انتخاباتٌ بلا ناخبين، توصيفٌ دقيق للانتخابات البرلمانية في البحرين المزمع اجراؤها في 11 و 12 من الشهر الجاري. ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها المعارضة البحرينية قرار المقاطعة، معلنةً أنها “غير دستورية وصورية فارغة من المضمون”، إذ سبق أن قامت بذلك في تشرين الأول/أكتوبر 2002 احتجاجاً على صدور دستور المنحة بإرادة منفردة والانقلاب على ميثاق العمل الوطني الذي أنتج سلطة تشريعية عديمة الصلاحيات، ثم في أيلول/سبتمبر 2011 بعد انسحاب كتلة الوفاق إثر اندلاع الأزمة السياسية. كما دفعها اعتقال الأمين العام لجمعية “الوفاق” إلى المقاطعة ايضاً في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وفي الانتخابات الأخيرة عام 2018، لم تتجاوز نسبة المشاركة 35%، أي ما يدل على أن الغالبية امتثلت لخيار المقاطعة وقتها.
“بصوتك تطبع”
هذه المرة، يُضاف إلى الأسباب الكثيرة التي دفعت وتدفع المعارضة إلى هذا الخيار، الذي لم يبق أمامها سواه لإعلان عدم اعترافها بشرعية هذا النظام في ظل ما قام به الأخير من اجراءات عزل وحظر بحقها وهو ما وثقته “هيومن رايتس ووتش” مؤخراً تحت عنوان ” المعارضة ممنوعة من الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية”، يُضاف قيام النظام باتخاذ قرار التطبيع مع كيان العدو الاسرائيلي بشكل رسمي وعلني في تشرين الأول/اكتوبر، والذي علّق عليه آية الله الشيخ عيسى قاسم بالقول “هناك اختلاف واسع بين الحاكم والمحكوم في الأفكار والأهداف والمصالح. الحكومات مهزومة نفسياً وتحاول أن تفرض هزيمتها على الشعوب، والشعوب مطالبة بالمقاومة”.
هذه المقاومة التي التزم بها البحرينيون في هذه الانتخابات من خلال رفع شعار “بصوتك تطبع”، أي أن المشاركة هي موافقة على التطبيع مع العدو.
استبداد “آل خليفة”
خلال كل تجارب المقاطعة السابقة، كانت السلطات تحاول اللعب بأرقام نتائج الانتخابات، والتسويق لأرقام تريد من خلالها الإيحاء بفشل المقاطعة، فضلاً عن إجراءات الترهيب الانتخابي المعتادة التي كانت تلجأ إليها، مثل التهديد بالحرمان من الخدمات الإسكانية والمعيشية والوظيفية للمقاطعين ولمن لا تحمل وثيقة سفرهم الختم الانتخابي، إلا أنَّها هذه المرة لجأت إلى حيلة إجرائية وعقابية عبر شطب عشرات الآلاف من سجلات الناخبين لمن قاطع مرتين. وهو ما يوضح ما سبق أن أعلنته “جمعية الوفاق” المعارضة خلال انتخابات 2018 عن “اختفاء المئات من سجلات الناخبين”، في مقابل تذرع السلطات وقتها بـ “الحذف التلقائي نتيجة التحول الالكتروني”.
وهذا ما يشرح ما حدث مع آلاف البحرينيين حديثاً، الذين فوجئوا بشطب أسمائهم من جداول الناخب، لتقتصر الكتلة الانتخابية بشكل أساسي على عدد كتلة التجنيس السياسي، وهي بالآلاف.
إضافةً إلى إسقاط حق الآلاف بالانتخاب، يأتي موضوع “قانون العزل السياسي”، الذي يطبقه النظام بحق الجمعيات المعارضة كـ “الوفاق”و “وعد” و “أمل”، بحرمان أعضائها من حقوقهم السياسية في الترشح أو الانتخاب ونفي قيادييها كآية الله عيسى قاسم. وجديد هذه الممارسات التعديلات التي أدخلت في اللائحة الداخلية لمجلس النواب في مرسوم ملكي صدر قبل أيام وسّع صلاحيات رئيس المجلس (يعينه الديوان الملكي رغم شكلية طريقة التعيين في داخل البرلمان) وضيَّق الصلاحيات البديهية للنائب في الحديث والاعتراض، وهنا يطرح السؤال حول مدى تأثير وفعالية عمل هذا المجلس النيابي، حتى لو كان للمعارضة حق المشاركة في الانتخابات، وتخليها عن خيار المقاطعة؟
وهنا لا بد من الإشارة إلى انعدام دور البرلمان في الإقرار والمصادقة على الاتفاقيات الاستراتيجية والمصيرية ومصادقته على تشريعات العزل السياسي للمواطنين رغم مخالفتها الدستور، إضافة إلى عجزه عن محاسبة أي مسؤول أو مكافحة ملف التجنيس السياسي وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى خلاصة واحدة: دور البرلمان صوري فقط، وإن وُجد فهو لخدمة السياسات العليا، والشواهد كثيرة على ذلك.
وفي السياق، نذكر أن النظام حرص بعد مقاطعة المعارضة لمجلس النواب على اقرار عدد من التعديلات التي تصب في مسار تهميش عمل هذا المجلس لصالح منح الحكومة صلاحيات أوسع، وتطبيق مزيد من الاجراءات القمعية بحق النواب.
مشروع الدستور البديل
إلى جانب توحد جميع القوى المعارضة خلف قرار المقاطعة ودعوة الشعب البحريني إلى الالتزام بعدم المشاركة بانتخابات “فارغة من المضمون”، قامت هذه القوى بطرح مشروع افتراضي يكون بمثابة “دستور بديل” تقدمه في فترة انتخابات 2022 وهدفه “تشكيل توازن سياسي في مقابل السلطة ومحاولة إسقاط ورقة الانتخابات”، وذلك استناداً إلى أن الدستور الحالي “غير شعبي وغير عقدي وغير شرعي”، وهو ما ترى فيه الأمم المتحدة مسوغاً أساسياً لإجراء تعديل دستوري.
المصدر: موقع المنار