ما قبل معركة “سيف القدس” بين العدو الاسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، ليس كما بعدها. مفصلية هذه المواجهة، (بدأت في العاشر من أيار/مايو 2021 واستمرت احدى عشر يوماً)، وأهميتها الاستراتيجية لا تزال تلقي بظلالها على المواجهة المستمرة مع العدو من مواجهة “وحدة الساحات” (آب/اغسطس 2022)، إلى كثافة العمليات النوعية والمواجهات التي شهدتها وتشهدها القدس والضفة منذ ما يقارب العام، وصولاً إلى المواجهة الحالية، التي وللمفارقة بدأت في التوقيت نفسه، اثر عدوان اسرائيلي على قطاع غزة استهدف ثلاثة من قياديي سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي)، وادّى إلى استشهادهم.
في الذكرى السنوية الثانية لهذه المعركة، ما هي أبرز مفاصلها؟ وأين تكمن أهميتها في سياق المواجهة المستمرة مع العدو منذ ما يقارب السبع عقود؟
أولاً، وبحسب محللين، فإن “سيف القدس” تعتبر المعركة الأولى التي حددت المقاومة ساعة انطلاقها وهدفها، مع تحذير حركة حماس على لسان قائد جناحها العسكري محمد الضيف بأنَّ “أمام جيش الاحتلال ساعة للخروج من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وإلَّا ستندلع الحرب”. وهذا ما حدث، إذ وجهت كتائب القسام في تمام الساعة السادسة مساءً ضربة صاروخية تجاه مدينة القدس، لتبدأ بعدها المعركة.
ثانياً، فإن هذه المعركة كرّست مرحلة جديدة للصراع بين الجبهات والفصائل من جهة، والعدو من جهة ثانية، إذ أكدت أنه من الممكن أن تتوحد هذه الجبهات وأن يكون لدى الفصائل غرفة عمليات مشتركة، وقد كان أبرز ما حدث في هذا السياق هو دخول فلسطينيي أراضي الـ 48 على خط المواجهة.
ثالثاً، يؤكد خبراء في الشأن الفلسطيني أن “قرار المعركة بذاته، والخروج من دائرة المطالبة برفع الحصار والدفاع عن قطاع غزة إلى اعتبار قطاع غزة جزءاً من الهمّ الوطني الفلسطيني الشامل، وهو ما اصطلح على تسميته بـ”وحدة الساحات ووحدة الرد الفلسطيني”، أي أن “توسيع نطاق الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية لتشمل الدفاع عن مجمل القضايا وليس فقط قطاع غزة”.
رابعاً، وعلى المستوى العسكري فقد عكست هذه المعركة العمل الدؤوب والمستمر للمقاومة الفلسطينية لجهة تطوير قدراتها على مختلف الصعد، مقابل عجز دوائر الاستخبارات الاسرائيلية عن تقدير حجم وحقيقة هذا التطور مما جعلها في حالة ارباك وفقدان للسيطرة على سياق ومسار المعركة وتقدير مآلاتها. وللمفارقة فإن نقطة البداية في “سيف القدس” كانت بتوجيه الضربات إلى “وسط الكيان الإسرائيلي”.
خامساً، ومن أهم تداعيات “سيف القدس” أنها أنهت كل ما سعى إليه العدو وأعوانه على مدى فترة طولية لجهة تحييد فلسطينيي الداخل عن دائرة الصراع والمواجهة. وقد برز ذلك من خلال الانتفاضة الكبرى التي شهدتها القدس والضفة عام 2022 والمستمرة حتى الآن، لجهة ارتفاع وتيرات العمليات البطولية والنوعية ضد العدو، وإرباك منظومته الأمنية والعسكرية إلى حد كبير.
وهنا يلفت مطلعون إلى أن “سيف القدس” “خلقت قواعد جديدة للربط بين غزة والقدس، وربما أسست لتطوير هذه المعادلة لتربط بين غزة والضفة بشكل عام وليس القدس فقط”.
سادساً، وعلى المستوى العسكري فإن هذه المعركة “أسهمت في زيادة مساحة الردع لمصلحة المقاومة”، إذ أن “المقاومة هي التي بدأت الحرب بأول ضربة، وأنهتها بآخر ضربة”، بحسب خبراء.
ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن “سيف القدس” لجهة تفاصيلها وآثارها، هي نتيجة أعوام طويلة من مراكمة التجربة والخبرة والقوة لدى المقاومة الفلسطينية رغم كل التحديات والصعوبات الداخلية والخارجية، في مقابل فشل استخباراتي اسرائيلي في “عدم تقدير مشاركة فلسطيني الداخل بالمواجهة، وأنه لا يمكن للمقاومة خوض حرب على أكثر من جبهة، وفي عدم نجاحه بمواجهة التحدي في الجبهات الثلاث”، وفقاً لمطلعين.
ولأول مرة عام 2021، “شعر الصهاينة أنهم مهددون مباشرة، ليس فقط على وقع الصواريخ بل على وقع الحياة الداخلية والعلاقة مع فلسطيني الداخل”. وهنا نذكر أنه لأول مرة وقتها اضطر المستوطنون إلى الهروب من مدينة اللد، حيث قررت 40 عائلة اسرائيلية عدم العودة إليها، مما يؤكد فقدان الثقة بالمستوى السياسي والعسكري في الكيان.
هذا ما أسست له “سيف القدس”، بانتظار المزيد من المعادلات برسم المقاومة التي تخوض الآن معركة جديدة مع العدو، ستحدد خطوطاً جديدة للصراع المستمر.
المصدر: موقع المنار