طالما سمعنا ان بعض السياسيين في لبنان يخافون فرض “عقوبات” عليهم من قبل الادارة الاميركية، وطالما سمعنا ان بعض السياسيين اتخذوا قرارات تحت وطأة الخوف من ان تمسهم عقوبات او اجراءات او تدابير امريكية او غير امريكية في العالم، فلماذا كل هذا الخوف والجزع من الامريكيين او غيرهم؟ ولماذا لا يكون السياسي اللبناني يتمتع بالاستقلالية والحرية والحصانة من اي خوف او تدبير خارجي سواء كان مصدره واشنطن ام غيرها؟
لا شك ان للولايات المتحدة الاميركية دورها وتأثيرها على مستوى العالم، ولا شك انها عندما تضع شخصا (سواء معنويا او طبيعيا) ما في مخططها فهي ستحد من حرية حركته وتطوره وتضيّق عليه بشكل خاص في نشاطاته الاقتصادية والتجارية والمالية، وبالتالي لا يمكن لهذا الشخص نقل الاموال وتشغيل الاعمال بالحرية ذاتها والدعم والرعاية كما لو كان على علاقة طيبة مع الامريكيين، خاصة اذا كانت نشاطاته المالية في بلدان تدور في الفلك الامريكي.
لكن ألا يتعارض كل ذلك من طموحات شخصية مع الحيثيات والاعتبارات العامة للشخص العامل بالشأن السياسي، باعتبار انه يعمل في الحقل العام ويجب ان يكون همه الاساسي مصلحة وطنه ودولته قبل مصالحه الخاصة والشخصية، فمن يريد ان يصبح رئيسا او وزيرا او نائبا يجب ان تكون أولويته الدولة ومؤسساتها والبلد ككل، لا ان تكون الاولوية لعلاقاته المالية وحساباته المصرفية وأعماله التجارية او أعمال أفراد عائلته، لان من يكون في منصب عام ويبقى يفكر فقط بمصالحه الشخصية الافضل عليه ترك العمل بالشأن العام والتفرغ لأعماله الخاصة لانه سيكون بذلك أكثر تصالحا مع نفسه وتحقيقا للمصلحة العامة، وسيتحرر من ربط مصالح الوطن بمصالحه الخاصة.
فهل يستطيع من يخاف العقوبات من جهة ما سواء من قبل واشنطن او غيرها ان يقوم بخطوة تعارض مصالح من يخافهم؟ هل يمكن لرئيس او وزير او نائب او رئيس حزب او تيار الوقوف بوجه أميركا طالما يخاف عقوباتها؟ ولماذا يجب على فلان او فلان تبرير ما يقوم به لنيل لرضى الامريكي ورفع العقوبات المفروضة عليه من قبلها؟ أليس الأجدر بالوطني والحر الخائف على مصالح بلده وناسه ان يتخذ المواقف التي تتماشى مع مصالح الوطن والشعب أولا بدون الالتفات لاي عقوبات أمريكية او غير أمريكية قد تطاله؟
ويبقى السؤال الاهم من أعطى امريكا وغيرها السلطة لفرض عقوبات على سياسيين لبنانيين وما الهدف من وراء ذلك؟ أليس كل هذا هو تدخل مفضوح بالشؤون الداخلية للبنان؟ وأليس هذا جزء من الترهيب والارهاب والحصار الامريكي على لبنان تحت شعارات وحجج وذرائع مختلفة؟ وأليس الأجدر بكل اللبنانيين الوقوف بوجه مثل هذه الممارسات الامريكية بحق أي سياسي لبناني سواء نتفق معه او نختلف بغية تحصين لبنان من أي تدخل خارجي وعدم فتح المجال للولايات المتحدة للاصطياد بالماء العكر بين اللبنانيين وإحداث الشرخ بينهم؟
الأكيد ان التهديدات الامريكية المباشرة او غير المباشرة التي تطلق بين حين وآخر ضد السياسيين اللبنانيين بضرورة اتخاذ إجراء معين كإنتخاب رئيس على سبيل المثال والضغط باتجاه تسمية شخص دون آخر، هو إرهاب يمارس بحق فريق من السياسيين الذين ينصاعون بشكل او بآخر تحت وطأة التهديد الامريكي إما خوفا على مصالحهم او خضوعا للخوف من الضغط الذي يتعرضون له، لكن على هؤلاء الإدراك ان الرد المناسب على التهديد بفرض “عقوبات”، هو تحكيم العقل والضمير وتحصين أنفسهم من أي خوف وتقديم مصلحة وطنهم على أي شيء آخر والجلوس للتفاهم والتوافق مع الشركاء في الوطن بما يحمي وطنهم اولا من كل التدخلات الخارجية، وما يحميهم ثانيا وضمنا من أي ترهيب او ضغط.
المصدر: موقع المنار