الأحد   
   19 10 2025   
   26 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 21:51

عام على عملية قيسارية.. عندما ضربت مسيّرة حزب الله منزل نتنياهو

قبل عام تماماً، شكّل استهداف منزل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مدينة قيسارية بطائرة مسيّرة أطلقها حزب الله حدثاً نوعياً غير مسبوق منذ النكبة عام 1948، فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد الميداني والسياسي بين المقاومة الإسلامية والكيان الإسرائيلي، وترك تداعيات لا تزال أصداؤها حاضرة حتى اليوم.

جاءت العملية في ذروة معركة «أولي الباس» التي أعلنتها المقاومة الإسلامية ردّاً على العدوان الإسرائيلي على لبنان. وقد استطاعت الطائرة المسيّرة – وفق المصادر العبرية آنذاك – اختراق المجال الجوي لمسافة تُقدَّر بنحو 70 كيلومتراً من الأراضي اللبنانية قبل أن تُصيب مبنى في مدينة قيسارية، جنوب حيفا، إصابة مباشرة.

وللمرة الأولى منذ عقود، أقرت منظومة الدفاع الإسرائيلية بفشلها في اعتراض طائرة مسيّرة معادية وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة. وأظهرت المقاطع المصوّرة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك مروحيات أباتشي إسرائيلية عاجزة عن التصدي للطائرة قبل أن تنفجر فوق مبنى سكني قرب منزل نتنياهو.

عقب الحادثة، ساد استنفار أمني واسع في محيط منزل رئيس الحكومة، فيما انتشرت وحدات من الشرطة والجيش في المنطقة تحسباً لهجمات إضافية. وقد أكّد جيش الاحتلال أن الطائرة المسيّرة التي استُخدمت في العملية “متطورة ومزوّدة بأنظمة توجيه دقيقة”.

وبعد أيام من العملية، أعلن مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الشهيد محمد عفيف “المسؤولية الكاملة والتامة والحصرية للمقاومة الإسلامية عن عملية قيسارية”، مؤكداً في بيان رسمي أن “عيون مجاهدي المقاومة ترى وآذانهم تسمع، فإن لم تصل إليك أيدينا في هذه المرة، فإن بيننا وبينك الأيام والليالي والميدان”.

جاء الإعلان ليكرّس معادلة ردٍّ جديدة، مفادها أن استهداف لبنان سيقابله ردّ مباشر في العمق الإسرائيلي، حتى ولو طال رموز القيادة السياسية والعسكرية في الكيان.

تقع مدينة قيسارية على الساحل الفلسطيني المحتل، إلى الجنوب من حيفا، وهي من المدن التاريخية التي هجّرت العصابات الصهيونية سكانها خلال النكبة عام 1948. وتحوّلت لاحقاً إلى منطقة سكنية فاخرة يقيم فيها عدد من رجال الأعمال والمسؤولين الإسرائيليين، من بينهم نتنياهو الذي شيّد فيها منزله الخاص.

كما تقع قبالة المدينة منصة الغاز “لفتيان”، إحدى المنشآت الاستراتيجية الحيوية التي يعتمد عليها الاحتلال في استخراج الغاز من الحقول البحرية، ما يمنح الموقع أهمية اقتصادية وأمنية مضاعفة.

ردود الفعل الإسرائيلية

الحدث أثار في حينه عاصفة من الجدل داخل الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية، ووصفته الصحف العبرية بأنه “فشل أمني خطير” غير مسبوق في تاريخ المؤسسة العسكرية. وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت بأن الجيش فتح تحقيقاً عاجلاً في أسباب اختراق الطائرة، وسط ضغوط على حكومة نتنياهو لإعادة النظر في منظومات الدفاع الجوي حول المناطق الحساسة.

وأكدت التحليلات الإسرائيلية آنذاك أن الهجوم “وجّه ضربة قوية لصورة الردع الإسرائيلي”، إذ أثبت أن حزب الله يمتلك قدرات متطورة في مجال الطائرات المسيّرة تمكّنه من تجاوز أنظمة المراقبة والرادارات المتقدمة.

ومن منظور استراتيجي، شكّلت عملية قيسارية تحولاً نوعياً في مسار المواجهة بين المقاومة والاحتلال، بعدما نقلت الصراع من حدود الجنوب اللبناني إلى عمق الكيان. وأظهرت أن المقاومة باتت قادرة على استخدام تقنيات متقدمة في توجيه الطائرات المسيّرة، بما يجعل أي هدف داخل الأراضي المحتلة في دائرة الاستهداف.

وبعد مرور عام على الحدث، لا تزال العملية تُعدّ نقطة مفصلية في تاريخ المواجهة المفتوحة بين حزب الله والكيان الإسرائيلي. فقد أعادت إلى الواجهة النقاش حول هشاشة الأمن الداخلي الإسرائيلي، وأرست معادلة جديدة عنوانها أن الرد على العدوان لن يُحصر بعد اليوم داخل الجغرافيا اللبنانية.

ومثّلت العملية رسالة مزدوجة: ميدانية لإثبات القدرة التقنية والتنفيذية للمقاومة، وسياسية لتأكيد أن استهداف رموز الاحتلال لم يعد خطاً أحمر. كما شكّلت ضغطاً داخلياً على حكومة نتنياهو التي واجهت انتقادات حادة بسبب الإخفاق الأمني في حينها.

المصدر: موقع المنار