل، تزايدت في الآونة الأخيرة أعداد النازحين السوريين إلى لبنان مشكلين ضغطا اضافيا على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية كما على الموارد المحدودة أصلا. إنّ هؤلاء النازحين يغادرون سوريا لأسباب اقتصادية ومعيشية بفعل تفاقم الأزمة الاقتصاديّة في سوريا. وبعيدا عن المناشدة واطلاق النداءات في صحراء الصمت والاهمال، على الجميع أن يعلم أن مساعدة سوريا على تخطي أزمتها السياسيّة الاقتصادية والمعيشية الخانقة هو أمر ملح، لدول الجوار البرّي والبحري خصوصًا، ذلك أنّ التداعيات التي قد تنجم عن التأزيم الحاصل في موضوع النازحين قد تكون أخطر بكثير مما يتخيل البعض.
ويهمني، في هذا الاطار، أن أعيد التأكيد على ضرورة تسهيل وتسريع عودة النازحين واللاجئين السوريين إلى بلدهم وبلداتهم وقراهم، حيث ينبغي التوقف عن تسييس هذه القضية التي باتت تهدد أمن واستقرار لبنان والبلدان المضيفة. كما نُشدد على ضرورة تفعيل العمل بخطة التعافي المُبكر، ليس فقط من أجل سوريا والسوريين، بل من أجل جميع الدول المضيفة.
جميعنا شاهد على ما يجري في فلسطين وما يتعرض له الشعب الفلسطيني. وجميعا شاهد على الوحشية الاسرائيلية والممارسات التي تقوض، أسس حل الدولتين الذي اعتبر تسوية تاريخية يرفضها الجانب الاسرائيلي ليل نهار. وفي الوقت الذي تتمسك فيه الدول العربية بمبادرة السلام العربية، التي أُقرّت في قمّة بيروت العام 2002، يتوسع الاستيطان ويزداد تسلح المستوطنين ووتنفتح شهية الاحتلال على التدمير والتهجير والاستيلاء على الأملاك كما يزيد استسهاله قتل الفلسطينيين.
وفي المقابل، جميعنا شاهد على بطولات الشعب الفلسطيني واستعداده العالي للتضحية وجرأته في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لبلاده. وإني أحيي، من على هذا المنبر، تلك البطولات والتضحيات واعيد التأكيد على دعم نضال الفلسطينيين من أجل تحرير بلادهم وبناء دولتهم. فمن دون حل القضية الفلسطينية بمختلف جوانبها، بما فيها تطبيق حق العودة، لن يكون هناك سلام واستقرار في المنطقة.
كل التمنيات بالنجاح لأعمال مجلسنا”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام