مع الدخول في المرحلة الأولى من الصمت الإنتخابي، منتصف ليل الأربعاء – الخميس، قبل يومٍ واحدٍ من فتح أقلام إقتراع المغتربين في الدول التي تعتمد يوم الجمعة عطلة أسبوعية، إعترضت بعض وسائل الإعلام المرئية، وأعلنت عن نيَّتها تقديم طعن بحقّ هيئة الإشراف على الإنتخابات بشأن الصمت الإنتخابي.
وسواء كان اعتراض بعض الشاشات مبنياً على مصالح تجارية أم سياسية، فإن الثابت منذ ” 17 تشرين”، أن هذه الشاشات مع الكثير من وسائل الإعلام ومن ضمنها مواقع التواصل الإجتماعي، قد هدمت ولم تبن، وأشعلت ناراً مجانية كادت ترمي الناس في أتون صراعات غير مجدية، وقد تكون إنتخابات العام 2022 الأكثر إستثناءً قياساً الى هذا الكمّ من الشحن بمختلف تنويعاته، لكن النتيجة التي يتوخَّاها المُغامرون بمصير البلد هي “جعجعة من غير طحين”.
نحن لا نستبق كلام الصناديق ونتائج الإنتخابات، رغم أن ترجيحات إستطلاعات الرأي تشي بهذه النتائج، منذ إعلان الترشيحات مروراً بالتحالفات والإنسحابات، حتى التي حصلت بعد انتهاء المُهلة القانونية، وحصول الإنسحابات بعد نهاية المُهلة، دليلٌ على التسرُّع في الترشيح والإسراع في التحالف، في ما يُشبه البناء على أرضٍ رملية دون مراعاة لواقع الأرض الجماهيرية.
والوسائل الإعلامية التي استخدمت الناس سلالم وصولٍ في السباق إلى الأسبقية، وكان لبعضها اليد الطولى في التأجيج والشحن، تشبه الى حدٍّ بعيد بعض المرشحين، الذين انضووا ضمن لوائح وهُم يُدركون أنهم مجرَّد سلالم لتأمين وصول رئيس اللائحة السَّاعي لتحقيق الحاصل، ويُجاهر علناً في المهرجانات واللقاءات بطلب الصوت التفضيلي لنفسه دون مراعاةٍ لحرية الخيارات لدى الناخبين.
أية انتخابات غير مسبوقة هذه؟ شعارات معظمها فارغٌ من المضامين، موحَّدة على طريقة “النسخ واللصق”، مع غياب البرامج نتيجة غياب الرؤية السياسية والتنموية الواحدة لدى الكثيرين، في رفقةٍ انتخابية فاقعة لا يٌبنى عليها، ورغم ذلك، اللهم لا اعتراض على قول الناخبين كلمتهم ولكن، مَن يتحمَّل مسؤولية تداعيات هذا الفلتان في الخطاب السياسي، الذي يبني “أمجاد” الإنتصارات الإعلامية على حساب الأمن والإقتصاد والإستقرار الإجتماعي؟
أسبوعان وتغدو الإنتخابات خلفنا، لمجلسٍ نيابي كائناً ما كانت تركيبته، ما كان يستحق كل هذا الغليان في قدرةٍ فارغة سوى من الفقاقيع، وفترة الصمت الإنتخابي في مرحلتيها الأولى والثانية، فرصة للتنعُّم بسكينة التفكير قبل موعد الدخول الى قلم الإقتراع والإنفراد بالعقل والضمير خلف الستارة، عسانا نُحسِن القرار عبر مُقارنة الموجود على قسيمة اللوائح، واستحضار الذاكرة في أداء القوى السياسية، سواء كانت تقليدية أم مُستجدَّة، والأهم هو احترام هذه الذاكرة، في بلدٍ ما زلنا فيه للأسف لا نُميِّز بين صناعة التاريخ ومحاولات تزويره، بين السيادة الوطنية والإنبطاح للسفارات، وإذا كانت بعض أيادي التمويل الإنتخابي قد تخطَّت خطوط الممنوع لشراء الذمم، فإنها حُكماً عاجزة عن مُلامسة الضمائر، ويبقى الرهان على الإلتزام بالخيارات الوطنية الكبرى بانتظار كلام الصناديق..