هناك عرفٌ قديم في لبنان، أن عدم إعلان نائب أو كتلة نيابية لإسم رئيس حكومة مكلَّف خلال الإستشارات النيابية المُلزِمَة، هو بمثابة تفويض غير مباشر لرئيس الجمهورية يعطيه هامشاً من الحرية في التكليف، لكن، بعد “الطائف” و”الدوحة” بات ساكن بعبدا مُقيَّداً أكثر في وظيفة “المايسترو” بين كافة المكوِّنات اللبنانية، وهذه القيود باتت أكثر تشدداً على الرئيس ميشال عون، كونه بنظر خصومه، يتشدَّد في مسألة الحفاظ على الهوية الوطنية اللبنانية التي صبغتها دماء الشهداء عامي 2000 و 2006، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يدفع عون ثمن إستهانة العهد الذي سبقه بمُسلَّمات وطنية أرستها المعادلة الثلاثية، خاصة أن خصوم الرئيس عون منذ بداية عهده هم بغالبيتهم “فريق سفارات”.
بناء لما تقدَّم فإننا نفهم سبب عدم التسمية من طرف خصوم العهد خلال الإستشارات وهذا أمر طبيعي من الذين ما تركوا وسيلة خارجية أو داخلية إلَّا واستخدموها لمحاربة عهد محسوب على المقاومة، وقد يختلف ذلك عن حسابات الاطراف الاخرى في غدم التسمية. على أية حال، الرئيس ميقاتي باقٍ الآن، سواء شكَّل حكومة في الفترة المُتبقِّية من ولاية الرئيس عون، أو بقي رئيس حكومة تصريف أعمال كما هو واقع الحال، وما بقي من ولاية رئيس الجمهورية بات ضمن مرحلة “البطَّة العرجاء” كما هي مُتعارف عليها في الولايات المتحدة.
وإذا كانت تسمية “البطَّة العرجاء” في الولايات المتحدة، تُطلق على فترة الستة أشهر الأخيرة من ولاية أي رئيس أميركي وقدوم رئيس جديد، وتُفرمَل خلالها كل السياسات الداخلية والخارجية ذات الطابع الهام، لإنشغال الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالحملات الإنتخابية، فإن وضع الرئيس ميشال عون، أنه عاش مرحلة “البطَّة العرجاء اللبنانية” منذ اليوم الأول لولايته وربما حتى اليوم الأخير، نتيجة أحقاد خصومه، دون ان يتوقف عن مساعيه في كل الملفات الوطنية والهامة، والسجال الذي حصل بين بعض فرقاء 14 آذار والنائب جبران باسيل يختصر هذه المقولة، تحت عنوان “ما خلُّونا”، مما دفع بالنائب باسيل للردّ على نواب “القوات” بالقول: “ما خلّونا نحقق إيجابيات خلال ولاية عهد الرئيس عون، لكننا بدورنا ما خلَّيناهم يحققوا سلبيات”.
باختصار، التحرير الذي تحقق في عهد الرئيس المقاوم إميل لحود، وكل ما حققه لبنان من صمود في عهد الرئيس عون، سواء بمواجهة العدو الإسرائيلي أو في سحق الإرهاب عام 2017، دعوة لنا لتقييم الأمور بالمنظار الوطني البعيد المدى، وتقييم الوضع اللبناني الراهن يتمّ بصرف النظر عن تشكيل آخر حكومة في عهد الرئيس عون أو عدم تشكيلها، خاصة أن المُعرقلين لخطواته الإصلاحية طيلة عهده بإيعاز من سفارات، يُدركون أن لبنان لن يكون بعد ميشال عون كما كان قبله، وأن مَن رفعوا السقوف بوجه عهده لغايات غير وطنية، سوف يصطدمون بعد أشهر بالسقف العالي لإنتخابات رئاسة الجمهورية، وأن ميشال عون الذي يُغادر قوياً على المستوى الوطني، قد حدَّد بأدائه ارتفاع سقف مَن سوف يخلفه، إما أن يكون بمواصفات ميشال عون أو لن يكون هناك رئيس حتى إشعارٍ آخر…