أمرٌ ليس بالسهل، أثار الكثير من القلق وخلق حالة من الإرباك في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.. تسريبُ وثائق البنتاغون السّرية، التي ربما يصل عددها إلى 100 وثيقة، على مواقع التواصل الاجتماعي، وثائقٌ قد يكون صعبًا تحديد مصدر تسريبها لأنها مطبوعة ومصورة، إلّا أنها كشفت تفاصيل تتعلق بخطط الحرب في أوكرانيا، والأوضاع في الشرق الأوسط والصين، بالإضافة إلى منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
الإنزعاج الشديد بدا على المسؤولين الأمريكيين، خشيةً من أنّ تعرّض المعلومات التي تضمنتها الوثائق، الأوضاع الأمنية للخطر، وتقوّض العلاقات الدولية المهمة.. لم يمضِ الكثير من الوقت، حتى باشرت وزارتا العدل والدفاع “البنتاغون” بفتح تحقيقات داخليّة، لمعرفة هويّة من سرب الوثائق ونشرها على مواقع التواصل، في وقت تخشى فيه الرئاسة الأمريكيّة تسريب المزيد، خصوصًا وأنّها بحسب ضابط سابق في القوات الخاصة الأمريكية كان يتعامل بشكل روتيني مع مثل هذه المواد، قال عن الوثائق التي شاهدها على وسائل التواصل الاجتماعي إنّها “تبدو أصلية”.
التّسريب حدث في وقت مبكّر هذا العام، وعلى الأرجح مطلع آذار/مارس الماضي، على منصة “ديسكورد” التي تحوي غالبًا هواة الألعاب والدردشة الصوتية والمكتوبة؛ وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، قبل أن تكشف الوثائق على نطاق واسع، معطيات سريّة، بالتحديد تلك التي تتضمن معلومات عن الاستعداد القتالي للقوات الأوكرانية، والموقف الميداني على الأرض قبيل الهجوم المضاد المرتقب في الربيع، أمرٌ يمثل خرقاً كبيراً للأمن، وربما يعوق التخطيط العسكري الأوكراني، ويضرّ بجهود أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، وفق ما قال قال المسؤول السابق في البنتاغون، ميك مولروي.
إقرارٌ واجماع كبير من قبل المسؤولين الأميركيين بأنّ عدداً من الوثائق المسربة كانت أصليّة وليست مزوّرة، وأنّه أجري عليها تعديل بعض الشيء، بالتحديد في الملف الروسي لناحية عدد القتلى والمصابين الروس، وتتّسق مع تقارير مراجعة وكالة الاستخبارات المركزية لدول العالم التي تم توزيعها على مستويات عالية داخل البيت الأبيض و”البنتاغون” ووزارة الخارجية، حيث قدّمت التسريبات معطيات حسّاسة، خصوصًا فيما له علاقة بتسليم الأسلحة الغربية لأوكرانيا، بالإضافة إلى ورود معلومات في غاية الأهمية عن 12 لواء في الجيش الأوكراني، يجري تدريب تسع منها بالولايات المتحدة، ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ويتوقع أن يكون ستة منها جاهزة نهاية آذار / مارس الماضي.
كلام المسؤولين الأمريكيين رافقه تصريح للمتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بالبيت الأبيض، جون كيربي، مفاده أنّ “الأجهزة الأمريكية المعنية، لم تحدد بعد كيفية تسرب وثائق البنتاغون السرية”، لافتا إلى أنّ “المسؤولين على إتصال بالشركاء منذ أيام لمتابعة ملف التسريب، وأنّ المعلومات التي تفيد بأنّ بعض الوثائق تمّ العثور عليها على شبكة الإنترنت، قد تمّ تعديلها”.
وتحت عنوان، “التسريب قد يزرع الشقاق بين الشركاء في خندق واحد ويكشف عن أضرار تلكؤ واشنطن في مد أوكرانيا بدفاعات جوية” نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” افتتاحية تناولت فيها تسريب المستندات الأميركية السرية، معتبرة أن ما جرى “يبدو كارثة على صعد كثيرة إذ يقوض ثقة الحلفاء بالولايات المتحدة، ويكشف مقدار ما تعرفه الأخيرة عن المناقشات العسكرية الروسية وقبل كل شيء يكشف عن ضعف الدفاعات الجوية الأوكرانية.
صحيفة “واشنطن بوست” نقلت بدورها، عن وثيقة مسرّبة جديدة أنّ الاستخبارات الأميركية تشكك في أن “الهجوم الأوكراني المضاد المرتقب هذا الربيع سيتمكن من تحقيق أهدافه المحددة”، وأنّ التقييمات الاستخباراتية الأميركية، العائدة إلى شباط/فبراير الماضي، تحذّر من “النقص في حشد القوات وإمدادها”، مرجحة أن العملية الهجومية الأوكرانية ستؤدي إلى “مكاسب محدودة على الأرض”.
وأشارت الصحيفة إلى أن تلك التقييمات تختلف عما جاء في التصريحات العلنية لإدارة بايدن بشأن قدرات الجيش الأوكراني، ووفقاً للوثيقة، فإن إستراتيجية كييف تتمحور حول استعادة المناطق التي تدور المعارك فيها على المحور الشرقي، وفي الوقت ذاته التقدم باتجاه الجنوب لقطع الممر البري المؤدي إلى شبه جزيرة القرم، كما ورجّحت أنّ قوة الدفاعات الروسية و”النقص في تدريب القوات الأوكرانية وفي تزويدها بالذخيرة، قد يحولان دون التقدم، ويزيدان من عدد الخسائر أثناء الهجوم”.
معلوماتٌ ومعطيات وردت في التسريبات، لم تدفع الجانب الرّوسي للرّد عليها بشكل كامل، فحول السؤال المتعلق باتهامات احتمال ضلوع موسكو في تسريب وثائق للمخابرات الأميركية، قال الكرملين إنّ “هناك اتجاها عاما لتحميل روسيا مسؤولية كل شيء” مشيرًا إلى أنّها تسريبات “مثيرة جدا للاهتمام”، وأنّ حقيقة تجسس الولايات المتحدة على عدد من رؤساء الدول، تكررت كثيرا، خاصة في العواصم الأوروبية، منذ فترة طويلة، وتسبب هذا في مواقف فاضحة عديدة، في وقت رفض جهاز المخابرات الخارجية الروسي التعليق بشكل مطلق عن التسريبات الأميركية.
لم يغب أمر الوثائق المسربة عن الساحة الأوكرانيّة طويلًا، ما هي إلّا ساعات، حتّى جاء الرّد من مستشار الرئاسة ميخائيلو بودولياك، قائلًا إنّ “ما تناولته التسريبات بشأن استعدادات البلاد لشن هجوم مضاد مزيف وتضليل روسي”، واصفًا حال أجهزة الاستخبارات الروسية بأنه “تدهورَ منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى حدّ العجز عن إعادة تأهيل نفسها إلا ببرامج تزييف الصور ومقالب المعلومات المزيفة”، متحدّثًا عن “محاولة موسكو تعطيل هجوم أوكرانيا المضاد، وأنها ستكشف خطط كييف على أرض الواقع”.
ومن بين الوثائق المسرّبة، واحدةٌ لها علاقة بالاحتلال الاسرائيلي، ممهورة بختم “سريّ للغاية”، و”ليس للمشاركة مع الحكومات الأجنبية”، وتعود للبنتاغون، تكشف أنّ الكيان الاسرائيلي، “التزم بتزويد أوكرانيا بأسلحة غير فتاكة، تتضمن تزويدها بالمعلومات الاستخبارية، وبالدعم ضد الطائرات المسيّرة، ونظام إنذار مدني مبكر، في الوقت الذي يسعى فيه للحفاظ على حرية عمله في سوريا عبر موازنة علاقاته مع الولايات المتحدة وروسيا”.
وتفصّل الوثيقة أن “تزويد روسيا إيران بأنظمة استراتيجية، مثل طائرات سو-35 أو إس إيه-21، أو توسيع الدعم للصواريخ الإيرانية، أو برنامجها الصاروخي، أو الفضائي، سيدفع إسرائيل إلى تقديم أسلحة فتاكة” لأوكرانيا. إلا أن “السيناريو الأكثر ترجيحًا”، كما يُقرأ في الوثيقة، يتمثّل بأن يزوّد الاحتلال القوات الأوكرانية بالسلاح عبر أطراف ثالثة، مع الإبقاء على موقف علني محايد.
وحول ما نشرته مؤخّرًا صحيفة “واشنطن بوست” الاميركيّة عن أنّ “مصر أنتجت نحو 40 ألف صاروخ ليتم شحنها سراً إلى روسيا”، وذلك نقلا عن وثيقة أميركية مسربة، ردّ مصدرٌ مصريّ على ما نشرته الصحيفة الاميركية بالقول “عبث معلوماتي لا أساس له”، مشيرًا إلى أنّ “مصر تتبع سياسة متزنة مع جميع الأطراف الدولية، ومحددات هذه السياسة هي السلام والاستقرار والتنمية”. فيما جاء ردّ الكرملين على الشكل التالي “هذه الأخبار هي تلفيقٌ آخرٌ ومثل هذه الأنباء هي مزيفة، ويوجد منها الكثير الآن، لذا يجب التعامل مع مثل هذه التقارير على هذا الأساس”.
المصدر: يونيوز