الرهان على أي تغيير في ميزان القوى داخل الكيان الإسرائيلي المُحتل، سواء داخل الكنيست أو على المستوى الحكومي، هو لزوم ما لا يلزم، لكن حصول أحزاب أقصى اليمين الصهيوني على الأغلبية في الكنيست، هو سابقة لم تحصل في تاريخ هذا الكيان، مع إنقراض حزب العمل الإسرائيلي من الساحة السياسية لصالح الليكود والأحزاب الدينية، علماً بأن أولى هزائم حزب العمل – المُعتدل بنظر مَن يسمُّون أنفسهم عرب الإعتدال – أمام الليكود، قد حصلت عام 1977، عندما فاز مناحيم بيغن على شمعون بيريز.
ومشكلة “عرب الإعتدال” أنهم انساقوا خلف أكذوبة حزب العمل الذي يُنادي بحلّ الدولتين واقتسام القدس، دون الحاجة الآن للدخول في رؤيته لكيفية تقسيمها، جزء غربي عاصمة أبدية ل”إسرائيل” وجزء شرقي يتمتع بوضع دولي خاص، ولا حاجة أيضاً للعودة الى اتفاق أوسلو الذي ينسب العرب الفضل فيه لحزب العمل، الذي لا يقلّ صهيونية عن سواه من الأحزاب التي فازت في انتخابات الكنيست الأخيرة، سيما وأنه الحزب الذي تأسس وأسس لقيام “دولة إسرائيل” عام 1930، واستقدامه لليهود من كل اصقاع الأرض لم يكُن بهدف صناعة “السلام”.
أما وأن “عرب الإعتدال” قد بنوا أحلام هذا السلام مع “إسرائيل”، من منطلق إيمان حزب العمل بحلّ الدولتين، فإنهم على أنقاض هذا الحزب بنوا علاقات التطبيع، بما يعني، أنهم منذ العام 1977 وهُم يعيشون وَهَم قطف ثمار موسم السلام، مع كل انتصار لحزب العمل وهزيمة لحزب الليكود، إلى أن بلغنا ما بلغناه اليوم من قطف أكثر الأحزاب الصهيونية تشدداً وعنصرية لكل المواسم، مع تقاطع مصالح الدول العربية “ذات العروش العائلية” مع مَن هو أكثر إسرائيلية من سواه في مواجهة المقاومة الفلسطينية ومن خلفها دول محور المقاومة.
وإذا كان فوز تحالف أقصى اليمين في انتخابات الكنيست الأخيرة، تعود أولى أسبابه الى الهلع الأمني الذي يسكن قلوب الإسرائيليين نتيجة ما يحصل في الضفة الغربية، وقبله ما حصل من خيبات قاتلة مع لبنان ومع قطاع غزة والإضطرابات التي تتكرر في محيط المسجد الأقصى وفي كل جوار لبلدة فلسطينية مع مستوطنة صهيوينة، فإن التركيبة العجيبة للحكومة التي سوف يُكلَّف نتانياهو بتشكيلها من هكذا يمين صهيوني متناقض عقائدياً، سوف يجعل هكذا حكومة كما الأفعى السامة التي تلدغ نفسها نتيجة الإختلاف الناشئ بين الأحزاب منذ نشأتها.
“الليكود” ( 32 مقعدا ً) تأسس عام 1977، وهو حزب صهيوني من اليمين الليبرالي، عارض الانسحاب من أي أراضٍ احتلتها إسرائيل خلال حروبها مع الدول العربية المجاورة، ودعم إقامة المستوطنات، غير أن عهوده شهدت أهم الانسحابات الإسرائيلية من أراض محتلة، كما حدث في سيناء بعد اتفاقية كامب ديفيد، وغزة بعد اتفاق أوسلو، الأمر الذي نجم عنه صراع فكري صهيوني، انتهى بانشقاق آرييل شارون ومعه مجموعة من المتشددين وأسسوا حزب “كاديما”.
“يهدوت هتوراة” (18 مقعداً بالتحالف مع حزب “شاس”) هو الحزب الذي نشأ عام 1992، وسط تناقض فكري عقائدي بين مؤسِّسَيه ديغيل هاتوراه وأغودات يسرائيل، لكن الهدف من تأسيسه كان على خلفية تشكيل كتلة تصويتية لكسب أكير عدد من المقاعد لليمين العنصري في الكنيست، وحليفه حزب “شاس” الذي شارك في أول انتخابات عام 1984، فهو يميني ديني يؤيد فكرة المزج بين الديانة اليهودية ومؤسسات الدولة، ومواقفه السياسية تحتاج الى مباركة مجلس حكماء التوراة.
“الصهيونية الدينية” (14 مقعداً)، وهي حركة معارضة للتيار العلماني، وتحولت الى حزب سياسي عام 1902، تحت مُسمَّى “همزراحي”، وشعارها: “أرض إسرائيل لشعب إسرائيل بموجب شريعة إسرائيل”، وأن “اليهود أمة مميزة عن بقية الأمم”، وأن اتحاد الكيان اليهودي الحقيقي يكون فقط بتوجيه الفكر اليهودي نحو التوراة وأرض فلسطين، باعتبارهما ركنين مُهمَّين للغاية في تاريخ وحياة “الأمة اليهودية”.
هذه هي التوليفة المرتقبة لحكومة نتانياهو، التي سوف تجمع أكثر الأحزاب العنصرية تطرفاً، ولعل الحقد في القاسم الإيديولوجي الذي يجمعهم، هو نفسه الذي سوف يحكم تناقضاتهم “الثيوقراطية” الرافضة لأي آخر، ويزيد من الإرباك على مستوى الأداء السياسي، مع تشدد غير مسبوق على المستوى الأمني الداخلي، والمواجهة العدوانية مع حركات المقاومة الفلسطينية عند كل نقطة تماس لجسد الأفعى المسمومة المُتمدد على مساحة خارطة الاحتلال…