يحيي لبنان ذكرى استقلاله مفتخرا برجالات ناضلوا في السياسة والميدان وصولا الى كيان لبناني مستقل وارادة ومؤسسات، لكن الاطماع والتدخلات والحروب سعت دوما لاعادة استقلاله منقوصاً، واليوم تؤكد كل الظروف والاحداث انه لا يزال في معركة حقيقية مع اعداء سيادته واستقلاله الذين تظهر نواياهم المتجددة ضد شعب لبنان وكيانه ومؤسساته وامنه واقتصاده.
في تاريخ لبنان الغابر نشهد على حضارات وتطور وعلوم سبق فيها هذا الشعب الكثير من شعوب العالم، وفي التاريخ المعاصر مر لبنان في طفرات مميزة، وكل ذلك يؤكد كفاءة هذا البلد وشعبه، لكن العديد من المراحل السوداء طغت على تاريخه الحديث متمثلة باثارة حروب وشن اعتداءات وتدخلات سياسية وصولا الى حرب اقتصادية ، فاستقلال لبنان لا زال هدفا للتصويب وكل ذلك لمصلحة الكيان الصهيوني وداعميه في العالم.
واليوم تمر ذكرى الاستقلال في ظل شغور رئاسي وحكومة تصريف اعمال وازمة اقتصادية غير مسبوقة ليشهد هذا الواقع على اثر التدخلات وعلى نتيجة رهانات بعض الاطراف المستمرة على الخارج، حتى ان الانتخابات النيابية الاخيرة كانت مثالا صارخا على التدخلات الواضحة في شؤون لبنان ومساعي التاثير على ارادة شعبه بالضغط والمال والاعلام.
انجازات مضيئة لحفظ الاستقلال
لكن في لبنان صور مضيئة تؤكد ان هذا البلد بشعبه وجيشه ومقاومته وقواه السياسية الوطنية لا يريد ان يسلّم لبنان للارادات الخارجية ولا زال يصمد ويناضل.. ومقاومته حققت له انتصارات كبرى منذ تحرير العام 2000 الى انتصار 2006 الى الانتصار ضد الارهاب في نضال متجدد ضد محاولات سرقة استقلاله وامنه والسطو على سيادته، وصولا الى انجاز الترسيم الذي اثبت فيه لبنان أثر استغلال عناصر قوته ومقاومته ثم توحده السياسي كنموذج جديد لامتلاك لبنان قوة وطنية يستطيع ان يوظفها بوجه الضغوط والتدخلات ضد قراره وسيادته وثروته الوطنية.
فإذا كان الجميع وكل الاطراف السياسية في لبنان تؤكد حرصها على السيادة والاستقلال وتخرج في عيد الاستقلال لتؤكد على الحفاظ على لبنان وطنا مستقلا سيدا ، فإن البعض يمارس فعلا الحرص على الاستقلال لكن الحري ببعض الاطراف الاخرى ان تثبت انها حريصة على الشعب اكثر من حرصها على مصالحها فقط او على ارادات الخارج من الغرب وبعض العرب، للخروج بلبنان من نفق الازمة الاقتصادية والسياسية التي وصلها بفعل سياسات خاطئة وتمرير ارادة اميركا في اضعاف وحصار لبنان.
ففي كلمة سابقة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول الاستقلال يقول “الكل يدعي أنه يعمل من أجل الاستقلال والسيادة والحرية ولكن ما هي الموازين والمقاييس التي تقول أن هذه الوضعية هي وضعية سيادة أم وضعية تبعية؟ هي وضعية استقلال أم وضعية احتلال وهيمنة؟ هي وضعية حرية أو وضعية عبودية؟ للأسف الشديد حتى هذه الموازين هي في لبنان وجهات نظر متعددة ومتنوعة”.. اضاف “ما دام لبنان في دائرة التهديد الاسرائيلي المتواصل وفي هذين اليومين سمعنا تهديدات جديدة للبنان إذاً نحن في قلب معركة الاستقلال والسيادة والحرية نحن سنواصل هذه المعركة”.
كما ان ممارسة الاستقلال الحقيقي تكون بممارسة وطنية للسلطة والمسؤولية وهنا يقول سماحته “مسؤولية اللبنانيين جميعاً أن يحافظوا على استقلالهم، إذا كان استقلالهم شكلياً أن يحولوه إلى استقلال حقيقي … الحفاظ على الاستقلال والسيادة والحرية على مستوى الوطن والدولة والشعب هي معركة يجب أن تبقى مستمرة لا يمكن أن تقف”.
معركة استقلال ووجود
لا يزال لبنان في معركة استقلال حقيقية بل معركة وجودية ودون انكار ما حققه رجالات التاريخ من استقلال سابقاً، لكن المقاومة التي كرست بعد ذلك منعة وحماية لبنان بوجه اعداء استقلاله تبقى ضرورة كبرى، ويبقى الاستناد الى النقاط المضيئة في مسار لبنان ضرورة لمحو النقاط القاتمة الاخرى، والتعاون من اجل بلد فيه وطنية حقيقة ومحاسبة حقيقية واحترام من المواطن للدولة ومن المسؤولين للمواطن وانسانيته ومعاناته، بموازاة ضرورة وعي المواطن لحرب التضليل والاعلام المدفوعة الثمن بمبالغ طائلة والتي تسعى لضياع الحقائق وتشويه الارادات الشعبية.
مواقف في ذكرى الاستقلال
رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قال في بيان: “يحتفل لبنان اليوم بعيد استقلاله التاسع والسبعين، وهي محطات عابرة في تاريخ وطن بنته سواعد أبنائه منذ أمد بعيد وتحميه من العواصف التي تتكرر كل فترة. يحل العيد هذا العام بغصة على واقع دستوري منقوص بسبب الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، وعلى قلق مشروع على الحاضر والمستقبل بسبب أسوأ أزمة متعددة الوجوه يعيشها وطننا. ورغم كل ما يحصل فاننا سنبقى على إيماننا بأن وحدتنا كفيلة بانتشال وطننا مما يعانيه”.
في أمر اليوم بمناسبة عيد الاستقلال التاسع والسبعين، أكّد قائد الجيش العماد جوزاف عون أن إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية يمثل بارقة أمل للبنان وخطوة مهمة على طريق تعافيه من أزمته الحالية. واعتبر العماد عون أنّ هذا الإنجاز يحتاجُ إلى مؤسساتِ الدولةِ لتحميَهُ وتواكبَهُ لما في ذلك من مصلحة للوطن واللبنانيين. وأضاف العماد عون ان الظروف الاستثنائية التي يمرُّ بها لبنان تتطلّبُ من الجميع، مسؤولينَ ومواطنين، الوعي والحكمةَ والتحلّي بالمسؤوليةِ والتعاونَ من أجلِ المصلحةِ الوطنيةِ العليا، مشدداً على أن العسكريين سيستمرون بحماية لبنان، بالتوازي مع مُهمّتِهم الأساسيةِ في التصدي للعدوِّ الإسرائيليِّ والإرهابِ.
وفي النشرة التوجيهية للعسكريين بمناسبة عيد الاستقلال، أكّد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أن لبنان يمر بأسوأ مراحله وقد تحول من مصدّر للحضارة إلى مرتع للانهيارات التي لم تبق لا بشراً ولا حجراً. ودعا اللواء ابراهيم العسكريين إلى البقاء على أهبة الاستعداد لما قد يحصل على كل المستويات، مشدداً على أنّه طالما هناك مسؤولون يدعون أنهم ضمانة الدولة فلن يكون لنا وطن، لأن الدول لا تقوم على ضمانات أشخاص بل بالمؤسسات الدستورية والالتزام بتطبيق القوانين.
وشدد وزير الاشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال الدكتور علي حميه على ان “الايمان باستقلال الوطن يكمن في كيفية ممارسة المسؤولية في مواقعها كافة”، وقال في بيان: “التبصر بواقع الوطن أولا، والولوج إلى مكامن القوة فيه ثانيا، ومن ثم اتخاذ القرار السديد في كيفية معالجة مشكلاته ثالثا، هي أركان نعدها خارطة استقلالية صرفة تبعدنا عن أي تسول أو خضوع لأي كان”.