لا زلنا في أجواء ذكرى ولادة رسول الله(ص) وولادة حفيده الامام جعفر الصادق(ع)، وقد تحدثنا في الاسبوع الماضي حول بعض ما يرتبط بمناسبة ولادة النبي(ص) ، ونتحدث هذا الاسبوع عن بعض ما يتعلق بامامنا الصادق(ع) .
حياة الإمام الصادق (عليه السلام) حياة حافلة بالأدوار والعطاء والجهاد، لا سيما جهاد التبيين، وبالاخص تبيين وتوضيح وشرح معالم مذهب اهل البيت(ع) ، حيث ان مذهب اهل البيت(ع) اي التشيع او المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري تأسس ونشأ في زمن النبي(ص) وليس في زمن الامام الصادق (ع)، حيث ان كل الذين استجابوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في امامة علي(ع) ، واعتقدوا أن عليا هو الإمام بوصية من رسول الله أو بإرادة من الله تعالى و اتبعوه وقدموه على غيره في الامامة استنادا الى الى النصوص الكثيرة التي نص فيها النبي(ص) على امامة علي(ع) وامامة الائمة من اولاده بالاسم، اسما اسما من علي (ع) الى الامام الحجة المنتظر محمد بن الحسن (عج) في مناسبات عديدة
فالتشيع ولد أيام النبي (ص) و النبي نفسه هو الذي ارساه في الواقع الاسلامي والذين استجابوا لوصية رسول الله والتفوا حول الوصي، كانوا معروفين بشيعة علي في عصر الرسالة، منهم أبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الاسود وسلمان الفارسي وغيرهم، وقد تحدث النبي (ص) عن الشيعة بوصفهم شريحة موجودة ولها امتداد، حيث وصفهم في كلماته بأنهم هم الفائزون.
فقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي(ع) فقال النبي (ص): ” والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ” ونزلت : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ فكان أصحاب النبي(ص) إذا أقبل علي(ع) قالوا : جاء خير البرية .
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال : لما نزلت : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي(ع) : ” هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين “.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ” ألم تسمع قول الله : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ أنت وشيعتك، موعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ” 5.
وروى ابن حجر عن أم سلمة قالت : كان النبي (صلى الله عليه وآله) عندي فأتته فاطمة فتبعها علي – رضي الله عنهما – فقال النبي(ص) : ” يا علي أنت وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنة .”
وهذه النصوص تكشف عن ان عليا (عليه السلام) كان متميزا من بين أصحاب النبي(ص) بأن له شيعة وأتباعا، ولهم مواصفات وسمات كانوا مشهورين بها، في حياة النبي وبعدها، وكان (صلى الله عليه وآله) يشيد بهم ويبشر بفوزهم، وبدخولهم الجنة.
وهذا يعني ان مبدأ التشيع كان في زمن النبي (ص)، اما ما حصل في زمن الامام الصادق فهو ان الامام اوضح هذا المذهب الشريف في مختلف أبعاده العقائدية والفكرية والفقهية والاخلاقية والسلوكية، حيث سنحت الفرصة للإمام الصادق (علیه السلام) ان ينشر عقائد وفقه أهل البيت علیهم السلام بصورة واسعة وبما لم يتح لغيره من الأئمة (علیهم السلام) ، بسبب ان امامة الصادق(ع) تزامنت مع نهاية الدولة الأموية وسقوطها، وقيام الدولة العباسية، فكان الامويون والعباسيون مشغولين بصراعهم عن ملاحقة الامام والتضييق عليه كما جرت العادة مع سائر الائمة من اهل البيت(ع) فاتيح للامام ان يمارس دوره بحرية بعيدا عن مضايقات السلطة، فعمل على توسيع الجامعة الاسلامية التي اسسها ابوه الامام الباقر(ع) وأتيح له (علیه السلام) نشر مذهب أهل البيت علیهم السلام بين الناس، وبيان معالم هذا المذهب الشريف بشكل تفصيلي، كما قام بجهود كبيرة لتربية الطلاب والتلامذة والعلماء والمحدثين، وهؤلاء أسهموا في تجذير وتعميق وانتشار مذهب أهل البيت علیهم السلام، حيث تربى في جامعته آلاف العلماء والمحدثين ،وقد بلغ عدد المنتمين إلى جامعته أربعة آلاف طالب، ويقول الحسن بن علي الوشاء، وكان من أصحاب الامام الرّضا(ع)، دخلت مسجد الكوفة وذلك بعد عشرين سنة من وفاة الامام الصادق(ع) فاذا بتسعمائة شيخ يجتمعون في مسجد الكوفة، كل يقول حدثنا جعفر بن محمد الصادق(ع).
ولذلك فقد ورد من الأحاديث والروايات عن الإمام الصادق علیه السلام ما لم يرد عن غيره من الأئمة المعصومين، خصوصاً في الفقه الإسلامي.
ويقول المحقق الحلي في المعتبر: إن الذين برزوا من تلامذته ألفوا من أحاديثه وأجوبة مسائله أربعمائة كتاب، عرفت بعد عصره بالأصول، وقد اعتمدها المحمدون الثلاثة؛ الكليني والصدوق والطوسي، في كتبهم الأربعة “الكافي”، و”من لا يحضره الفقيه”، و”الوافي”، و”الاستبصار”.
ويقول علماء الرّجال: أن أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) قد ألّفوا في مختلف المواضيع أكثر من أربعة آلاف كتاب، ولو افترضنا أن هذا العدد مبالغ فيه وليس ذلك ببعيد، فممّا لا شكّ فيه أنهم تركوا إضافةً إلى الأصول الأربعمائة، مئات الكتب في الحديث والفقه وغيرهما من المواضيع الإسلامية، لكن مع الاسف ضاعت اكثر هذه الكتب، وقد أتلف أكثرها السلاجقة والتتر والأيوبيّون وغيرهم من الغزاة في جملة ما أتلفوه من مكتبة الطوسي في بغداد، ومكتبة القصر الفاطمي في القاهرة، وغيرها من المكتبات التي كانت تشتمل على مئات الكتب لأصحاب الإمامين الصادق والباقر (عليه السلام).
وعن طريق هؤلاء المحدثين والطلاب انتشرت علوم الإمام الصادق(ع) ومعارفه، سواء منها العلوم الدينية: كالفقه والحديث والتفسير، اوالعلوم الانسانية: كالتاريخ والأخلاق وعلم الاجتماع. والطب والكمياء وغيرها من العلوم.
ومن المعلوم ان احاديث ومعارف وعلوم الامام الصادق(ع) وكل الائمة (ع) هي امتداد للعلم النَّبوي، فهي مستمدة من رسول الله(ص) ولم تكن من عندهم، فهم ورثوا علوم رسول الله(ص)، ولذلك ورد ان حديثهم هو حديث رسول الله(ص) وحديث رسول الله هو وحي الهي.
فعن جابر قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إذا حدثتني بحديث فأسنده لي. فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن رسول الله صلوات الله عليهم، عن جبرئيل عليه السلام، عن الله عز وجل، وكل ما أحدثك بهذا الاسناد.
اذن: دور الإمام الصادق عليه السلام في بلورة المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري في مختلف أبعاده العقائدية والفكرية والفقهية وكذلك في جانب الأخلاق والسلوك هو دور بارز واساسي.
ولذلك نسب المذهب الشيعي إليه، فيقال المذهب الجعفري، ويعبر عن الشيعة بالجعفرية، وفي هذا إشارة إلى دور الإمام عليه السلام الكبير في توضيح معالم هذا المذهب الشريف.
وبفعل الدور الكبير الذي قام به الإمام الصادق عليه السلام على المستوى العلمي والمعرفي والاجتماعي تحول أتباع هذا المذهب من فئةٍ قليلة مطاردة ومحصورة إلى تيار عريض وواسع في الأمة فانتشر التشيع في ارجاء العالم الاسلامي . واستطاع الامام(ع) تجاوز كل العقبات والعراقيل والتحديات التي كانت تقوم بها السلطات في تلك المرحلة.
والدور الاخر الذي قام به الامام الصادق(ع) هو التصدي للاتجاهات المنحرفة للزنادقة والملاحدة وغيرهم الذين كان يحاورهم ويناقشهم بكل موضوعية ومنطق علمي رصين وقوي ومقنع.
وهنا نتعلم من الإمام الصّادق(ع رحابة صدره، وسعة أفقه، وإحساسه بالمسؤوليّة عندما كان يجلس مع الزنادقة والملاحدة، وهم يجلسون إلى جانب الكعبة المشرَّفة، ويستمع إلى كلّ ما لديهم من أفكار مضادة لفكر الإسلام والمسلمين، وكان ينفتح عليهم بالكلمة الطيّبة، وبالأسلوب الحكيم، وبالحجّة القويّة، ويؤثر فيهم.
وهذاما ينبغي لنا أن نتعلَّمه من الإمام الصَّادق(ع)، ومن آبائه وأبنائه، مما يغني حركتنا الثقافيَّة كما يغني حركتنا السياسيّة والروحيّة… فنتعلَّم كيف نختلف إذا لم نستطع أن نتعلّم كيف نلتقي.
واختم كلامي بحديث رواه ابوبَصِيرٍ عن الامام الصادق(ع) ، قَالَ ابو بصير سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ 1 ( عليه السلام ) يَقُولُ : ” إِنَّ الْحُرَّ حُرٌّ عَلَى جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ، إِنْ نَابَتْهُ نَائِبَةٌ صَبَرَ لَهَا ، وَ إِنْ تَدَاكَّتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ لَمْ تَكْسِرْهُ ، وَ إِنْ أُسِرَ وَ قُهِرَ وَ اسْتُبْدِلَ بِالْيُسْرِ عُسْراً كَمَا كَانَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ الْأَمِينُ ( صلوات الله عليه ) لَمْ يَضْرُرْ حُرِّيَّتَهُ أَنِ اسْتُعْبِدَ وَ قُهِرَ وَ أُسِرَ ، وَ لَمْ تَضْرُرْهُ ظُلْمَةُ الْجُبِّ وَ وَحْشَتُهُ وَ مَا نَالَهُ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ الْجَبَّارَ الْعَاتِيَ لَهُ عَبْداً بَعْدَ إِذْ كَانَ لَهُ مَالِكاً ، فَأَرْسَلَهُ وَ رَحِمَ بِهِ أُمَّةً ، وَ كَذَلِكَ الصَّبْرُ يُعَقِّبُ خَيْراً ، فَاصْبِرُوا وَ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْرِ تُوجَرُوا ” 2 .
هذا النوع من المزاوجة بين الصَّبر والحريَّة مطلوب، لأنَّ الذين يسقطون أمام استعباد الآخرين لهم، هم الَّذين لا يصبرون على الحرمان الَّذي يفرضه الآخرون عليهم، وهم الَّذين لا يصبرون على الآلام التي يسلّطها المستكبرون عليهم، وهم الَّذين لا يصبرون على مواقف التّحدّي الّتي تفرضها الحريّة عليهم.
الصبر والثبات في مواجهة المصائب والتحديات والضغوط يفتح امامنا ابواب الفرج والامل بالمستقبل .
بالصبر والثبات نستطيع ان نتجاوز الكثير من العقبات والازمات والمشكلات التي نعاني منها، فنحن بالثبات والصمود ووحدة الموقف وبالمقاومة ومنطق القوة استطاع لبنان ان ينتزع حقوقه النفطية والغازية، وبالثبات والصبر والتعاون والتفاهم بين اللبنايين نستطيع ان نبني بلدنا وان نتجاوز الكثير من الازمات .
لقد اثبتت المقاومة مجددا انها قوة حقيقية للبنان وعامل اساسي من عوامل استقراره وتحصيل حقوقه، وكما لعبت دورا اساسيا في انتزاع حقوق لبنان النفطية والغازية ستلعب دورا اساسيا في حماية هذه الحقوق وتحصينها من النهب والسرقة، وضمان تنفيذ التفاهم بما يسمح للبنان باستخراج ثرواته النفطية والغازية بلا قيود، والاستفادة منها لانعاش الاقتصاد الوطني.
واليوم لبنان بحاجة الى استقرار سياسي ودستوري ليتمكن من الاستفادة من الثروة النفطية والغازية ومن معالجة ازماته في ظروف ملائمة”، مؤكدًا أن “مدخل ذلك هو إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات.
حزب الله يبذل جهودا حثيثة لتذليل العقبات امام تشكيل الحكومة ونريد للحكومة ان تتشكل اليوم قبل الغد من اجل ان تتفرغ لمعالجة المشكلات التي يعاني منها اللبنانيون وحريصون على انجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن المهل الدستورية ولا نريد الفراغ في هذا الموقع الذي يمثل راس الهرم في الدولة، لكننا نريد رئيسا وطنيا وشجاعا أولويته مصلحة البلد لا رئيسا تابعا اولويته استرضاء السفارات فالسفارات لا تصنع رئيسا وطنيا يعمل لمصلحة البلد بل رئيسا تابعا يقدم مصلحة الخارج على مصالح الوطن.
تدخل السفارات في الاستحقاق الرئاسي يعمق الانقسامات ويعقد انجاز هذا الاستحقاق وياخذ البلد نحو الفراغ .
من يبحث عن الاستقرار عليه أن يعمل على التوافق والتفاهم بين اللبنانيين، لأن التوافق هو المدخل الأساسي للاستقرار السياسي الذي يحتاجه بلدنا في هذه الظروف الصعبة.
المصدر: بريد الموقع